في ذكرى بيروت 1982

04 سبتمبر 2016

رتل من المقاومة الفلسطينية يغادر بيروت (27 أغسطس/1982/Getty)

+ الخط -
مرّت، الأسبوع الماضي، الذكرى 34 على خروج مقاتلي الثورة الفلسطينية من بيروت، في واحد من دراما مشاهد النزوح الفلسطيني الذي تكرّرت فصوله منذ عام 1948، ولا يزال الشعب الفلسطيني يعيش مأساة التشرد والاقتلاع من منافيه، حيث يعاني فلسطينيو سورية (حوالي 480 ألف لاجئ) تغريبة مروعة منذ أكثر من أربعة أعوام على يد النظام السوري.
خرج المقاتلون الفلسطينيون من لبنان، بعد معارك ضارية خاضوها ورفاقهم من القوات الوطنية اللبنانية ضد الغزو الإسرائيلي الذي شارك فيه حوالي 150 ألف جندي مدججين بالأسلحة الثقيلة والمتوسطة والخفيفة، يساندهم القصف الجوي والبحري والبري العنيف، بغرض اقتلاع الوجود العسكري الفلسطيني من لبنان، وبمباركة ضمنية من أنظمةٍ عربية إقليمية كانت تشعر بأن الوجود العسكري المسلح للقوى الفلسطينية ويهدّد وجودها.
قصفت قوات العدو الصهيوني، قبل الاجتياح بأيام، منشآت للثورة الفلسطينية في بيروت، كانت تحتوي على مستودعات الأسلحة، الأمر الذي أضعف التصدي عند مقاتلي المقاومة للقوات الغازية. وعلى الرغم من ذلك، ردت قوات الثورة بقصف مواقع إسرائيلية بصواريخ الكاتيوشا من الجنوب اللبناني على شمال فلسطين، واتخذته إسرائيل ذريعة للاجتياح.
تمكّنت القوات الإسرائيلية من اجتياح لبنان بسرعة، ووصلت إلى مشارف بيروت في 9 يونيو/ حزيران 1982، اشتبكت مع قوةٍ من الجيش السوري كانت متمركزة هناك، ولم تتمكّن من التصدّي للغزاة، وخرجت من المعركة مبكراً بذريعة الانسحاب التكتيكي، بحسب ادعاء النظام السوري آنذاك.
استمرت معارك بيروت 65 يوماً، قطعت فيها القوات الإسرائيلية طريق الشام بيروت، واحتلت المنطقة الشرقية منها في 11 يونيو، وأطبقت حصاراً خانقا على بيروت الغربية في 14 منه، وقد تجمع فيها قرابة 13 ألف مقاتل فلسطيني ولواء من قوات جيش التحرير الفلسطيني، إضافة إلى آلاف من مقاتلي الحركة الوطنية اللبنانية. اتخذت منظمة التحرير الفلسطينية قرار الصمود، قدّم فيه المقاتلون الفلسطينيون، وإخوتهم من المقاتلين في القوى الوطنية اللبنانية، أروع البطولات على مدى شهرين من الحصار الخانق الذي فرضته عليهم قوات العدو الصهيوني، ومنعت عنهم مقومات الحياة من غذاء و دواء وكهرباء، بالإضافة إلى القصف الوحشي اليومي من البر و البحر والجو. حاولت خلاله أيضا القوات الصهيونية اقتحام بيروت الغربية مرات، وفشلت، ولم تستطع التقدم شبراً باتجاه المحاصرين في بقعة جغرافية صغيرة. استشهد وجرح خلال المعارك آلاف من المقاتلين الفلسطينيين واللبنانيين والمدنيين أيضاً. الأمر الذي يعني أن إسرائيل فشلت في احتلال بيروت الغربية، ما اضطرها إلى الموافقة على وقف إطلاق النار في 12 أغسطس/ آب 1982، على ضوء الاتفاق الذي بين المبعوث الأميركي فيليب حبيب، ممثلا عن الجانبين، الإسرائيلي والأميركي، وقيادة منظمة التحرير. وفي 18 أغسطس، توصل المتفاوضون إلى اتفاق يقضي بخروج المقاتلين الفلسطينيين من بيروت خلال 15 يوماً، الأمر الذي بدأ بحراً في 21 أغسطس ، وانتهي في 31 من الشهر بحماية دولية. وقد بلغ عددهم 11 ألف مقاتل، بالإضافة إلى 2600 عنصر من جيش التحرير الفلسطيني، توجهوا إلى مناف جديدة في سورية والعراق وتونس واليمن والجزائر والسودان، وتوجه ياسر عرفات إلى اليونان، معلنا أنه سيعود إلى فلسطين من هناك. وخرج الأهالي من سكان بيروت الفلسطينيون واللبنانيون لوداعهم في مشهد تراجيدي، ما زالت آثاره في نفوس الشرفاء من الفلسطينيين واللبنانيين، وغصّت بهم الساحات وأسطح المنازل والشرفات، وراحوا يهتفون للبطولات التي سطرها المقاتلون أيام الصمود، وتخلل ذلك العويل والزغاريد، وانهمرت الدموع تعبيراً عن الاعتزاز الذي تخلله شعور بالهزيمة التي لحقت بالمشروع الوطني الفلسطيني، والخوف من المستقبل الغامض على مصيرهم بعد خروج المقاتلين، ولم تكذب الأحداث إحساسهم، فقد تعرض مخيما صبرا وشاتيلا إلى المجزرة الشهيرة.
وهكذا أسدل الستار على مرحلة مهمة من تاريخ الشتات الفلسطيني، وها هو المشهد يتكرّر في معظم المخيمات الفلسطينية في سورية التي شرّد سكانها إلى كل الأرض، ولكن هذه المرة ليس بحماية دولية، بل تحت القصف الهمجي الذي قامت به طائرات الميغ التابعة لسلاح النظام السوري.
192E063C-DF9D-4533-9D3D-62B7977B9210
خالد أبو عيسى

كاتب فلسطيني من مخيم اليرموك في دمشق مقيم في فرنسا، ماجستير علوم اجتماعية.