في ذكرى العاشر من رمضان: العريش خارج مصر

29 مايو 2018
اقتصر الاحتفال على خطوات رمزية فقط (محمد الشاهد/فرانس برس)
+ الخط -



مرت ذكريات عدة على أهل مدينة العريش، عاصمة محافظة شمال سيناء، مطلع الأسبوع تمثلت بالذكرى الـ44 لحرب العاشر من رمضان التي خاضها الجيش المصري ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي، والذكرى الـ 39 لعودة العريش إلى أحضان مصر في 26 مايو/أيار 1979، في ظل ظروف أصعب من تلك التي عاشتها إبان الاحتلال، بفعل سياسات النظام المصري المتبعة في سيناء، وأفعال الأمن المصري ضد المدنيين. لم يهتم أبناء المدينة التي يقطنها أكثر من 160 ألف نسمة وفقاً للإحصاءات الرسمية بالاحتفال في الذكريات الوطنية، نظراً إلى انشغالهم في الظروف الصعبة التي أوجدتها العمليات العسكرية التي يقوم بها الجيش المصري منذ خمس سنوات، وتزايدت حدتها في الأشهر الثلاثة الماضية، في ظل العملية العسكرية الشاملة التي يخوضها منذ 9 فبراير/شباط الماضي، بهدف القضاء على "الإرهاب"، في ظلّ إجراءات صارمة تستهدف حركة المدنيين، وامدادات الطعام لهم.

وتأتي الذكريات الوطنية في ظل هدم المنازل وتهجير السكان من غالبية مدن محافظة شمال سيناء بما فيها العريش، عدا عن تزايد في أعداد القتلى في صفوف المدنيين، نتيجة لهجمات عشوائية يشنها الجيش المصري على قرى وأحياء في سيناء، فيما يتصدر الوضع الاقتصادي واجهة الأزمة في مدينة العريش، التي تواجه حصاراً خانقاً من قوات الجيش من دون موعد لانتهائه، بحجة العملية العسكرية.

وسط كل هذا تجاهل الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، للمرة الأولى في تاريخ بلاده، الاحتفال بذكرى النصر على الاحتلال الإسرائيلي، في العاشر من رمضان في ضوء التقارب غير المسبوق بين نظامه ودولة الاحتلال، والذي وصل إلى حد السماح للسفارة الإسرائيلية بالاحتفال بذكرى النكبة السبعين بأحد فنادق وسط القاهرة، وسط حضور لافت لمسؤولين حكوميين، ورجال أعمال مصريين.

واكتفى السيسي بصلاة الجمعة الماضية بمسجد "المشير طنطاوي" بمنطقة التجمع الخامس، شرقي القاهرة، وسط حراسة مشددة، من دون الإعلان عن أي مراسم احتفالية من قبل القوات المسلحة كما جرت العادة، والاستماع إلى خطبة الصلاة التي ألقاها مستشاره للشؤون الدينية، أسامة الأزهري، حول "فضل يوم العاشر من رمضان، والجهاد، والوقوف ضد الغلو، والتطرف، والتفريط، ونشر الوسطية الإسلامية".



واقتصر رد فعل الجيش المصري على نشر الموقع الرسمي لوزارة الدفاع، أربعة مقاطع مصورة بشأن ذكرى العاشر من رمضان، تحت عنوان "إرادة مصرية"، وتضمنت إحداها كلمة للواء يسرى عمارة، من مقاتلي الفرقة الثالثة (مشاة) في حرب السادس من أكتوبر/تشرين الأول 1973، قال فيها: "قالوا لنا الساعة الثانية ظهراً يا نأخذ بثأرنا.. يا نروح، ومالناش لازمة". في المقابل كانت طوابير السيارات تصطف في شوارع مدينة العريش، في انتظار الحصول على الغاز والبنزين الذين سيمكن سائقي الأجرة من خدمة المواطنين في العريش، بعد انقطاع دام بضعة أشهر، في ظل منع إدخال أي نوع من المحروقات إلى محافظة شمال سيناء، بقرار عسكري تزامن مع بدء العملية العسكرية الشاملة.

ومما قاله نائل محمد وهو أحد سائقي الأجرة لمراسل "العربي الجديد": "حتلاقي احتفالات في مصر أحسن من كده، أهو لينا عشر ساعات نستنى الفرج، ومطلوب مننا نقول تحيا مصر!"، بينما اضطر برفقة عشرات السائقين إلى تناول طعام الإفطار خلال تواجدهم في طابور الانتظار، بعدما نال بعضهم أشواطاً من الصراخ والشتائم من أفراد الأمن المتواجدين على بوابة المحطة، من دون سبب.

وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي صورة أحد سائقي الأجرة يقف فوق سيارته واضعاً يديه خلف ظهره بطلب من ضابط أمن في محطة لتعبئة الغاز بمدينة العريش، كعقاب له بحجة مخالفته للتعليمات، رغم أن المحطة لم تكن قد بدأت بالعمل، وفق ما أكد شهود عيان لـ"العربي الجديد". وهذا ما رأى فيه كثيرون اختصاراً للمشهد في سيناء، وصورة مصغّرة لتعامل الأمن مع أهالي مدن شمال سيناء.

وتعقيباً على ذلك، قال أحد وجهاء مدينة العريش لـ"العربي الجديد": "كنا نتمنى أن نقيم الاحتفالات بهذه المصادفة الجميلة التي جمعت ذكرى حرب العاشر من رمضان، مع ذكرى عودة العريش لحضن الوطن، لكن الظروف الاستثنائية جعلتنا نشعر أننا خارج الوطن، بفعل الإجراءات العقابية التي نتعرض لها منذ سنوات، وإهمال حكومي واضح لحياة عشرات آلاف المصريين، الذين ذنبهم الوحيد أنهم سكان سيناء".



وأضاف: "نحن من عشرات السنين نشكل خط الدفاع الأول عن مصر بأكملها، وضحينا بالغالي والنفيس من أجلها، وبدلاً من أن نكرم في كل ذكرى وطنية تتعلق بمقاومة الاحتلال، فإن إجراءات الإهانة بحقنا تزداد، وكأننا نريد الإرهاب، ولسنا نحن من نساعد الدولة في القضاء عليه بكل ما أوتينا من قوة، كما ساعدناها في طرد الاحتلال". وأشار إلى أن "الظروف الإنسانية الصعبة التي يعيشها أهالي العريش وبقية مدن محافظة شمال سيناء تضع علامات استفهام على مغزى النظام المصري من وراء هذا التضييق على سكان سيناء، وكأنها محاولات لإجبارهم على الهجرة منها".

من جهته، ذكر أحد مسؤولي مجلس مدينة العريش لـ"العربي الجديد"، أن "إدارة المحافظة ومجلس المدينة يجدان حرجاً في إقامة أي احتفالية شعبية في هذه الذكريات الوطنية، في ظل الظروف الاستثنائية التي يمر بها عشرات آلاف المواطنين، فابن سيناء والعريش خصوصاً، أصبح يحتاج لتنسيق من أجل قضاء مصلحته بالسفر إلى محافظات مصر، والتسجيل لدى المحافظة، والانتظار لأيام من أجل الحصول على الموافقة، فكيف له أن يحتفل بهذه الذكريات الوطنية؟".

وأضاف المسؤول: "نحن نفهم المشهد في سيناء والعريش جيداً، وكل القيادة الموجودة في سيناء بما فيهم نواب سيناء في مجلس الشعب، يعرفون أن الظرف الذي وضع فيه أهالي سيناء ليس عادياً، ولكن لا يستطيع أحد منا الحديث بذلك، والتصريح عن طبيعة الحال الذي وصلت إليه مدينة العريش بصفتها عاصمة لمحافظة شمال سيناء بأكملها، لكن ما يجري على الأرض يكذّب كل الادعاءات الحكومية بدعم سيناء والاهتمام بها. فالواقع بات صعبا للغاية خصوصاً في الأشهر القليلة الماضية، مما يعدم الأمل في أي بادرة تغيير قد تحصل في التعامل الحكومي مع سيناء في المرحلة المقبلة".

وكانت مصادر قبلية وحكومية متطابقة أكدت في تصريحات سابقة، لـ"العربي الجديد" أن "الجيش المصري فصل مدينة رفح المصرية عن بقية محافظة شمال سيناء، بوضعه سلكاً شائكاً بعرض 13 كيلومتراً من البحر باتجاه الجنوب، مقتطعاً خمسة كيلومترات من مدينة رفح. وهي مساحة المنطقة العازلة التي بدأ الجيش في إنشائها عام 2014، وشملت تجريف آلاف المنازل وتهجير سكانها على مدار السنوات الأربع الماضية".

ويشار إلى أن إنشاء المنطقة العازلة في مدينة رفح بهذه المساحة أدى لتدمير أكثر من 6 آلاف منزل، وتجريف آلاف الأفدنة الزراعية، وتهجير ما لا يقل عن 85 ألف نسمة من سكان مدينة رفح، لم يتلقّ جزءٌ كبير منهم أي تعويضات مقابل تهجيرهم من منازلهم حتى هذه اللحظة. في المقابل، لوحق عدد من سكان مدينة رفح المهجرين الذين انتقلوا إلى السكن في محافظات مصر الأخرى؛ بسبب حملهم بطاقة تعريف "شمال سيناء"، واعتُقلوا بصورة دورية من دون تقديم أي تهم، خصوصاً في مدينتي العريش وبئر العبد اللتين لجأ إليهما عدد كبير من الأسر المصرية التي كانت تسكن بمدينة رفح.