19 أكتوبر 2024
في أسباب الحرب على الغوطة
تأتي الهجمة البربرية الجديدة على الغوطة قرب دمشق بعد الإخفاق الروسي الكبير، حيث لم يحقّق مؤتمر سوتشي (للحوار الوطني السوري) شيئاً يُذكر؛ فاللجنة الدستورية لم تعطَ أية أهمية عالمياً كما عُوِّلَ عليها. بل إنّها هُمشت قبل انعقاده، حيث طرحت الولايات المتحدة وحلفُها ورقة اللاورقة، أي ورقة سياسية جديدة، وربما لأوّل مرة، وكذلك لم تسمح للروس والإيرانيين والنظام بتغيير الحدود المرسومة بدقةٍ في دير الزور، عبر قتل مئات المقاتلين الذين أُرسِلوا لاختبار تلك الحدود. وأيضاً صاغت أميركا رؤية جديدة للوضع السوري، طرحها وزير الخارجية، ريكس تيلرسون، ويُفهم منها بداية تقارب مع تركيا، حيث صمتت عن غزوها عفرين، وإعادة تشكيل واقع جديد في كل سورية. يريد الأميركان تهميش الوجود الإيراني، وطرح مستقبل النظام الحالي على الطاولة، وتفكيك كلّ الاتفاقيات بين روسيا وتركيا وإيران. وبالتالي أصبح على روسيا رسم مناطق نفوذها، وفرض سيطرة كاملة على العاصمة وأريافها، وهذا من أسباب الهجمة على الغوطة، على الرغم من أنها مشمولة باتفاقية خفض التوتر بضمانة مصرية. وهذا يظهر أن الاتفاقيات الحقيقية لا تتم في أستانة أو مصر أو جنيف، أو حتى من خلال الأوراق التي تطرحها روسيا أو أميركا منفردة أو مع حلفائها؛ فالاتفاقيات تكون بين روسيا وأميركا، وبعد ذلك يتم توزيع الحصص على الأطراف الإقليمية.
دفع تخوّفُ الروس من الحضور الأميركي الكبير في سورية، ومن التقارب مع تركيا، روسيا إلى التوافق مع تركيا على معركة عفرين، وإخراج مسلحي حزب الاتحاد الديمقراطي (الكردي) من المدينة، ولا مشكلة إن أعاد النظام فرض سيطرته عليها، وسيكون ذلك مخرجاً للجميع، بدلاً من الحرب المستمرة هناك! فالنظام ذاته تابع للروس، أي لحلفاء الأتراك، لكن تركيا تكون قد أنهت الطموح الكردي، وسيطرت على الحدود، وربطت البلدات المحيطة بعفرين بجرابلس والباب، ولاحقاً بإدلب. وبالتالي، تكون الحدود مُؤمّنة لصالح تركيا. وتأتي عملية رسم مناطق النفوذ في إدلب، لتأمين المنطقة الشرقية والشمالية بالكامل، وهو ما سيوحّد الدول المُحتلة لسورية ضد المجموعات التي لم تذعن بعد، أو لتصفية الجيوب الجهادية المتبقية.
تأتي الهمجة على الغوطة ضمن هذا الإطار؛ فروسيا تريد فرض سيطرتها عليها وعلى القلمون الشرقي، وحمص وحماة، ووصولاً إلى طرطوس واللاذقية، أي تريد إغلاق أي احتمالاتٍ يمكن أن تدخل أميركا من خلالها إلى الغوطة والقلمون الشرقي بالتحديد. الخطوط التي تُرسم بالدم والنار والقتل والإجرام هي سياسات الدول الاستعمارية بكل بساطة، وهي كوارثُ إنسانية، لا يمكن أن يتحسّسها إلا أبناء البلد والمتضامنون مع ثورتهم، وهو شعور أغلبية السوريين للكارثة التي بدأت في الغوطة منذ أيامٍ سابقة، وتتكرّر نفسُها هنا وهناك، وفي كل المدن السورية.
مشكلة الروس أن منظورهم لسورية قائم على أرضية التخوف من تجربة أفغانستان من ناحية، وهزيمتهم فيها، وسحق الثورة السورية كما فعلوا في غروزني والشيشان. رفضهم التعاطي مع الواقع أنّه ثورة، وضد النظام الاستبدادي والإفقاري، واعتبار الوضع مجموعاتٍ إرهابية وضد نظام شرعي. رؤيتهم القاصرة هذه، وتجاهلُهم الدور الإقليمي والدولي الواسع في سورية، هو ما أوهمهم بإمكانية الانتصار السريع. وفي هذا اعتمدوا على السياسة الأوبامية في مكافحة الإرهاب، وتسليم سورية لروسيا والانسحاب من أفغانستان والعراق. وبالتالي، ليس للأميركان مطامح حقيقية في سورية.
روسيا التي جاءت عدة أشهر في سبتمبر/ أيلول 2015، كما أعلنت، تكاد تدخل في العام الثالث لوجودها، وتتحوّل إلى دولةٍ محتلةٍ من جملة احتلالات لسورية. وبالتالي الحرب الدموية التي بدأتها في إدلب ثم حلب، والآن على الغوطة، وقبل ذلك درعا وريف حماة ودير الزور، لا تعطيها سيطرة أكبر من بقية دول الاحتلال. ومن هنا، نرى تخوّفاً روسيّاً كبيراً من سياسات أميركا الجديدة، سواء ما ذكره تيلرسون، أو ورقة اللاورقة، أو التقارب مع تركيا.
مناطق النفوذ، كما تتوضع، تعني أن الروس لم يعودوا المسيطرين الأساسيين، وأن أميركا بالتحديد، بنت ثماني قواعد عسكرية، وتدعم قوات حزب الاتحاد الديمقراطي الكردية، ليس لترحل من سورية بالانتهاء من مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). إذاً روسيا تتخوف كثيراً، وتجد نفسها تتخبط في كل مخططاتها؛ فمقرّرات أستانة تأتي من التوافق مع تركيا
وإيران، ومؤتمر سوتشي فشل كما قلنا، والنظام لا يستجيب لها استجابة كاملة، وتحاول إيران دائماً فرض سياساتها، وليس آخرها مطالباتها المتكرّرة بحصصها في الاقتصاد السوري، باعتبارها أهم داعم له طوال سنوات الثورة. ينفرد الأميركان، بشكل شبه كامل، في شمال سورية وشرقها، وكذلك لهم حصّة في درعا وغرب دمشق، وبالتالي لم تنته الحروب بعد.
لن نتكلم عن الرؤية الروسية الإجرامية للثورة السورية ولسورية، حيث صرّح، وزير الخارجية، سيرغي لافروف، أن مصير الغوطة يمكن أن يكون مصير حلب. وأكد التصريح نفسه مبعوث الأمم المتحدة، ستيفان دي ميستورا؛ عكس ذلك هناك تصريحات دولية كثيرة تندّد بالعملية، لكنّها بلا أية قيمة تذكر. يدلل هذا كله على أن المتدخلين بالشأن السوري لم يتفقوا بعد على حلٍّ واضح للكارثة السورية.
تبدو روسيا، كما أوضحت وضعَها الحالي، كأنها تسابق الزمن، لكي لا تُفرَض عليها مفاوضات صعبة، وتكون فيها أحد الأطراف، وليست الطرف الرئيسي فيه. لن تدخل مناطق أميركا ضمن مناطق خفض التوتر، ومناطق خفض التوتر برعاية دول عديدة، والأضعف فيها جميعاً الغوطة وأرياف حمص الشمالي. وبالتالي، ستحاول روسيا وعبر حلفائها إضعاف هذه المناطق وفرض شروط مجحفة عليها، وبما يدخلها ضمن مناطق نفوذ روسيا أكثر فأكثر.
ستفشل روسيا في مساعيها، فهي تفرضها بالقتل والتدمير، لكنها لن تصمد مع أيّة محاولات للاستقرار، حيث ستكون روسيا بمثابة قوة احتلال في نظر أغلبية السوريين. يرسم الروس مناطق نفوذهم نعم، لكنهم سيخسرونها مع بداية أي حل سياسي؛ ليس روسيا فقط، بل كل المحتلين لسورية. وتتطلب هذه الفكرة نصاً آخر.
دفع تخوّفُ الروس من الحضور الأميركي الكبير في سورية، ومن التقارب مع تركيا، روسيا إلى التوافق مع تركيا على معركة عفرين، وإخراج مسلحي حزب الاتحاد الديمقراطي (الكردي) من المدينة، ولا مشكلة إن أعاد النظام فرض سيطرته عليها، وسيكون ذلك مخرجاً للجميع، بدلاً من الحرب المستمرة هناك! فالنظام ذاته تابع للروس، أي لحلفاء الأتراك، لكن تركيا تكون قد أنهت الطموح الكردي، وسيطرت على الحدود، وربطت البلدات المحيطة بعفرين بجرابلس والباب، ولاحقاً بإدلب. وبالتالي، تكون الحدود مُؤمّنة لصالح تركيا. وتأتي عملية رسم مناطق النفوذ في إدلب، لتأمين المنطقة الشرقية والشمالية بالكامل، وهو ما سيوحّد الدول المُحتلة لسورية ضد المجموعات التي لم تذعن بعد، أو لتصفية الجيوب الجهادية المتبقية.
تأتي الهمجة على الغوطة ضمن هذا الإطار؛ فروسيا تريد فرض سيطرتها عليها وعلى القلمون الشرقي، وحمص وحماة، ووصولاً إلى طرطوس واللاذقية، أي تريد إغلاق أي احتمالاتٍ يمكن أن تدخل أميركا من خلالها إلى الغوطة والقلمون الشرقي بالتحديد. الخطوط التي تُرسم بالدم والنار والقتل والإجرام هي سياسات الدول الاستعمارية بكل بساطة، وهي كوارثُ إنسانية، لا يمكن أن يتحسّسها إلا أبناء البلد والمتضامنون مع ثورتهم، وهو شعور أغلبية السوريين للكارثة التي بدأت في الغوطة منذ أيامٍ سابقة، وتتكرّر نفسُها هنا وهناك، وفي كل المدن السورية.
مشكلة الروس أن منظورهم لسورية قائم على أرضية التخوف من تجربة أفغانستان من ناحية، وهزيمتهم فيها، وسحق الثورة السورية كما فعلوا في غروزني والشيشان. رفضهم التعاطي مع الواقع أنّه ثورة، وضد النظام الاستبدادي والإفقاري، واعتبار الوضع مجموعاتٍ إرهابية وضد نظام شرعي. رؤيتهم القاصرة هذه، وتجاهلُهم الدور الإقليمي والدولي الواسع في سورية، هو ما أوهمهم بإمكانية الانتصار السريع. وفي هذا اعتمدوا على السياسة الأوبامية في مكافحة الإرهاب، وتسليم سورية لروسيا والانسحاب من أفغانستان والعراق. وبالتالي، ليس للأميركان مطامح حقيقية في سورية.
روسيا التي جاءت عدة أشهر في سبتمبر/ أيلول 2015، كما أعلنت، تكاد تدخل في العام الثالث لوجودها، وتتحوّل إلى دولةٍ محتلةٍ من جملة احتلالات لسورية. وبالتالي الحرب الدموية التي بدأتها في إدلب ثم حلب، والآن على الغوطة، وقبل ذلك درعا وريف حماة ودير الزور، لا تعطيها سيطرة أكبر من بقية دول الاحتلال. ومن هنا، نرى تخوّفاً روسيّاً كبيراً من سياسات أميركا الجديدة، سواء ما ذكره تيلرسون، أو ورقة اللاورقة، أو التقارب مع تركيا.
مناطق النفوذ، كما تتوضع، تعني أن الروس لم يعودوا المسيطرين الأساسيين، وأن أميركا بالتحديد، بنت ثماني قواعد عسكرية، وتدعم قوات حزب الاتحاد الديمقراطي الكردية، ليس لترحل من سورية بالانتهاء من مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). إذاً روسيا تتخوف كثيراً، وتجد نفسها تتخبط في كل مخططاتها؛ فمقرّرات أستانة تأتي من التوافق مع تركيا
لن نتكلم عن الرؤية الروسية الإجرامية للثورة السورية ولسورية، حيث صرّح، وزير الخارجية، سيرغي لافروف، أن مصير الغوطة يمكن أن يكون مصير حلب. وأكد التصريح نفسه مبعوث الأمم المتحدة، ستيفان دي ميستورا؛ عكس ذلك هناك تصريحات دولية كثيرة تندّد بالعملية، لكنّها بلا أية قيمة تذكر. يدلل هذا كله على أن المتدخلين بالشأن السوري لم يتفقوا بعد على حلٍّ واضح للكارثة السورية.
تبدو روسيا، كما أوضحت وضعَها الحالي، كأنها تسابق الزمن، لكي لا تُفرَض عليها مفاوضات صعبة، وتكون فيها أحد الأطراف، وليست الطرف الرئيسي فيه. لن تدخل مناطق أميركا ضمن مناطق خفض التوتر، ومناطق خفض التوتر برعاية دول عديدة، والأضعف فيها جميعاً الغوطة وأرياف حمص الشمالي. وبالتالي، ستحاول روسيا وعبر حلفائها إضعاف هذه المناطق وفرض شروط مجحفة عليها، وبما يدخلها ضمن مناطق نفوذ روسيا أكثر فأكثر.
ستفشل روسيا في مساعيها، فهي تفرضها بالقتل والتدمير، لكنها لن تصمد مع أيّة محاولات للاستقرار، حيث ستكون روسيا بمثابة قوة احتلال في نظر أغلبية السوريين. يرسم الروس مناطق نفوذهم نعم، لكنهم سيخسرونها مع بداية أي حل سياسي؛ ليس روسيا فقط، بل كل المحتلين لسورية. وتتطلب هذه الفكرة نصاً آخر.