في الذكرى الرابعة لانطلاق عاصفة الحزم

27 مارس 2019
+ الخط -
في مثل هذه الأيام قبل أربع سنوات (مارس/ آذار 2015)، انطلقت عاصفة الحزم وأُعلن عن تشكيل التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن، بقيادة المملكة العربية السعودية ومشاركة عشر دول عربية، منها خمس خليجية.

كان الحوثيون حينها قد أحكموا قبضتهم على معظم المحافظات اليمنية، وباتوا يحكمون البلاد عبر لجنة أطلقوا عليها (اللجنة الثورية العليا)، فيما كان رئيس الجمهورية عبد ربه منصور هادي تحت الإقامة الجبرية منذ سيطرتهم على العاصمة صنعاء في سبتمبر/ أيلول 2014، ومثله رئيس الحكومة وأغلب الوزراء، والمسؤولين المدنيين والعسكريين، باستثناء المحسوبين على الرئيس المخلوع علي صالح لأنه أعلن تحالفه مع الجماعة المسلحة التي خاض ضدها ست جولات من الحرب في الفترة بين 2004 و2009.

والسؤال المطروح هنا: ما الذي تغير في اليمن بعد أربع سنوات من انطلاق العاصفة؟
كان لا بد من هذه الإشارة الموجزة الى الوضع العام في اليمن ساعة إعلان التحالف العربي وعاصفة الحزم، من أجل مقاربة أكثر موضوعية في التعاطي مع السؤال السابق.


وهنا يمكن القول إن إعلان التحالف العربي بحد ذاته شكّل ردة فعل قوية تجاه سقوط الدولة في قبضة الحوثيين تحت مباركة ودعم طهران التي أعلن أحد مسؤوليها (سقوط رابع عاصمة عربية في أحضان الثورة الإيرانية) في إشارة إلى سيطرة الحوثيين على العاصمة اليمنية صنعاء.

وبدخول التحالف العربي خط المواجهات العسكرية بغارات مباغتة وضربات سريعة وقصف مكثف ومركّز، تلاشت الهالة الإعلامية التي أحاط الحوثيون بها أنفسهم باعتبارهم (قوة لا تقهر)، ومع تحرير عدد من المحافظات خلال الأشهر الخمسة الأولى من إعلان عاصفة الحزم صار الطرفان (القوات الحكومية وقوات الحوثي وصالح) على الأرض شبه متكافئين، باستثناء سيطرة التحالف على المجال الجوي والرصد المستمر لتحركات الحوثيين، الأمر الذي حدّ من هذه التحركات وساعد في تحقيق انتصارات عسكرية متواصلة للقوات الحكومية تمثلت في انتزاع مناطق كثيرة من سيطرة الحوثيين، فضلا عن إحداث اختراقات عديدة طاولت مناطق العمق الجغرافي للحوثيين، ومنها عدة جبهات في محافظة صعدة معقل زعيم الحوثيين، فضلاً عن تحرير الشريط الساحلي الممتد من مضيق باب المندب جنوبا إلى أطراف مدينة الحديدة شمالا، وكذلك الحال في محافظة حجة (شمال غرب البلاد) حيث انحسرت مناطق سيطرة الحوثيين بشكل كبير.

بيد أنه في المقابل يجب أن نشير إلى أن التعثر الذي طبع الحياة العامة في عدد من المحافظات المحررة، وحالات الانقسام الذي وصل حد الاقتتال بين الحكومة الشرعية المدعومة من التحالف العربي من جهة، وأطراف وتيارات مسلحة ومدعومة هي الأخرى من طرف يتبع التحالف من جهة ثانية، كما حصل في العاصمة المؤقتة عدن بداية العام الماضي، ويحدث حاليا في مدينة تعز، ونشوء كيانات وتشكيلات عسكرية خارج سيطرة الحكومة، واتساع رقعة انتهاكات حقوق الإنسان من خلال الاعتقالات التعسفية والاختطافات وحالات الإخفاء القسري في سجون سرية يتعرض نزلاؤها للتعذيب النفسي والجسدي، والاغتيالات والتصفيات التي استهدفت قيادات المقاومة وخطباء المساجد وقيادات حزب الإصلاح في جنوب اليمن..

كل ذلك أثر سلبا على حرب استعادة الدولة والقضاء على الانقلاب الحوثي، بل إن هذه المظاهر منحت مليشيات الحوثي ووسائل إعلامها مادة رئيسية تشرعن سلطتها وتبرر سطوتها في المناطق الخاضعة لسيطرتها، مع ملاحظة أن الوضع الراهن لمناطق الحوثي بصورة عامة أسوأ بكثير، خاصة من حيث تدهور الخدمات وتزايد حالات القمع والانتهاكات، لكن المقارنة بين حكومة معترف بها ومسنودة بدعم إقليمي ودولي، ومليشيات انقلابية مقارنة مختلة.

تعثرت بعض جبهات القتال لأسباب ذاتية حينا، وملابسات وحسابات سياسية أحيانا أخرى، ذلك لأن أطرافا في التحالف العربي لا تزال ترى أن الحوثي وأنصار صالح أقرب لها من بعض مكونات الشرعية اليمنية، كما هو حال حزب الإصلاح أكبر المكونات السياسية والاجتماعية المنضوية تحت لواء الشرعية، وتلك الحسابات هي ذاتها التي جعلت تلك الأطراف الخليجية تدعم انقلاب الحوثيين باعتبارهم الخصم اللدود لحزب الإصلاح المحسوب ضمنا على الإخوان المسلمين.

وكان التحالف العربي قد ظهر في الأشهر الأولى كبيرا بالنظر إلى حالة الضعف والتمزق التي أصابت الأمة العربية، بيد أن أخطاء كبيرة وخطايا أكبر، نالت من التحالف، خاصة بعد اندلاع الأزمة الخليجية وتمدد حالات الانقسام والصراعات في المناطق المحررة، لكن لا يزال ثمة أمل يجمع اليمنيين على استعادة دولتهم والاستفادة من دروس الماضي في بناء مستقبل يستوعب الجميع.