في انتظار انتفاضة

02 نوفمبر 2014

شبان فلسطينيون يرمون جنود الاحتلال بالحجارة في بيتونيا (سبتمبر/2013/أ.ف.ب)

+ الخط -
لم ينتظر الفلسطينيون انتفاضة يوماً، لم يسَخِّروا كل طاقاتهم البلاغية والكلامية في التنظير للانتفاضة القادمة، لم يتسابقوا للتنبؤ بقرب دنوها. لم يجلسوا أمام الشاشات في انتظار عدٍّ عكسي لبدئها، بل لم يتوقعوها يوماً. حتى المحللون والخبراء والسياسيون لم يفلحوا يوماً في التبشير، أو التنفير من انتفاضة قادمة. ظلت الانتفاضة بنت لحظتها من دون أي مقدمات.
على العكس تماماً، حين بدأت انتفاضة الأقصى، جلس كثيرون في مواقعهم متشككين مما يجري. وبعد أسابيع، همسوا في آذان بعضهم: إنها الانتفاضة! وتأخرت حينها فصائل كثيرة في النزول إلى المظاهرات في انتظار انجلاء المشهد، والتأكد من أن ما يجري انتفاضة أو شيء لا يقل عنها صدقاً.
اليوم، ينزل فلسطينيون إلى الشارع، ويتظاهرون ويخوضون اشتباكات مع الاحتلال، وهم يدعون لاندلاع الانتفاضة، حتى وهم في الشارع، يفعلون كل أفعال الانتفاضة، يصرّحون بكل عبارات الانتظار وشعاراته. تنادي غزة على الضفة، والضفة على غزة، والقدس على الاثنتين. وقبل ذلك، نادى الداخل ونودي عليه مراراً، كل جهة ترجو الأخرى للانتفاض، فالكل ينتظر.
تأجج المشهد قبل يومين، حين هتف الفلسطينيون في القدس، طالبين من الضفة انتفاضة في صيغة رجاء، كان المشهد تكثيفاً لكل الدعوات التي لا تكل منذ سنوات لاندلاع الانتفاضة. الكل ينادي وينتظر ويصرخ في مشهد أليم، وغير مفهوم غالباً. وبما أن الانتظار فعل سلبي خامل، يمكن للمرء أن ينتهزه للتفكير جدياً في أسباب تأخر الانتفاضة المنتظرة، على الرغم من استكمالها كل أسباب قدومها. هكذا يرى الناس ويرى المحللون.
لا تريد الفصائل الفلسطينية، من أقصاها إلى أقصاها، انتفاضة، على الأقل لا تملك أن تختلق أي فتيل، أو تشعله، لينفجر كل شيء، ليس لديها لا الرغبة ولا الإمكانية. هذا أوضح من أن ينكره أحد، بالتأكيد، يريد كثير من أبناء الفصائل وبناتها انتفاضة، ولذلك، يقومون بعمليات فردية تضطر فصائلهم للحاق بها عبر إشادات متأخرة وخجولة، إلا أن الفصائل، ببناها التنظيمية وهياكلها وأطرها القيادية، تلتزم السكون وتريده.
أي انتفاضة في غزة؟ كيف سينتفض الغزيون على الطريقة الفلسطينية؟ إطلاق الصواريخ وتنفيذ عمليات خلف خطوط العدو ليس انتفاضة ببساطة، هذه حرب لا يمكن للمقاومة في غزة خوضها كل شهرين. أما التظاهر عند حاجز إيرز فهو بحاجة لقرار من حركة حماس، وقبل ذلك، إقناع من يخطفون الجنود، ويطلقون صواريخ تصل إلى حيفا، بأن التظاهر ذاك لا يزال مجدياً.
في الضفة، تبدو الانتفاضة بحاجة لصدام أولي من السلطة، أو إخلاء طرفٍ من جانبها حتى يصل المتظاهرون بعد عدة كيلو مترات من المشي إلى أقرب حاجز، ومن المهم تذكير الجميع أن لا سلاح في الضفة إلا سلاح السلطة وأمنها، وانتفاضة السلطة على أي سلاح آخر لم تهدأ منذ 2007.
تبدو القدس يتيمة فعلاً هذه الأيام، فيها انتفاضتها الخاصة، إلا أن المنتفضين ينتظرون انتفاضة أخرى، ينتظرون تحركاً من غيرهم. المنطق نفسه الذي خاطب به الفلسطينيون العرب عقوداً، حتى أصبحت "وين الملايين" مملة جداً وبائسة. والحقيقة البسيطة التي كررتها التجارب أن كل حديث يسبق الانتفاضة يغدو من دون قيمة حين حلولها، لأنها، في كل مرة، تأخذ مساراً مختلفاً عن سابقه، واستجداء الحالات الماضية، ومحاولة الإتيان بمثلها، يبدو من دون جدوى، لأن كل الظروف المحيطة تغيرت.
ما يجري، اليوم، في أحد أوجهه، خسارة للحظة الراهنة القابلة للبناء عليها، في انتظار لحظة غير متحققة، ولا تبدو في المتناول. إن الشهداء الذين يمضون فرادى لم يفكروا في القادم، ولم ينتظروا لحظة أفضل، حين تبدّت لهم مساحة للفعل، مساحة ضيقة، لكنها تستحق الانتهاز من دون انتظار أي شيء، ولا تفكير في انتفاضة أشعلتها في مراحل سابقة أحداث أقل جسامة مما يجري.
2BB55568-EFEE-416B-934D-5C762181FE7F
عبّاد يحيى

كاتب وباحث وصحفي من فلسطين