فيلم "كازابلانكا": فقر خيال ودراما وتمثيل

13 يونيو 2019
من إعلان الفيلم (يوتيوب)
+ الخط -
في العامين الأخيرين، لوحظ بوضوح أن هناك نوعًا من هوسٍ أصاب السينما المصرية إزاء أفلام الـ"أكشن"، تحديدًا مع "هروب اضطراري" (2017) لأحمد خالد. فرغم تواضعه الفني، وحَمْله كمًّا لا بأس به من التلفيق وضعف السيناريو والحوار، إلا أنّه حقّق 55 مليون جنيه مصري، ليصبح حينها صاحب أعلى إيرادات مالية في تاريخ السينما المصرية.
بهذا، دشّن أمرين اثنين، تكرّرا في أفلامٍ لاحقة: أولاً، القصّة ومنطق الأحداث لم يعودا مُهمّين أبدًا، بقدر مَشَاهد الحركة والنيران والتفجيرات. ثانيًا، ضيوف الشرف، الذين يظهرون في مشهد واحد عابر وغير مُهم، مُفيدون لتسويق الفيلم جماهيريًا.

تلك "الخلطة" أنتجت أفلام بيتر ميمي وأمير كرارة، اللذين حقّقا بدورهما نجاحًا تلفزيونيًا كبيرًا في البداية، مع الأجزاء الثلاثة لمسلسل "كلبش". نجاح دفعهما إلى استثماره في فيلمي حركة هما "حرب كرموز" (2018)، الذي تجاوزت إيراداته تلك الخاصّة بـ"هروب اضطراري"؛ و"كازابلانكا" (2019)، الذي ربما ينتزع المرتبة الأولى في الإيرادات قريبًا.

أمام هذا النجاح الجماهيري الكبير، يحتار الناقد والمتابع: هل إبرام صنّاع الفيلم "تعاقدًا نظريًا" مع المتفرّج بسهولةِ تجاوزِ المنطق والدراما، في مقابل تمضية ساعتين من مَشاهد الحركة المرضية، يجعل ضروريًا استقبالَه نقديًا بالمنظور نفسه؟ الإجابة قطعًا لا. ليس فقط لأن لا تعارض أبدًا بين تقديم شخصيات وأحداث متماسكة في إطار من الحركة، بل لأنّ تلك المَشاهد نفسها ضعيفة، على مستويي الخيال والتقنية، ومتأخّرة جدًا عمّا هو موجود في العالم.


في لحظة عرض "كازابلانكا" في صالة مصرية ما، تعرض الصالة المجاورة "جون ويك 3" (2019) لتشاد ستاليسكي، كفيلم مُخلص لنوعية الـ"أكشن" بصورة تامة. الفرق بينهما ليس فقط في حجم الإنتاج أو تقدّم المؤثّرات، بل في الدقّة وخيال تصميم المَشاهد، وهذا أهمّ.

3 أصدقاء هم عمر المر (أمير كرارة) ورشيد (إياد نصار) وعرابي (عمرو عبد الجليل)، يُطلقون على أنفسهم اسم "هجامين البحر"، لعملهم في سرقة السفن والمراكب في ميناء الإسكندرية وبحرها. يقرّر المر التوقّف عن العمل، بعد عملية أخيرة لصالح رجل عصابات أجنبي يدعى دراغون (التركي خالد إرغنتش). لكن الأمور لا تسير كما خُطِّط لها، فيتعرّض المرّ لخديعة تجعله، بعد 3 أعوام، ينتهي في المدينة المغربية كازابلانكا، لملاحقة الآخرين، ولمعرفة ما حدث.

بعد هذه المقدّمة البسيطة، عن علاقات الشخصيات وعوالمها، يفقد "كازابلانكا" الحدّ الأدنى من المنطق وترابط الأحداث. يُصبح كلّ مشهد مجرّد تقديم لتتابع طويل للقطات الحركة: قتال يدوي، مطاردة سيارات، أسلحة نارية، بطل لا يُقهر ولا يخاف ولا يُخدش، كأنه بطل خارق في أفلام "كوميكس"، وليس "هجامًا" وشخصية عادية في عالم يُفترض به أن يكون واقعيًا. هناك أيضًا حوار لا يُبتكر إلا بإيجاد لغةٍ ذكورية حادّة، يتحدّث بها الجميع: "الحركة لو ابتدت هتزعل"، مثلاً. هذا كلّه مع شخصيات عديدة تظهر وتختفي من دون مقدّمات أو نتائج، ويُمكن حذفها كلّها من دون أنْ يتأثّر أي شيء، أبرزها شخصية غادة عادل، الموجودة فقط لأنّ العمل محتاج إلى حبيبةٍ للبطل، أو "ضيوف شرف"، كمصطفى شعبان ونيلّي كريم وبيومي فؤاد. حتّى عندما يحاول السيناريو (تأليف هشام هلال) إضافة التواء ومفاجأة دراميتين لسياق الأحداث، بعد سيل جارف من الحركة، تحدث "مفاجأة"، لكنها مكشوفة وظاهرة بدرجة كبيرة منذ منتصف الأحداث، إلى جانب هشاشتها في أي تفنيدٍ منطقي.

فهل أنّ مَشَاهد الحركة تعويض لهذا الفراغ كلّه؟ يبدو أنّ صنّاع "كازابلانكا" يبحثون عن متفرّج، يكون إسقاط سيارة من أعلى جبل مُبهرًا له عام 2019، ولا يركّز في التفاصيل، إلى درجة عدم ملاحظة "دوبليرات" الشخصيات الواضحين جدًا في كلّ مشاهد الحركة.
الإيجابية الوحيدة نسبيًا تتمثّل بشخصية عمرو عبد الجليل، بفضل حضوره وأدائه وذكاء الكوميديا التي يقدّمها. بشكل أقلّ، هناك إياد نصار الذي يجتهد في أعمال تجارية يميل إليها حاليًا. أما أمير كرارة، فهو النسخة نفسها من سليم الأنصاري في "كلبش"، للمرة الخامسة على التوالي: عضلات مفتولة، وذكورية طافحة، وطريقة حادّة في الكلام، ولا تمثيل.
المساهمون