في انتظار انتخابات الآخرين

15 مارس 2015

اشتباك مع جيش الاحتلال قرب رام الله (14مارس/2014/ا.ف.ب)

+ الخط -

لا يبدو أن لدى السلطة الفلسطينية، أو الفصائل الفلسطينية، ما تفعله اليوم سوى الانتظار، والانتظار متصل دوماً بما يحصل خارج الساحات السياسية الفلسطينية، وإن كان يمكن التقاط سمة واضحة للسلوك السياسي الفلسطيني، في السنوات الأخيرة، فهي الانتظار، مراقبة المحيط الإقليمي والدولي، أو مراقبة الإسرائيليين والأميركيين، وانتظار تبدّل في المواقع والتوازنات يفضي إلى تحريك ما. ومع اضطراب المحيط العربي، أيضاً، بات انتظار ما تسفر عنه مخاضات المحيط العربي انتظاراً جديداً.

على صعيد المسار التفاوضي، أدرك الفلسطينيون، بالتكرار والتجربة، أن هنالك موعدين أساسيين، عليهم انتظارهما كل عدة سنوات، الانتخابات الإسرائيلية والانتخابات الأميركية. والأولى معضلة، كونها متصلة بالتحالف الدقيق بين الأحزاب والقوى الإسرائيلية، ولا تكاد تنتظم من فرط الدعوات المبكرة للانتخابات، عند كل معضلة عسكرية أو سياسية. أما الانتخابات الأميركية، فعلى الأقل تلك منتظمة، لكنها تستوجب انتظاراً وتحرياً بصبر أيوبيّ، يتقنه الساسة الفلسطينيون.

ومع ترسخ هذا الموقف الانتظاري، وانطوائه على قدر هائل من انعدام الفعالية السياسية، بدأ، قبل سنوات، ينتقل بالتدريج من المستوى السياسي إلى المستويات الشعبية، وبات من الطبيعي أن تجد الفلسطيني العادي ينظر إلى معضلاته المعيشية اليومية، ويفصح، صراحة، أن كل شيء متوقف، حتى تنتهي الانتخابات الإسرائيلية، وما ستفرز من نتائج وتحالفات، بل ويرى أن توسع الاستيطان ثابت ومحسوم، حتى انتخابات الرئاسة الأميركية والمبادرات الأميركية المقترحة مع ولاية رئيس جديد، ومع كل ذلك، تتسرب مفردات الانتظار السياسي إلى اللغة الشعبية.

وإن كان من تبعة أخلاقية في الأمر برمته، فبالضرورة تتحملها القيادة السياسية، تلك التي حوّلت الفلسطينيين من مبادرين إلى الفعل والممارسة السياسية إلى جمهور محللين سياسيين، يتقنون مراقبة ما يجري واستشراف أي ملامح للزحزحة في مواقف الآخرين، قد تفضي إلى كسر الجمود في مسار التفاوض، أو أي مباحثات مع الإسرائيليين، حتى لو كان موضوعها الإفراج عن عائدات الضرائب، أو تخفيف العقوبات الاقتصادية.

وإن كان الانتظار، أو الجمود السياسي في مراحل الاضطرابات، وارداً في حال نُظُمٍ وكيانات تعيش في أتون محيط متغيّر، إلا أنه يعني، حتى في حالة الكيانات المستقرة، حالة طارئة، لا يمكن استدامتها، إلا أن ما يجري في فلسطين اليوم مختلف، فالانتظار يعني خسارة مستمرة، وتكريساً لواقع جديد، سيغدو الأرضية الواقعية المطروحة في أي سعي نضالي أو سياسي قادم. حتى التفاوض، في ألْيَن صيغه، يخسر يومياً مع حالة الانتظار هذه، فكيف الحال بالبرامج النضالية والاستراتيجيات الوطنية التي يكثر الحديث عنها، الحديث فقط.

السؤال البسيط، اليوم، ما الذي تخسره إسرائيل، وحكوماتها، من استدامة الحال الراهنة سنوات طوال، ما الذي تخسره جماعات المصالح في السلطة والأحزاب والفصائل الفلسطينية من استدامة الحال الراهنة لسنوات؟ وما الذي يقدمه منطق الانتظار، وهل أسفر يوماً عن تحقيق مكاسب؟ وحتى لو حصل وأسفرت سياسات الانتظار هذه عن تبدل في التوازنات السياسية، لصالح فريق أو جهة، فإن التجربة القريبة جداً تفيد بأن هذه التغيّرات طارئة أيضاً، ولا تؤسس لمكاسب حقيقية. وعلى مقربة منا، لا يكاد برلمان أو رئيس منتخب يستقر حتى نهاية ولاية انتخابية واحدة.

ما يزيد من تردي الحالة اليوم هو تحويل الانتظار هذا، عبر لعب لغوي مستمر، إلى صمود وثبات على المواقف، وهذا الترف اللغوي يسقط من حساباته ووعيه ما يجري على الأرض، ويشيع في الناس يأساً يومياً من قدرتهم على فعل شيء، ويحوّل الفاعلين المفترضين في السياسة والتاريخ إلى منتظرين، لا يختلفون في تصوراتهم عن الروحانيات المعلقة بمنتظر ما، لكنهم أكثر بؤساً، حين يكون ما ينتظرون متصلاً بالآخرين، أعدائهم أو خصومهم السياسيين.

2BB55568-EFEE-416B-934D-5C762181FE7F
عبّاد يحيى

كاتب وباحث وصحفي من فلسطين