فيردي في مصر

30 سبتمبر 2019
(مشهد من "عايدة"، أوبرا نارودوفا، بولندا 2006)
+ الخط -

في آب/ أغسطس 2015، افتُتحت "قناة السويس الجديدة" في مصر من على متن سفينة "المحروسة"، السفينة ذاتها التي افتُتحت عليها القناة قبل قرابة 150 عاماً. وأثناء الافتتاح، عزفت فرق موسيقية من "أوبرا القاهرة"، بقيادة مديرها عمر خيرت، مقطوعة "عايدة" من العمل الأوبرالي الشهير الذي ألّفه الموسيقار الإيطالي جوزيبّي فيردي (1813 - 1901).

وقد كتب فيردي عمله هذا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر بطلب من الخديوي إسماعيل (1830 - 1895)، وذلك بمناسبة افتتاح مسرح "أوبرا القاهرة" عام 1871. وبقيت المعزوفة مرتبطةً بتاريخ وثقافة مصر منذ ذلك اليوم.

ماريا إيلينا بانيكوني، الباحثة الإيطالية وأستاذة اللغة والأدب العربي في "جامعة ماتشيراتا"، درست الكثير عن تاريخ "عايدة" وأهميتها بالنسبة إلى تاريخ وثقافة مصر، وكتبت مقالاً مطوّلاً تحدّثت فيه عن عمل فيردي ودوره في بناء الهوية المصرية.

وفعلاً، أولى عدّة رؤساء مصريّين أهمية لـ "أوبرا عايدة"؛ فالرئيس الراحل جمال عبد الناصر مثلاً، أمر في بداية السبعينيات بأن تُعزف كلّ سنة في مناطق مختلفة من ضواحي القاهرة؛ كالأقصر والأهرامات.

وحتى في الأدب المصري، تجد "عايدة" مكاناً لها؛ حيث يقول بعض النقّاد إنّ توفيق الحكيم تأثّر بها في "نهاية أهل الكهف"، كما أثّرت في الأعمال الفنية لمحمود مختار؛ أوّل نحّات مصري عُرضت أعماله في "معرض باريس الدولي". وتعود أهمية هذه الأوبرا، حسبما ذكرت بانيكوني، إلى كونها شاركت في بناء الهوية الوطنية؛ سواء في مصر أو في إيطاليا.

ولكن، وإن بدا عمل فيردي هذا إيجابياً من ناحية، فإنّه من الممكن القول من ناحية أخرى إنّه يحتوي على بعض الصفات العنصرية الاستعمارية. وقد أشار إلى ذلك المفكّر الفلسطيني إدوارد سعيد في مقال له تحدّث فيه عن النزعة الاستعمارية لهذا الموسيقار الإيطالي.

يقول صاحب كتاب "الاسشراق" إن "عايدة" موسيقى استعمارية، لأن المؤلّف حذف أي عنصر يربطها بتاريخ مصر المعاصر، فأحداثها تدور في العصر القديم، ولا وجود فيها لمصر الحقيقية المعاصرة. إضافةً إلى ذلك، نجد أنّ مصمّم الأزياء مارييتّي، الذي أنجز أزياء الأوبرا الأولى للعمل، تخيّل ورسم الشخصيات المصرية بالبشرة البيضاء والشخصيات الإثيوبية بالبشرة السوداء، إلاّ "عايدة" وهي طبعاً إثيوبية. وبذلك أدخل مارييتّي عاملاً عنصرياً في عمل فيردي.

ومهما يكن، فقد استمرّ عرض "أوبرا عايدة" في مصر لأكثر من قرن. بل إنّ العمل لا يزال رمزاً موسيقياً تستخدمه السلطة السياسية ويعتبر ممثلاً للهوية الثقافية المصرية. والدليل على ذلك حضوره القويّ في آخر حفل رسمي خلال افتتاح قناة السويس.


* كاتبة ومترجمة إيطالية

المساهمون