20 نوفمبر 2017
في الرد الفلسطيني على "الصفعة"
رجا ديب
تعتني الخطة الأميركية التي يجري الحديث عنها، وتشتهر بتسميتها "صفقة القرن" قضايا الحل النهائي التي فشل الجانبان، الفلسطيني والإسرائيلي، طوال 25 عاماً من المفاوضات في الوصول إلى حل متفق عليه بينهما. ولقناعة إدارة الرئيس دونالد ترامب أن الجانب الفلسطيني هو السبب في ذلك، فإنها ستحاول فرض خطتها على الفلسطينيين.
وجاء في تقرير أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، صائب عريقات، للمجلس المركزي الفلسطيني، في اجتماعه أخيرا في رام الله، أن "المرحلة المقبلة هي مرحلة فرض الإملاءات الأميركية، على كل من يريد السلام أن يوافق على ما سوف تفرضه أميركا، وأن كل من يعارض ذلك سيعتبر من قوى الإرهاب والتطرف المتوجب على القيادات السياسية في المنطقة طردها ومحاربتها، فالاعتدال يعني قبول صفقة فرض الإملاءات التي تعتبر بامتياز تبنّياً كاملاً وشاملاً لمواقف الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، بفرض الأمر الواقع من خلال الاستيطان الاستعماري، ومصادرة الأراضي، وطرد السكان، والتطهير العرقي، وهدم البيوت، والاغتيالات والاعتقالات والحصار والإغلاق". وتؤكد ذلك كلمة نائب الرئيس الأميركي، مايك بنس، على منبر الكنيست (22 /1/ 2018)، وفيها أن بلاده ستبدأ بترتيبات نقل السفارة من تل أبيب إلى القدس خلال أيام، وأنها ستفتح أبوابها خلال العام المقبل (2019).
وكان الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، قد أعلن عن رفضه الخطة الأميركية، في كلمته في
الجلسة الافتتاحية لاجتماع المجلس المركزي في رام الله يومي 14 و15 من شهر يناير/ كانون الثاني الجاري، ووصفها بأنها "صفعة القرن"، ووعد بالرد عليها، مستخدماً عبارات وحركات تعبيرية، يستدل منها أنه فوجئ وصدم بمضمونها، الذي لا يترك مجالا للتعاطي معها إلا بالتخلي عما تمسك به الفلسطينيون طوال المفاوضات الماضية. وبهذا وضعته الإدارة الأميركية الجديدة في وضع لا يحسد عليه، وأمام خيارات محدودة وصعبة، ستترتب على أي منها أثمان، ليس سهلا تحملها أو دفعها.
وقد فتح الموقف الفلسطيني الرافض للخطة الأميركية باب المواجهة مع إدارة ترامب على مصراعيه وعلى مختلف المستويات، وتصريحات هذه الإدارة تبين مدى انزعاجها وغضبها منه، وأنها ستمارس الضغط اللازم لدفعه إلى العودة عن موقفه. البداية صرح به الرئيس ترامب في أثناء مشاركته في منتدى دافوس الاقتصادي، وفي لقائه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، عندما أكد أنه سيعلق المساعدات المالية قائلاً "نحن نمنحهم مئات الملايين، وهذه الأموال لن تسلم إليهم إلا إذا جلسوا وتفاوضوا حول السلام"، وأضاف "لقد قللوا من احترامنا قبل أسبوع بعدم السماح لنائب رئيسنا الرائع بمقابلتهم".
ولن تكتفي الإدارة الأميركية بالضغط المالي والسياسي على الفلسطينيين، فهي ستشرك الدول المرتبطة بها لتقوم بدورها في ذلك، بالإضافة إلى ما ستقوم به إسرائيل، لمحاصرتهم وإضعافهم وعزلهم وتركهم وحيدين في مواجهة النتائج التي سترتب عن موقفهم الرافض الصفقة الأميركية.
ما جاء في كلمة الرئيس محمود عباس، المشار إليها أعلاه، وما تضمنه البيان الختامي لاجتماع المجلس المركزي في رام الله أخيرا، يفسح المجال لنقل الحالة الفلسطينية التي تشكلت خلال المسار السياسي للقيادة الفلسطينية منذ عقدها اتفاق أوسلو مع إسرائيل عام 1993 والتزامها بكل ما جاء به من تعهدات على كل الأصعدة السياسية والاقتصادية والأمنية، يمكن أن ينقلها إلى مرحلة جديدة، توفر الأرضية الموضوعية والذاتية، لدعم القيادة الفلسطينية لإفشال الخطة الأميركية من جهة. ومن جهة أخرى، لمتابعة الطريق لاستعادة الحقوق الوطنية الأساسية.
لا يكفي لإفشال الخطة الأميركية رفض الرئيس أبو مازن والقيادة الفلسطينية لها، وإنما يتطلب الأمر أيضاً مشاركة الفلسطينيين بذلك، في مختلف مناطق وجودهم وقواهم السياسية ومؤسساتهم المجتمعية، وهذا مرهونٌ، أولاً، بخطوات من الرئيس أبو مازن على الصعيد الداخلي، تفسح المجال للجميع بالانخراط في هذه المواجهة، والقيام بالدور المطلوب، ليس باعتبارهم تابعين له، بل شركاء معه، فكما قال مخاطباً أعضاء اجتماع المجلس المركزي "نحن في لحظة فارقة وخطيرة، ومستقبلنا كله على المحك.. وليتحمل الجميع المسؤولية كاملة، حيث لم يعد الأمر يحتمل أن يقتصر على أعضاء المؤسسات الرسمية، فلا بد للكل الوطني أن يشاركنا هذه اللحظات الحاسمة من تاريخ شعبنا".
المطلوب الآن من الرئيس أبو مازن التوجه إلى الداخل الفلسطيني، حتى يستعيد الشارع الفلسطيني حيويته ومصادر قوته، ويتمكن من القيام بدوره في التصدّي لما تحاول الإدارة الأميركية أن تفرضه لتمرير خطتها. وقد تضمن بيان اجتماع المجلس المركزي لمنظمة التحرير الخطوات المطلوبة، وهي الآن بين يديه، بانتظار الإجراءات اللازمة للبدء بتنفيذها.
المسؤولية في ذلك ملقاة على عاتق الرئيس أبو مازن، بحكم موقعه رئيسا لمنظمة التحرير
والسلطة الوطنية الفلسطينية، فبيده القرار الذي يمكن الفلسطينيون جميعاً من استعادة مكانتهم في قضيتهم، ودورهم النضالي من أجلها، واستعادة وحدتهم في الميدان التي افتقدوها منذ سنوات. وما يدعو إلى القلق أنه لم يقدم بعد على اتخاذ أي إجراءات على هذا الصعيد، فلا يزال معتمداً على فريقه الخاص، بدلاً من الأطر القيادية المعطلة التي تنتظر منه تفعيلها لتبدأ العمل لإعادة بناء الوضع الداخلي، والذي لا بديل عنه لمواجهة القضايا والتحديات التي ستترتب عن رفض الانخراط في خطة الإدارة الأميركية (صفقة القرن) والقبول بها، وأي مراهنةٍ على غيره، مثل المجتمع الدولي أو الأمم المتحدة، خاطئة، فلن يقف أي منهما في وجه الإدارة الأميركية لثنيها عن تنفيذ خطتها، فكل ما سنحصل عليه هو مزيد من القرارات والتصريحات الداعمة لنا، يمكن الاستفادة منها في حال كان الوضع الذاتي للفلسطينيين مؤهلا وقادرا على ذلك.
لكن؛ وكما يقال "رب ضارة نافعة"، فلعل "الصفعة" التي وجهتها الإدارة الأميركية، بعد 25 عاماً من تعاون المؤسسة الفلسطينية الرسمية مع الولايات المتحدة، بل والتعويل عليها وقبولها راعيا وحيدا لعملية السلام مع إسرائيل، لعلها هذه الصفعة تدفع القيادة الفلسطينية إلى متابعة النضال من أجل الحقوق الفلسطينية الوطنية، وإنهاء النكبة بالسير على الطريق الذي بدأناه عام 1965، واعتمدنا خلاله على أنفسنا وإمكاناتنا الذاتية، حيث قدم شعبنا وتحمل تضحيات كثيرة لمواصلة هذا الطريق والتمسك به، وحقق إنجازات تاريخية قرّبته من تحقيق حلمه الوطني.
المصيبة الكبرى التي ستضاف إلى ما سبقها من مصائب حلت بالشعب الفلسطيني أن يكون سبب عدم إقدام الرئيس محمود عباس على أي إجراءات تخص الوضع الداخلي الفلسطيني، والاكتفاء بحركته الدبلوماسية على صعيد الدولي، لطلب الاعتراف بدولة فلسطين والتوجه إلى الأمم المتحدة للانضمام لهيئاتها، أن يكون اعتقاده أنه بذلك يعزل الولايات المتحدة، ما سيدفع إدارتها إلى إعادة النظر بخطتها.
وجاء في تقرير أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، صائب عريقات، للمجلس المركزي الفلسطيني، في اجتماعه أخيرا في رام الله، أن "المرحلة المقبلة هي مرحلة فرض الإملاءات الأميركية، على كل من يريد السلام أن يوافق على ما سوف تفرضه أميركا، وأن كل من يعارض ذلك سيعتبر من قوى الإرهاب والتطرف المتوجب على القيادات السياسية في المنطقة طردها ومحاربتها، فالاعتدال يعني قبول صفقة فرض الإملاءات التي تعتبر بامتياز تبنّياً كاملاً وشاملاً لمواقف الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، بفرض الأمر الواقع من خلال الاستيطان الاستعماري، ومصادرة الأراضي، وطرد السكان، والتطهير العرقي، وهدم البيوت، والاغتيالات والاعتقالات والحصار والإغلاق". وتؤكد ذلك كلمة نائب الرئيس الأميركي، مايك بنس، على منبر الكنيست (22 /1/ 2018)، وفيها أن بلاده ستبدأ بترتيبات نقل السفارة من تل أبيب إلى القدس خلال أيام، وأنها ستفتح أبوابها خلال العام المقبل (2019).
وكان الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، قد أعلن عن رفضه الخطة الأميركية، في كلمته في
وقد فتح الموقف الفلسطيني الرافض للخطة الأميركية باب المواجهة مع إدارة ترامب على مصراعيه وعلى مختلف المستويات، وتصريحات هذه الإدارة تبين مدى انزعاجها وغضبها منه، وأنها ستمارس الضغط اللازم لدفعه إلى العودة عن موقفه. البداية صرح به الرئيس ترامب في أثناء مشاركته في منتدى دافوس الاقتصادي، وفي لقائه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، عندما أكد أنه سيعلق المساعدات المالية قائلاً "نحن نمنحهم مئات الملايين، وهذه الأموال لن تسلم إليهم إلا إذا جلسوا وتفاوضوا حول السلام"، وأضاف "لقد قللوا من احترامنا قبل أسبوع بعدم السماح لنائب رئيسنا الرائع بمقابلتهم".
ولن تكتفي الإدارة الأميركية بالضغط المالي والسياسي على الفلسطينيين، فهي ستشرك الدول المرتبطة بها لتقوم بدورها في ذلك، بالإضافة إلى ما ستقوم به إسرائيل، لمحاصرتهم وإضعافهم وعزلهم وتركهم وحيدين في مواجهة النتائج التي سترتب عن موقفهم الرافض الصفقة الأميركية.
ما جاء في كلمة الرئيس محمود عباس، المشار إليها أعلاه، وما تضمنه البيان الختامي لاجتماع المجلس المركزي في رام الله أخيرا، يفسح المجال لنقل الحالة الفلسطينية التي تشكلت خلال المسار السياسي للقيادة الفلسطينية منذ عقدها اتفاق أوسلو مع إسرائيل عام 1993 والتزامها بكل ما جاء به من تعهدات على كل الأصعدة السياسية والاقتصادية والأمنية، يمكن أن ينقلها إلى مرحلة جديدة، توفر الأرضية الموضوعية والذاتية، لدعم القيادة الفلسطينية لإفشال الخطة الأميركية من جهة. ومن جهة أخرى، لمتابعة الطريق لاستعادة الحقوق الوطنية الأساسية.
لا يكفي لإفشال الخطة الأميركية رفض الرئيس أبو مازن والقيادة الفلسطينية لها، وإنما يتطلب الأمر أيضاً مشاركة الفلسطينيين بذلك، في مختلف مناطق وجودهم وقواهم السياسية ومؤسساتهم المجتمعية، وهذا مرهونٌ، أولاً، بخطوات من الرئيس أبو مازن على الصعيد الداخلي، تفسح المجال للجميع بالانخراط في هذه المواجهة، والقيام بالدور المطلوب، ليس باعتبارهم تابعين له، بل شركاء معه، فكما قال مخاطباً أعضاء اجتماع المجلس المركزي "نحن في لحظة فارقة وخطيرة، ومستقبلنا كله على المحك.. وليتحمل الجميع المسؤولية كاملة، حيث لم يعد الأمر يحتمل أن يقتصر على أعضاء المؤسسات الرسمية، فلا بد للكل الوطني أن يشاركنا هذه اللحظات الحاسمة من تاريخ شعبنا".
المطلوب الآن من الرئيس أبو مازن التوجه إلى الداخل الفلسطيني، حتى يستعيد الشارع الفلسطيني حيويته ومصادر قوته، ويتمكن من القيام بدوره في التصدّي لما تحاول الإدارة الأميركية أن تفرضه لتمرير خطتها. وقد تضمن بيان اجتماع المجلس المركزي لمنظمة التحرير الخطوات المطلوبة، وهي الآن بين يديه، بانتظار الإجراءات اللازمة للبدء بتنفيذها.
المسؤولية في ذلك ملقاة على عاتق الرئيس أبو مازن، بحكم موقعه رئيسا لمنظمة التحرير
لكن؛ وكما يقال "رب ضارة نافعة"، فلعل "الصفعة" التي وجهتها الإدارة الأميركية، بعد 25 عاماً من تعاون المؤسسة الفلسطينية الرسمية مع الولايات المتحدة، بل والتعويل عليها وقبولها راعيا وحيدا لعملية السلام مع إسرائيل، لعلها هذه الصفعة تدفع القيادة الفلسطينية إلى متابعة النضال من أجل الحقوق الفلسطينية الوطنية، وإنهاء النكبة بالسير على الطريق الذي بدأناه عام 1965، واعتمدنا خلاله على أنفسنا وإمكاناتنا الذاتية، حيث قدم شعبنا وتحمل تضحيات كثيرة لمواصلة هذا الطريق والتمسك به، وحقق إنجازات تاريخية قرّبته من تحقيق حلمه الوطني.
المصيبة الكبرى التي ستضاف إلى ما سبقها من مصائب حلت بالشعب الفلسطيني أن يكون سبب عدم إقدام الرئيس محمود عباس على أي إجراءات تخص الوضع الداخلي الفلسطيني، والاكتفاء بحركته الدبلوماسية على صعيد الدولي، لطلب الاعتراف بدولة فلسطين والتوجه إلى الأمم المتحدة للانضمام لهيئاتها، أن يكون اعتقاده أنه بذلك يعزل الولايات المتحدة، ما سيدفع إدارتها إلى إعادة النظر بخطتها.