في اليوم الخامس والسبعين حصلت المذبحة

15 اغسطس 2017
8158A4D5-AAEA-4620-B3FF-85EAB3AF241B
+ الخط -
ارتدت هبة، وهي صحافيّة مصريّة، حقيبتها على ظهرها، وسارعت للوصول إلى ميدان رابعة العدوية، بمدينة نصر شرقي القاهرة، صبيحة اليوم التالي لفض اعتصام أنصار الرئيس المصري المعزول محمد مرسي، في الرابع عشر من أغسطس/آب 2013، أي بعد يومٍ على مذبحة رابعة والنهضة.

تجولت هبة بكاميرتها في كل الأنحاء. التقطت صورًا ومقاطع فيديو للساعات الأولى لما بعد الفض. حاولت أن تسبق الجهود الحكومية لإزالة معالم المذبحة، بإدخال الأوناش والجرارات لإزالة بقايا الاعتصام، وإعادة فتح الطريق.

تفحّم ورماد، وبقايا حياة. هكذا بدا ميدان رابعة العدوية صبيحة اليوم التالي لفض الاعتصام.
كانت الجرارات والأوناش التابعة للحي والقوات المسلحة والشرطة، تباشر عملها في جرْف كل ما هو متعلق بالاعتصام. تخلي الشوارع تمامًا، وتمنع المارة من الدخول لمسجد رابعة العدوية أو المستشفى الملاصق له والذي شهد اللحظات الأخيرة في عمل الشهداء، وعمليات إسعاف المصابين.

تقول هبة "ذهبت لكي أوثّق ما جرى.. بعدما رفضت إدارة التحرير بالصحيفة التي أعمل بها أن أصور الفض، متعللة بأن "مصوري الوكالات الأجنبية موجودون بكثافة ولا داعي للمخاطرة".
تبدَّل الحال تمامًا... فالخيام المنصوبة تهاوت، والصور واللافتات المعلقة تدلت، والمعتصمون قُتلوا أو سُجنوا أو شُردوا منذ ذاك الحين.
تضيف هبة "لا أتذكر تفاصيل اليوم إلا بالصور.. حتى الآن لا أستطيع أن أتخيل أن كل ذلك حدث في بلدي، وحدها الصور توقفني على حافة الحقيقة".

بدأ اعتصام جماعة الإخوان المسلمين، في ميدان رابعة العدوية يوم 28 يونيو/حزيران 2013 واستمر 74 يومًا دعمًا للرئيس محمد مرسي والتنديد بالمطالبات التي كان يُعد لها آنذاك لتطالب برحيله وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة قبل انتهاء ولايته بثلاث سنوات كاملة.
في البداية، كان الاعتصام قوامه جماعة الإخوان المسلمين الذين جاؤوا من جميع محافظات مصر، وبعد خروج تظاهرات الثلاثين من يونيو/حزيران التي طالبت برحيل مرسي وجماعة الإخوان المسلمين من سدة الحكم، وما أعقبها من انقلاب عسكري في الثالث من يوليو/تموز من نفس العام، بدأ أنصار للرئيس وجماعة الإخوان المسلمين من غير المنتمين للجماعة، يتوافدون على الميدان للاعتصام والتمسك بنفس المطالب.



تقول هبة "أثناء الاعتصام، ذهبت أكثر من مرة لتصوير حياه الاعتصام، وخاصة في أيام العيد، كان الظرف السياسي حينها يسمح لإدارات تحرير الصحف بنشر كل ما يتعلق بالاعتصام، فقد كان مرسي لا يزال رئيسًا، وحكومة هشام قنديل باقية. لكن الحال تغير بعد ذلك".

وكانت منظمة هيومن رايتس ووتش، قد أطلقت تقريرًا حمل عنوان "مذبحة رابعة والقتل الجماعي للمتظاهرين في مصر"، قالت فيه إن "عمليات القتل لم تشكل فقط انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان الدولية، لكنها بلغت على الأرجح مستوى جرائم ضد الإنسانية ويجب التحقيق فيها ومقاضاة دولية للمتورطين في الحملة".

ووجهت المنظمة اتهامات لمسؤولين مصريين كبار بارتكابهم بشكل مرجح "جرائم ضد الإنسانية" أثناء حملة القمع الممنهج التي استهدفت متظاهرين مؤيدين للرئيس الإسلامي المعزول محمد مرسي وأسقطت مئات القتلى، بحسب المنظمة، ومن بينهم وزير الداخلية آنذاك محمد إبراهيم، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي كان حينها وزيرًا للدفاع، ومدحت المنشاوي قائد القوات الخاصة وقائد عملية رابعة، وغيرهم.

في اليوم التالي للاعتصام، قابلت هبة مجموعة من المصورين الذين حرصوا على توثيق الأحداث كما فعلت. تقول "كنا نتجول سويًا. نواجه سخافات قوات الأمن سويًا. وأثناء تجولنا، كان زملاؤنا الذين شاركوا في تغطية وقائع الفض يسردون لنا تفاصيل الأمس، كلما مررنا ببقعة أرض".

لم تتمالك هبة دموعها وهي تستمع لحكايات زملائنا عن لحظة وفاة أسماء البلتاجي، ابنة القيادي محمد البلتاجي أثناء الفض. تقول "لم أعرفها ولم ألتقِ بها من قبل.. لكن صورها والفيديو الذي انتشر عن اللحظات الأخيرة في عمرها أبكانا جميعًا.. وبكيت كثيرًا عندما حكى لي زملائي كم كان وجهها بريئًا لحظة الموت".

أسماء البلتاجي، كانت واحدة من ضمن مئات قُتلوا على يد قوات الشرطة والجيش المصريين، أثناء فض الاعتصام، وحتى كتابة هذه السطور، لا يوجد هناك إحصاءات اتفقت على عدد الشهداء. فجميع المنظمات الحقوقية والحكومية المصرية منها والدولية، تداولت أعدادا متباينة تبدأ من 333 قتيلًا بينهم 247 حالة معلومة و52 حالة مجهولة، و7 حالات من الشرطة، بحسب التقديرات الحكومية المصرية الصادرة عن وزارة الصحة ومصلحة الطب الشرعي، وتصل في بعض التقديرات الحقوقية المصرية لـ 2200 حالة بحسب آخر إحصاء صادر عن مستشفى رابعة العدوية الميدان، بينما يرتفع العدد قليلًا لـ 2600 قتيل بحسب ما أعلنته جماعة الإخوان المسلمين، آن ذاك.

بينما ذكرت منظمة "هيومان رايتس ووتش"، في تقريرها الصادر 12 أغسطس/آب 2014، أن عدد الضحايا هو 1150 قتيلاً، قبل أن ينخفض العدد في التقرير الصادر عن المنظمة ذاتها في 14 أغسطس/آب 2015، لـ 817 حالة.



ذات صلة

الصورة
عقب مذبحة رابعة عام 2013 (خالد دسوقي/ فرانس برس)

مجتمع

تأتي الذكرى الثامنة لمذبحة رابعة وسط أحكام بالإعدام كان يمكن التخفيف منها، لتعيش عائلات المحكومين المذبحة مرتين
الصورة
خلال الذكرى الأولى لمذبحة رابعة (عمرو صلاح الدين/ الأناضول)

مجتمع

ما زالت المشاهد الوحشية لفض اعتصام رابعة قبل سنوات عالقة في نفوس من كانوا شهوداً على المذبحة في ذلك اليوم وعاشوا تفاصيلها لحظة بلحظة. مشاهد خلّفت شروخاً وآثاراً نفسية لدى هؤلاء الأشخاص انعكست على حيواتهم ويومياتهم
الصورة
مصر/حادثة القطار/Getty

سياسة

صادق الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، اليوم الجمعة، على قرارٍ بتعيين رئيس الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، اللواء كامل الوزير، وزيراً للنقل والمواصلات، خلفاً للدكتور هشام عرفات الذي تقدم باستقالته يوم الأربعاء الماضي، في أعقاب حادث قطار "محطة مصر".
الصورة
العربي الجديد في منزل مصعب الشامي

سياسة

في ذكرى مرور خمس سنوات على مجزرة رابعة، زار "العربي الجديد" منزل المصوّر مصعب الشامي الذي وثق مذبحة رابعة قبل مقتله، والتقى أسرته التي روت شهاداتٍ دامية لم تغادر ذاكرتها.
المساهمون