لم تجد السلطات المصرية طريقة لمواجهة "الإرهاب" في سيناء سوى بتهجير أهالي المنطقة، إذ أصدر رئيس الوزراء المصري، إبراهيم محلب، الأربعاء، قراراً بإخلاء كامل لمنطقة من مدينة رفح على الحدود بين مصر وقطاع غزة وإسرائيل، وذلك وفقاً لما ارتأته القوات المسلحة، التي كانت قد بدأت أعمال الإخلاء فعلياً يوم الأحد الماضي، وكانت "العربي الجديد" أول وسيلة إعلامية نشرت هذا النبأ صباح الأحد.
صدر القرار من محلب استخداماً للتفويض الذي قرره الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في ما يخص صلاحيات رئيس الجمهورية المذكورة في القانون 162 لسنة 1958 بشأن حالة الطوارئ، والذي بدأ سريانه في هذه المنطقة منذ مساء الجمعة الماضي.
وتشكّل المنطقة المعزولة شكل مستطيل متاخم للحدود المصرية الشرقية، بعمق نحو كيلومتر واحد، وطول 13 كيلومتراً، ورؤوسه الأربعة: المنفذ الحدودي، منطقة أبونشار، منطقة جوز أبورعد، ومنطقة أتلة الطايرة.
ويلزم القرار بإخلاء المنطقة بالكامل من السكان، وعزلها نهائياً، وتوفير أماكن بديلة لكل مَن يجري إخلاؤهم، ثم تقدير التعويضات المستحقة لهم بواسطة لجان مختصة.
ويحذر القرار المواطنين الذين يمتنعون عن الإخلاء وديّاً بأن الدولة سوف تستولي "جبراً" على أراضيهم وممتلكاتهم.
ويسمح قانون الطوارئ لرئيس الجمهورية بالاستيلاء على الأراضي والممتلكات في ظل حالة الطوارئ، كما يجيز له إخلاء مناطق بكاملها وإعادة تنظيمها.
هذا القرار يؤكد المنحى العنفي الذي تستخدمه السلطات المصرية في التعاطي مع مشكلة سيناء، والذي تظهّر خاصة بانتهاكات قوات الجيش والأمن المصرية في التعامل مع المدنيين في محافظة شمال سيناء، على خلفية أحداث العنف ضد القوات المصرية من قبل مجموعات مسلّحة، الأمر الذي حذر خبراء وسياسيون من مغبة استمراره.
ودان الخبراء والسياسيون مقطع الفيديو المتداول الذي يُظهر ضرب بعض جنود من الجيش لمدنيين في أحد الشوارع بسيناء.
وأكدوا أن الانتهاكات بحق المدنيين تُصعّب وتُقوّض من حل الأزمة في سيناء، ما يضعف جبهة الجيش المصري في القضاء على المجموعات المسلّحة، لصالح تلك الجماعات باعتبارها الحامي والمنقذ لأهالي سيناء من القتل والتهجير.
وفي هذا الإطار، يحذر أستاذ القانون الدولي، أيمن سلامة، من تداعيات الاعتداء على المدنيين في سيناء خلال الفترة المقبلة، أثناء العمليات العسكرية التي تقوم بها قوات الجيش والشرطة.
ويقول سلامة، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن الفيديو المنتشر لضرب قوات من الجيش لمدنيين في أحد الشوارع في سيناء، لا بد أن يخضع للتحقيق من قبل القوات المسلحة، للوقوف على مدى صحته من عدمها.
ويشير الى أن "الاعتداء على المدنيين محظور في النزاعات والحروب بصفة عامة، ويجرّم القانون الدولي مَن يقوم بالاعتداء على مدنيين"، لافتاً الى أن "الحالة في سيناء ليست مختلفة، فهناك حرب على الإرهاب، ونأمل ألا تحصل تجاوزات حتى القضاء على المجموعات المسلّحة".
ويرى أستاذ القانون الدولي أن قوات الجيش تواجه ضغوطاً شديدة في ما يتعلق بالوضع في سيناء، فضلاً عن مشاهد القتل والإصابات التي تحدث بين صفوف القوات، وهو ما يؤثر سلباً على زملائهم.
ويعتبر سلامة أن العنف المضاد ضد المدنيين يصعّب من حل الأزمة في سيناء، نظراً لاتخاذ بعض شيوخ القبائل والعائلات موقفاً من الاعتداء على المدنيين، وبالتالي فرص مساعدة قوات الجيش تكون قليلة.
ويدعو قوات الجيش إلى ضبط النفس في التعامل مع المدنيين في سيناء، حتى يتم استئصال الفكر التكفيري والإرهاب تماماً من تلك المنطقة.
من جهته، يشير الخبير العسكري والاستراتيجي، العميد صفوت الزيات، الى أن مشاهد الاعتداء على المدنيين في سيناء، ليست جديدة مطلقاً، وحدثت من قبل مرات عديدة، ولكن الآن باتت تظهر في فيديو.
ويلفت الزيات، في حديث لـ"العربي الجديد"، الى أن ظهور مقطع الفيديو وتسريبه على مواقع التواصل الاجتماعي أمر وارد بشكل كبير خلال الفترة الحالية، نظراً للوضع الذي باتت عليه مصر في الآونة الأخيرة.
ويقول الزيات: "إن الفيديو يتم استخدامه من قِبل معارضي النظام الحالي والمؤسسة العسكرية لإظهار حجم الاعتداءات والانتهاكات بحق المدنيين، ولكنه في الحقيقة أمر مهم ومن الضروري النظر فيه".
ويحذر من أن الفيديو يمثّل خطورة حقيقية على عقيدة وتفكير الجيش المصري، في التعرض للمصريين المدنيين بهذه الصورة.
ويلفت الخبير العسكري الى أن الصورة التي ظهر عليها الفيديو سيئة، وتُذكّر بالاعتداءات الإسرائيلية على الفلسطينيين والاعتداءات الأميركية على العراقيين، موضحاً أن الاعتداءات والقتل هو أمر وارد في مواجهات الجيوش النظامية، أما مواجهة جيش نظامي لمدنيين فأمر غير مقبول.
ويشير الزيات إلى أن توقيت الفيديو غير معروف، وإن كان لا ينفي حدوث الأمر، داعياً إلى فتح تحقيق فوري في مثل هذه الانتهاكات ومحاسبة مَن ظهر في الفيديو.
من جهته، يؤكد القيادي في جبهة "طريق الثورة"، محمد القصاص، رفض "قرار التهجير الذي يتنافى مع أبسط المبادئ الإنسانية، كما يحمل مخالفة صريحة لنصوص دستور عام 2014 التي تُحرّم التهجير".
ويقول القصاص، في تصريحات لـ"العربي الجديد": "لا نثق في وعود المسؤولين المصريين بصرف تعويضات للمُهجرين أو منحهم مساكن بديلة"، موضحاً أن "القرار يأتي استجابة للمطالب الإسرائيلية بإخلاء منطقة الحدود بطول 12 كيلومتراً على حساب حقوق السكان الأصليين الذين لا نعلم مدى رضاهم عن عمليات التهجير القسري التي يتعرضون لها".
ويستبعد، في الوقت ذاته، نجاح القوات المسلّحة في تصفية ما تسميه بـ"البؤر الإرهابية" عبر إخلاء هذه المنطقة من البيوت الواقعة فيها، مضيفاً: "لا أظن أن هذه العناصر تتواجد في البيوت أو تتحرك بحرية في المناطق المكشوفة والأحياء السكنية، والأرجح أنها تختبئ في الجبال والمناطق الوعرة".
وعن طبيعة الدعم الذي يمكن أن تقدّمه الحركات المشاركة في الجبهة للمُهجرين، يقول القصاص، بنبرة يملؤها اليأس: "لا أظن أننا نستطيع أن نقدم لهم شيئاً، فالاتصالات شبه مقطوعة بهم ولن تسمح لنا السلطات بالوصول إلى هناك".
ويتفق معه عضو المكتب السياسي بحركة "الاشتراكيين الثوريين"، محمود عزت، الذي يقول إن "إجبار سكان رفح على ترك منازلهم بقوة الدبابات، استكمال للحلول الأمنية التي اعتادت السلطة الحاكمة على اللجوء إليها والتي أثبتت فشلها على الدوام".
ويضيف عزت، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "الحل ليس في التهجير الذي يزيد من غضب واحتقان أهالي سيناء من الحكومة، إنما بإقامة مشروعات تنموية حقيقية والدفع باستثمارات لتعمير المنطقة"، لافتاً إلى وجود "أزمة أخرى تتجسّد في اتفاقية كامب ديفيد التي تُضعف من تسليح المُجندين المصريين في هذه المنطقة ما يزيد من صعوبة مهمتهم ويجعلهم غير مؤهلين للدخول في أي مواجهة، وهو ما كشف عنه حادث الجمعة الماضي".
ويرى أن "ما يزيد من تعقيد المشهد، هو إصدار أول رئيس بعد الانقلاب، عبد الفتاح السيسي، قراراً جمهورياً بقانون يُخضع المنشآت العامة لحماية القوات المسلّحة، ما يشكل عبئاً إضافياً عليها في الوقت الذي لا تستطيع فيه حماية نفسها أو القيام بمهمتها في حماية الحدود".
وكان محافظ شمال سيناء، عبد الفتاح حرحو، قد أكد في تصريحات تلفزيونية، أن "عملية إخلاء سكان منطقة الشريط الحدودي بمحافظة شمال سيناء، ستكون نهائية، يتم بعدها هدم جميع منازل المنطقة بهدف إقامة منطقة عازلة بعمق 500 متر لحماية مصر ممّا وصفه بـ"مخاطر الإرهاب".
وأوضح حرحو أنه "تقرر صرف تعويضات لأصحاب المباني بالشريط الحدودي عن قيمة المسكن والأرض باعتبارها متوارثة من الآباء والأجداد، اعتماداً على تقارير لجان مختصة لتقييم أسعار المباني"، وهو ما استبعد ناشطون حدوثه.
وشدد على أن قيادة القوات المسلحة لا ترضى بمثل هذه الانتهاكات، نظراً لأن هذا يعد تغيّراً جوهرياً في عقيدة الجيش، فضلاً عن أنه يقوّض عملية مواجهة الجماعات المسلّحة في سيناء.
ولفت أن مواجهة المدنيين والتضييق عليهم، يجعلهم أقرب إلى المجموعات المسلّحة في سيناء، لأنها ستكون المنقذ لهم من قمع قوات الجيش والأمن.
أما القيادي بالتحالف الوطني لدعم الشرعية، حاتم أبو زيد، فيدين مقطع الفيديو المنتشر لضرب وتعذيب جنود بالجيش لمدنيين في سيناء.
ويضيف: "على الجيش أن يوضح للشعب المصري حقيقة الأوضاع في سيناء، نظراً لوجود حالة من التعتيم الإعلامي التي فرضتها القوات المسلحة حول العمليات هناك".
ويشير، في حديث لـ"العربي الجديد"، الى أنه "مع بدء الحملة العسكرية الجديدة في سيناء، ننتظر مزيداً من الانتهاكات التي ترتكب بحق المدنيين، من دون المساس بالمجموعات المسلّحة التي يتحدثون عنها".
ويرى أنه لا بد من وقفها وتقديم بلاغات دولية لما تمارسه قوات الجيش والأمن ضد أهالي سيناء، من تهجير قسري وقتل واعتقالات وتعذيب.
ويشدد على أن العالم كله وكافة القوى الوطنية وجمعيات حقوق الإنسان تغض الطرف عن الأوضاع في سيناء، لأنها تخشى على مصالحها مع النظام الحالي.
ويلفت القيادي في تحالف دعم الشرعية، إلى أن "النظام الحالي يتحمّل تبعات سياساته الخاطئة في التعامل مع القضايا المختلفة، وخاصة أن سيناء (تمثّل) أمناً قومياً لمصر على الحدود مع عدونا الأول الكيان الصهيوني".