كرر أرسنال تفوقه على تشيلسي في الآونة الأخيرة، ليحقق انتصاراً معنوياً على حساب بطل الدوري، بعد نهاية المباراة بالتعادل الإيجابي واحتكام الفريقين إلى ركلات الجزاء. وبعيداً عن النتيجة النهائية للمباراة، فإن فريق فينغر قدم مباراة مميزة على الصعيدين الفني والتكتيكي، مقابل تراجع سلبي لكونتي ومجموعته، مع ارتفاع وتيرة الانتقادات تجاه المدرب الإيطالي، بعد المشاكل الأخيرة بينه وبين المهاجم كوستا، في مباراة أثبتت للجميع أن تشيلسي يفقد نصف قوته أو أكثر عندما يغيب كل من دييغو وهازارد.
خطوط متشابهة
لم يتغير شيء عن الموسم الماضي، استمر الرهان على رسم (3 – 4 – 2 – 1)، التكتيك الأنجح في الدوري الإنكليزي مؤخراً. وحافظ كونتي على نفس طريقة لعبه بتواجد ثلاثي دفاعي صريح أمامه ثنائي محوري، مع الضرب في الهجوم برباعي بين العمق والأطراف رفقة المهاجم الصريح بالأمام. ومع الغيابات الأخيرة خصوصاً هازارد، بدأ الإيطالي بفابريغاس كلاعب ارتكاز مساند بجوار كونتي، بالإضافة لبيدرو وويليان بالقرب من ميشي بتشواي.
أما فينغر فاعتمد على تكتيكه الذي ساعده على الفوز ببطولة الكأس، مع ثلاثي خلفي ورباعي بالمنتصف وثنائي من صناع اللعب خلف المهاجم. وغاب عن تشكيلة "المدفعجية" أكثر من نجم كسانشيز وأوزيل ورامسي، ليضع الفرنسي كامل رهاناته على إيوبي وويلباك والنني، بالتعاون مع الوافد الجديد ألكسندر لاكازيت، وبالتالي لعب الفريقان بتكتيك متشابه بعض الشيء على أرض الملعب، مع وجود اختلافات جوهرية في التحرك بالنسبة لكل جانب.
كان أرسنال الطرف الأخطر خلال الشوط الأول، وأضاع لاعبوه فرصا أخطر كتسديدة لاكازيت التي اصطدمت بالعارضة، وعرف بطل الكأس كيف يضيق الخناق على حامل لقب الدوري في نصف ملعبه، بصعود إيوبي وويلباك على حافة منطقة الجزاء بالتبادل مع لاكازيت، وإجبار حامل الكرة من فريق تشيلسي على لعب التمريرة الخلفية تجاه الأطراف مباشرة، لينقض تشامبرلين في التوقيت المناسب، ويتم قتل هجوم فريق كونتي حتى قبل أن يبدأ.
تشامبرلين
قدم أوكلسيد تشامبرلين دقائق مثالية رغم أنه لعب في غير مركزه الأصلي، بمشاركته كظهير جناح على اليسار "وينغ باك"، مع وجود هيكتور بيليرين على الجبهة اليمنى. وانطلق اللاعب الإنكليزي بحرية للأمام بسبب حماية زميله كولاسيناك، الظهير الحر الذي صنع الفارق الحقيقي في تكتيك أرسنال، بقدرته على اللعب كنصف مدافع ونصف ظهير، ليسمح لمدربه بالتحول من (3 – 4 – 3) إلى (4 – 3 – 2 – 1) في الحالة الهجومية، بصعود تشامبرلين إلى نصف ملعب تشيلسي، واستغلاله الفراغ بين أزبليكويتا وموسيس على حافة منطقة الجزاء.
ربما لم يقدم الإسباني أزبليكويتا أفضل مبارياته، لكن يعاني تكتيك ثلاثي الدفاع في أغلب الأوقات من وجود بعض المساحات خلف الظهير المتقدم، لذلك كلما فقد تشيلسي الكرة، انطلق هجوم أرسنال بسهولة خلف موسيس وألونسو، في ظل مبالغة ثلاثي الدفاع في العودة إلى مرماهم وتباعد المسافة بينهم وبين بقية الخطوط، ليهاجم فينغر من اليسار "جهة تشامبرلين أمام موسيس" بنسبة أكبر خلال بدايات اللقاء.
تفوق خط وسط أرسنال رغم غياب الويلزي رامسي، من خلال الاكتفاء بضغط الثلاثي الهجومي، وعودة النني بجوار تشاكا للحماية، مع براعة السويسري في الحيازة والتحكم في نسق اللعب، ليوزع التمريرات الطولية تجاه الأطراف، ويجبر كانتي على الركض المستمر أملاً في قطع الهجمة. ونتيجة عودة لاكازيت المستمرة إلى الخلف وصعود محمد النني في حالة الاستحواذ، نجح أرسنال في إيجاد الفراغ المطلوب بالمنطقة 14 بين دفاع تشيلسي وارتكازه، لذلك كثرت التسديدات من هذا المكان على مرمى بيتر تشيك.
مشاكل تشيلسي
تقدم تشيلسي في بداية الشوط الثاني بهدف عكس مجريات اللعب، بعد استغلال موسيس تقدم دفاع أرسنال بعد العرضية، ليجد نفسه أمام مرمى تشيك ويحرز هدف التقدم لفريقه، لكن لم ينجح الفريق في الحفاظ على النتيجة، بسبب المشاكل الخططية التي واجهت كونتي نتيجة غياب كل من هازارد وكوستا، وكأن هذا الثنائي بمثابة حجر الأساس لنجاح رسمه التكتيكي، خصوصا مع تكرار مشاكل المدرب أمام الفرق التي تلعب ضده بنفس طريقته، (3 – 4 – 2 – 1) مع بعض التعديلات داخل المستطيل الأخضر.
وجد أنطونيو صعوبات بالغة أمام توتنهام وأرسنال وحتى مانشستر سيتي بالاتحاد، عندما لعب الثلاثي بخطة قريبة بعض الشيء، لكن كان ينقذ تألق الثنائي الهجومي في معظم الأحيان. فعلها تشيلسي من قبل ضد أكثر من منافس بلعب الكرات الطولية من الخلف تجاه كوستا، الذي يحولها سريعا إلى لاعب الوسط القادم من الخلف، أو يلعبها ثنائية مع هازارد بين الخطوط، لضرب مصيدة الضغط والتعامل الذكي مع رقابة الرجل لرجل، فيما يعرف تكتيكيا بالـ Lay-off Pass، أي بلعب تمريرة طولية مفاجأة تعقبها تمريرة أخرى قصيرة لكسر التكتلات، وخلق التفوق النوعي في المساحة البعيدة عن الكثاقة العددية.
ولا تقتصر قوة النجمين على هذا الشق فقط، بل يجيدان معاً تطبيق المرتدات السريعة، بالوصول إلى مرمى الخصم بأقل عدد من التمريرات، لتنعدم خطورة بطل الدوري تماماً بغيابهما، نظراً لوجود ميشي بتشواي وحيداً بين إثنين إلى ثلاثة مدافعين من أرسنال، بالإضافة إلى تمركز ثنائي المحور سيسك وكانتي على خط واحد بالتماثل مع الظهيرين ألونسو وموسيس، لتقل زوايا التمرير أمام حامل الكرة في المنتصف ويجد ويليان نفسه محاطاً بدفاع أرسنال من أمامه وتشاكا من خلفه.
النني-تشاكا
يستحق محمد النني أن يكون أحد نجوم المباراة بجدارة، بعد قيامه بدور أرون رامسي على أكمل وجه، من خلال تقدمه إلى الأمام لمساندة المهاجمين وعودته للخلف بجوار تشاكا، مع انطلاقاته المحورية في القنوات الشاغرة بين دفاعات تشيلسي، لقد لعب دور "البوكس تو بوكس" على أكمل وجه، وساعده في ذلك التمركز المثالي لزميله تشاكا أمام الخط الخلفي، مما سمح بوجود قناة اتصال مباشرة بين خط وسط أرسنال ولاعبي الثلث الهجومي الأخير في نصف ملعب تشيلسي.
تفوق ارتكاز أرسنال على منافسه، وضحت تماماً سرعة وحركة النني وتشاكا مقارنة بسيسك وكانتي، ليستفيد لاعبو الأطراف من هذه الميزة، وينطلق تشامبرلين وبيليرين إلى الأمام عكس تحفظ ألونسو وموسيس في الناحية الأخرى، لذلك ظلت المباراة على وتيرة واحدة، هجوم من المدفعجية ودفاع أزرق، حتى نقطة تحول القمة بطرد بيدرو، وتسجيل أرسنال هدف التعادل مباشرة بعدها، عن طريق المدافع سياد كولاسيناك.
بحث فينغر عن الفوز منذ البداية رغم تأخره، وراهن على ذلك بتغييراته عندما أشرك جيرو ووالكوت، أملاً في الاستفادة من الكرات الطولية، ولعب التمريرات البينية في ظهر دفاع تشيلسي، لإجباره أكثر على العودة بعيداً عن خط الوسط. بينما استمرت تبديلات كونتي بالتحفظ غير المبرر، بخروج مهاجم ودخول بديله، مع التضحية بألونسو في سبيل إضافة مدافع آخر، لكن كل هذا لم ينفع في النهاية، حتى ابتسمت ركلات الجزاء الترجيحية للفريق الأكثر تميزاً طوال التسعين دقيقة.