في انتظار ما لا يأتي

06 يناير 2018
+ الخط -
إننا مخلوقون من طين الانتظار، مدمنو الوقوف على أطلال الأشياء التي لا تأتي. هذا ينتظر حياة أفضل لا يدري ما شكلها، وذاك يتوق إلى تغيير ما لا يملك أدنى فكرة عن فحواه. إنه الانتظار لغرض الانتظار. وكأنك تريد شيئًا ما يمنح الحياة قيمتها. ستخونك الأسماء والأماكن، وستبذل السنون جل جهدها كي تضع العراقيل في طريقك. ستتعثر بها وستواصل السير آملًا أن تستوي لك السبل. في الواقع هي لن تستوي كثيرًا، لكنك ستواصل السير متجاهلًا كل الإشارات من حولك. ستقرر أن تدخل عامك الجديد خالياً من الأمنيات، مثقلًا باللاشيء، لكنك لا تمتلك القوة. 

ستجهز قائمة بكل ما تريد أن تحققه في عامك الجديد. وستقف حائراً عاجزاً عن تسمية أمنيةٍ حقيقيةٍ واحدةٍ حين يسألك أحدهم عما تريد تحقيقه. الفرج، الأفضل، الخلاص. المسميات كثيرة لكنها لا تكفي كي تضع تعريفاً واحداً ذا معنى، حتى أنك لو تجردت من توقك ونظرت إلى الواقفين على المحطة من الخارج لظننت أنهم ينتظرون ذات الشيء، في حين ينتظر كل منهم شيئاً مختلفاً تمام الاختلاف، واضحاً كل الوضوح، خفياً كل الخفاء.


ستضحك السنون في وجهك حيناً وتعبس أحياناً أخرى. لكنك لن تضحك معها. لن تكتفي بحفنة الخير التي تجلبها لك الأعوام. ستضع قائمة جديدة بما تريد تحقيقه وستلبث تنتظر مجدداً، لكنك ستنسى أن تعيش في خضم كل هذا. ستشعر بالأسف حيال الأيام التي أضعتها في انتظار الأشياء التي تحققت وسيخيل لك أنها لم تكن تستحق عناء كل هذا الانتظار.

لكنك في ذات الوقت، ما تلبث تقلق مجدداً حيال الأشياء التي لم تأت بعد ظانّاً أنها تستحق
. إنك عدو نفسك اللدود، تعلق آمالك دائماً على شماعة المستقبل، دائم الخوف من الغد، دائم الحسرة على ما فات. دائم التوق إلى الأفضل، ولكنه ليس بالضرورة ذاك التوق الذي يصاحبه العمل. إنما هو الخوف وقلة الحيلة، الانتظار وقلة الصبر، العجز وقلة الحَول. إنه اليأس مستتر بلباس الأمل، إنه الخوف مشنوق بحبل الرجاء.

أنت لم تخلق لتنتظر، إن الحياة لحظات من العيش لا من الترقب. إن يومك هو ما يمنح الحياة قيمتها، وهذا لا يحتم بالضرورة وجود مجهول ما لم يأت بعد. دع هوسك بالغد جانباً وعِش. ليس ثمة عرض تجريبي للحياة، إنها الحياة.
دلالات
F190A33E-C379-4CB4-921F-B35738913DC7
ريم حمدي الكحلوت

فلسطينية من قرية نعليا المحتلة. تقول: "أعيش في غزة. أكتب كيلا أفقد عقلي في خضم ما يحدث".