13 فبراير 2022
في حضرة "الإمام" السيسي
يمثل الدين أحد المداخل المهمة لفهم شخصية المرشح الرئاسي المصري ووزير الدفاع السابق، عبد الفتاح السيسي. الرجل يصر على استحضار الدين فى خطاباته بشكل واضح، ويعتبر ذلك جزءاً من شخصيته. على سبيل المثال، يقول فى حوار مع الصحفي، ياسر رزق، إن سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم قدوته ومثله الأعلى. ويقول، في موضع آخر من الحوار نفسه، إنه تأثر بالشيخين، متولي الشعراوي وصادق العدوي. وفي مناسبات أخرى عديدة، فإن لغة السيسي وجزءاً من تفكيره لا يخلوان من نزعة تدينية واضحة، ما يثير تساؤلات عديدة بشأن مفهوم الرجل للدين، ورؤيته دور الدين في المجال العام.
يمكن القول إن "تدين" السيسي جزء من ظاهرة "التدين" المحافظ، والتي انتشرت، طوال العقد الماضي، في مؤسسات كثيرة في الدولة المصرية، بما فيها الجيش والشرطة. وهي ظاهرة طقوسية شكلانية، تقوم على فهم بسيط وشعبوي للدين، ساهمت في انتشاره الفضائيات الدينية التي انتشرت وترعرعت، في العقد الأخير من حكم حسني مبارك، وكان لها تأثير قوي على شرائح اجتماعية مختلفة. وهو ما يسميه باحثون "الدين الشعبي" أو "دين العوام". ويعكس هذا النمط التديني، أيضاً، التحولات في الثقافة الشعبية والعامة في مصر، والتي غلب عليها الطابع المحافظ والمنغلق، لأسباب كثيرة، ليس أقلها الانسداد السياسي إبان عهد مبارك.
ولعل أهم ما يميز هذا النوع من التدين، أو المحافظية، تركيزه على الشكل دون المضمون، وافتقاده القيم لحساب السلوك. وهو لا يخلو من مسحةٍ نفعيةٍ مجتمعياً ومعنوياً. لذا، ليس غريباً أن تجد هذا النمط من التدين منتشراً داخل مؤسسات معروفة ببطشها واستبدادها، كوزارة الداخلية التي يحافظ كثيرون من كوادرها على أداء الفروض من صلاة وزكاة وصوم وحج. ولكن، ليس لديهم مانع في قمع معارضي النظام السياسي وقتلهم. أو موظف الحكومة الذي يترك عمله من أجل الصلاة، ولكنه لا يمانع في الحصول على رشوة للقيام بوظيفته. هذا التدين الانفصامي الذي يفصل بين القول والفعل وبين القيم والسلوك كان، ولا يزال، من أهم ملامح الثقافة الدينية التي انتشرت في مصر في العقد الماضي. ومن يقرأ بحث التخرج الذي كتبه السيسي، وهو في الأكاديمية العسكرية في الولايات المتحدة، قبل عقد، يقع على تركيزه على البعدين الديني والثقافي في فهم مسألة الديمقراطية.
لذا، لم يكن غريباً أن تثق قيادات "الإخوان المسلمين" فى السيسي، باعتباره شخصاً "ورعا وتقيا" و"يواظب على صيام النوافل، وعلى البكاء في الصلاة"، كما عرفنا لاحقاَ، على الرغم من تورطه في قمع المتظاهرين في ثورة 25 يناير، ودوره المشين في كشوف "العذرية"، وحفلات تعذيب جرت لنشطاء في "المتحف المصري" في ميدان التحرير، حسب شهادات كثيرين. وهو ما لم يفطن إليه "الإخوان" إلا بعد أن انقلب عليهم من كان يصفه بعضهم بالشخص "الصوام القوام".
الآن، يحاول عبد الفتاح السيسي توظيف تدينه في إطار حملته الانتخابية، ومغازلة الشريحة نفسها من المتدينين والمحافظين. وهو يفعل ذلك عن قناعةٍ، وإيمان مطلق بدوره في تصحيح الوعي الديني للمصريين. ولا تخلو لقاءاته الانتخابية من إقحام الدين بها، كما حدث أخيراً في لقائه ممثلين عن تيارات سياسية ومؤسسات مختلفة.
ويكشف تفكيك الخطاب الديني للسيسي وتحليله عن عدة أمور. أولها أنه خطاب ديني شعبوي، يعتمد على اللغة البسيطة، تتخلله مسحة إيمانية، لا تخلو من الافتعال والادعاء، ولكنْ، لها صدى وتأثير لدى رجل الشارع العادي. ولم يكن مفاجئاً أن يتحدث السيسي عن أهمية الدين في نشأته وتكوينه وحياته، إلى درجةٍ جعلته يتجسد في أحلامه. وهنا، يبدو السيسي أقرب للرئيس أنور السادات الذي كان يسمي نفسه "الرئيس المؤمن"، من أجل كسب تعاطف الشارع الإسلامي، في معركته مع الناصريين والشيوعيين.
ثانيها أنه خطاب ديني "دولتي" بامتياز. فنشر الوعي الديني مسؤولية الدولة، وهنا يقول السيسي إن جميع أجهزة الدولة مسؤولة عن نشر "الوعي الديني الصحيح" بين المواطنين المصريين، من أجل مواجهة الفكر المتطرف. وهذا هو خطاب مبارك الذي كان يرى الدولة مسؤولة عن صياغة أخلاق مواطنيها، والحفاظ على تدينهم.
ثالثها، أنه خطاب ديني سلطوي، يحتكر مفهوماً بعينه للدين، ويحاول فرضه على المجتمع. وهنا يقول السيسي إن الخطاب الديني السائد أضر بالسياحة والاقتصاد والمرأة، ما يتطلب ضرورة تغيير محتوى هذا الخطاب، لكي يتناسب مع تصور السيسي لما ينبغي أن يكون عليه.
من هنا، لم تكن إحدى خلفيات الصراع بين السيسي و"الإخوان" سياسية، وإنما دينية أيضاً، في محاولة كل طرف السيطرة على "سلاح" الدين، واستخدامه في المجال العام، وتوجيهه في إطار يتناغم مع فهمه وتصوراته. لذا، لم يكن غريباً أن ينقلب الرجل على جماعةٍ من المفترض أنها دينية، ورئيسها شخص ملتحٍ، لكي يستأثر هو باستخدام الدين فى خدمة مشروعه السلطوي. وربما لن يكون مفاجئا أن يسعى السيسي، بعد وصوله إلى الرئاسة، إلى فرض فهمه، وتصوره، للخطاب الديني على المجتمع، ويصبح "إماما" للمتدينين الجدد في مصر.
يمكن القول إن "تدين" السيسي جزء من ظاهرة "التدين" المحافظ، والتي انتشرت، طوال العقد الماضي، في مؤسسات كثيرة في الدولة المصرية، بما فيها الجيش والشرطة. وهي ظاهرة طقوسية شكلانية، تقوم على فهم بسيط وشعبوي للدين، ساهمت في انتشاره الفضائيات الدينية التي انتشرت وترعرعت، في العقد الأخير من حكم حسني مبارك، وكان لها تأثير قوي على شرائح اجتماعية مختلفة. وهو ما يسميه باحثون "الدين الشعبي" أو "دين العوام". ويعكس هذا النمط التديني، أيضاً، التحولات في الثقافة الشعبية والعامة في مصر، والتي غلب عليها الطابع المحافظ والمنغلق، لأسباب كثيرة، ليس أقلها الانسداد السياسي إبان عهد مبارك.
ولعل أهم ما يميز هذا النوع من التدين، أو المحافظية، تركيزه على الشكل دون المضمون، وافتقاده القيم لحساب السلوك. وهو لا يخلو من مسحةٍ نفعيةٍ مجتمعياً ومعنوياً. لذا، ليس غريباً أن تجد هذا النمط من التدين منتشراً داخل مؤسسات معروفة ببطشها واستبدادها، كوزارة الداخلية التي يحافظ كثيرون من كوادرها على أداء الفروض من صلاة وزكاة وصوم وحج. ولكن، ليس لديهم مانع في قمع معارضي النظام السياسي وقتلهم. أو موظف الحكومة الذي يترك عمله من أجل الصلاة، ولكنه لا يمانع في الحصول على رشوة للقيام بوظيفته. هذا التدين الانفصامي الذي يفصل بين القول والفعل وبين القيم والسلوك كان، ولا يزال، من أهم ملامح الثقافة الدينية التي انتشرت في مصر في العقد الماضي. ومن يقرأ بحث التخرج الذي كتبه السيسي، وهو في الأكاديمية العسكرية في الولايات المتحدة، قبل عقد، يقع على تركيزه على البعدين الديني والثقافي في فهم مسألة الديمقراطية.
لذا، لم يكن غريباً أن تثق قيادات "الإخوان المسلمين" فى السيسي، باعتباره شخصاً "ورعا وتقيا" و"يواظب على صيام النوافل، وعلى البكاء في الصلاة"، كما عرفنا لاحقاَ، على الرغم من تورطه في قمع المتظاهرين في ثورة 25 يناير، ودوره المشين في كشوف "العذرية"، وحفلات تعذيب جرت لنشطاء في "المتحف المصري" في ميدان التحرير، حسب شهادات كثيرين. وهو ما لم يفطن إليه "الإخوان" إلا بعد أن انقلب عليهم من كان يصفه بعضهم بالشخص "الصوام القوام".
الآن، يحاول عبد الفتاح السيسي توظيف تدينه في إطار حملته الانتخابية، ومغازلة الشريحة نفسها من المتدينين والمحافظين. وهو يفعل ذلك عن قناعةٍ، وإيمان مطلق بدوره في تصحيح الوعي الديني للمصريين. ولا تخلو لقاءاته الانتخابية من إقحام الدين بها، كما حدث أخيراً في لقائه ممثلين عن تيارات سياسية ومؤسسات مختلفة.
ويكشف تفكيك الخطاب الديني للسيسي وتحليله عن عدة أمور. أولها أنه خطاب ديني شعبوي، يعتمد على اللغة البسيطة، تتخلله مسحة إيمانية، لا تخلو من الافتعال والادعاء، ولكنْ، لها صدى وتأثير لدى رجل الشارع العادي. ولم يكن مفاجئاً أن يتحدث السيسي عن أهمية الدين في نشأته وتكوينه وحياته، إلى درجةٍ جعلته يتجسد في أحلامه. وهنا، يبدو السيسي أقرب للرئيس أنور السادات الذي كان يسمي نفسه "الرئيس المؤمن"، من أجل كسب تعاطف الشارع الإسلامي، في معركته مع الناصريين والشيوعيين.
ثانيها أنه خطاب ديني "دولتي" بامتياز. فنشر الوعي الديني مسؤولية الدولة، وهنا يقول السيسي إن جميع أجهزة الدولة مسؤولة عن نشر "الوعي الديني الصحيح" بين المواطنين المصريين، من أجل مواجهة الفكر المتطرف. وهذا هو خطاب مبارك الذي كان يرى الدولة مسؤولة عن صياغة أخلاق مواطنيها، والحفاظ على تدينهم.
ثالثها، أنه خطاب ديني سلطوي، يحتكر مفهوماً بعينه للدين، ويحاول فرضه على المجتمع. وهنا يقول السيسي إن الخطاب الديني السائد أضر بالسياحة والاقتصاد والمرأة، ما يتطلب ضرورة تغيير محتوى هذا الخطاب، لكي يتناسب مع تصور السيسي لما ينبغي أن يكون عليه.
من هنا، لم تكن إحدى خلفيات الصراع بين السيسي و"الإخوان" سياسية، وإنما دينية أيضاً، في محاولة كل طرف السيطرة على "سلاح" الدين، واستخدامه في المجال العام، وتوجيهه في إطار يتناغم مع فهمه وتصوراته. لذا، لم يكن غريباً أن ينقلب الرجل على جماعةٍ من المفترض أنها دينية، ورئيسها شخص ملتحٍ، لكي يستأثر هو باستخدام الدين فى خدمة مشروعه السلطوي. وربما لن يكون مفاجئا أن يسعى السيسي، بعد وصوله إلى الرئاسة، إلى فرض فهمه، وتصوره، للخطاب الديني على المجتمع، ويصبح "إماما" للمتدينين الجدد في مصر.