فوضى عمليات التجميل في إيران... أخطاء قاتلة يرتكبها غير المتخصصين

04 فبراير 2019
ثغرات قانونية تضيع حقوق ضحايا أخطاء عمليات التجميل (الأناصول)
+ الخط -
تنتظر العشرينية الإيرانية فاطمة غرجي، حكم القضاء في دعواها ضد طبيب أجرى عملية تجميل لأنفها، قبل ثلاثة أعوام إذ تدهورت حالتها بعد فترة وجيزة من تدخله الجراحي وباتت تشعر بصعوبة في التنفس، مصحوبة بزكام حاد، وحساسية عالية في فترات متقاربة، وفق ما كشفه تقرير طبي أرجع معاناتها إلى خطأ جراحي أدى إلى تضييق مجرى التنفس في أنفها الذي كانت "تحلم بإعادة تشكيله، بحيث يصبح أكثر تناسقاً مع وجهها".

لاحقا تأكدت غرجي أن الطبيب الذي تعرفت إليه عبر أحد أقاربها، "لا يحمل شهادة تخصص بالأنف والأذن والحنجرة، وغير مختص بالجراحة التجميلية، وبالتالي ليس ممن يحق لهم إجراء هذا النوع من العمليات، ما جعلها تذهب لطبيب مختص هذه المرة، بعد أن تكبدت تكاليف مالية كبيرة لمعالجة المشكلات التنفسية الجديدة التي تعاني منها، وقد تضطر لإعادة العملية" كما قالت لـ"العربي الجديد".

وتعد معاناة فاطمة جزءا من ظاهرة ترجع إلى أخطاء الأطباء غير المتخصصين في عمليات التجميل وفق ما أكده لـ"العربي الجديد" بهروز باريك بين اختصاصي جراحات التجميل وعضو نقابة أطباء التجميل والتي أكدت في رد على أسئلة "العربي الجديد" أن "عدد الأطباء الذين يحملون شهادات التخصص في جراحة التجميل والمسجلين في البلاد يبلغ 300 طبيب فقط وفق إحصائية رسمية صدرت في عام 2016 ولم يتغير الرقم كثيرا منذ ذاك العام" بحسب المصدر ذاته.

ويبلغ عدد عمليات تجميل الأنف أو إعادة تشكيل هيكل الأنف العظمي والغضروفي التي تجرى سنويا في إيران 25 ألف عملية وفق إحصاء نقابة أطباء التجميل الإيرانية، ويكشف الفارق الكبير بين عدد العمليات وعدد المتخصصين المسجلين في النقابة عن إجراء أطباء غير متخصصين لعمليات التجميل وهو ما يؤكده عضو نقابة أطباء التجميل الدكتور كمال سيد فروتن قائلا في تصريح لموقع خبر أونلاين الإلكتروني، أن آلاف الأطباء من غير المتخصصين يجرون عمليات التجميل رغم أنهم غير مؤهلين طبيا لذلك، محملا مؤسسة النظام الطبي المعنية بالتفتيش والرقابة والمحاسبة المسؤولية.


مخالفات طبية

تنقسم عمليات التجميل التي يُقبل عليها الإيرانيون إلى نوعين فإما أن تتم عبر تدخل جراحي على غرار عمليات الأنف، أو دونه من قبيل الحقن بإبر البوتوكس أو إزالة الوشوم، وفق ما أوضحه عضو الهيئة الرئاسية في نقابة أطباء التجميل عبد الجليل كلانتر هرمزي لموقع سلامت نيوز الطبي في مارس/آذار الفائت.

وتحتل جراحة الوجه والفك، ومن بعدها الحقن بالبوتوكس، ومن ثم شفط الدهون، صدارة ترتيب أكثر العمليات شيوعا في إيران بينما تأتي عملية تجميل الأنف بالمرتبة الأولى وتليها عملية رفع الجفن، وكلتاهما ضمن جراحات الوجه.

ويؤهل اختصاصي التجميل في إيران عبر دراسة تخصص الجراحة العامة لأربع سنوات بعد ست سنوات من دراسة الطب العام، بعدها يحق لهم دراسة تخصص الجراحة التجميلية لثلاث سنوات أخرى، كما يحق لكل من متخصصي الأنف والأذن والحنجرة الذين يلتحقون بهذا التخصص بعد سنوات الطب العام لأربعة أعوام، ولمتخصصي جراحة الفك والوجه الذين يدرسونها بعد التخرج من قسم طب الأسنان، إلى جانب متخصصي الجلدية، إجراء عمليات التجميل في تخصصاتهم وفق مقررات كلية الطب بجامعة طهران، المنشورة على الموقع الالكتروني للهيئة التدريسية.

لكن بعض من يجرون تلك العمليات من حملة شهادات الجراحة العامة، وأحيانا من خريجي الطب العام، كما يؤكد الاختصاصي بهروز باريك بين، والذي قال إن العشرات يترددن على عيادته لمعالجة تبعات عمليات تجميل أجراها أطباء من خارج التخصص، مؤكدا أن معظم زبائن هذه العمليات من السيدات، ومنهن فتاة تراجعه حاليا بعد أن خضعت لعملية حقن دهون، تسببت في شلل جزئي في قدمها، إلى جانب وجود حالات عديدة ممن استخدمن حقن "البوتوكس" وكانت المادة المستخدمة دون معايير الجودة الطبية المطلوبة، وهو ما أدى لأضرار متنوعة حسب قوله.


اختيار الطبيب عبر "الإنستغرام"

تحمّل مصادر التحقيق الأطباء من غير المتخصصين مسؤولية الأخطاء الطبية إلى جانب من يقبلون على الخضوع لتلك العمليات دون التأكد من هوية الطبيب الذي يجريها أو من المركز الذي يعمل فيه، "حتى وصل الأمر إلى أن البعض يختار الطبيب عبر موقع الإنستغرام الرائج كثيرا في إيران"، وهو ما رصدته ووثقته معدة التحقيق عبر البحث عن وسوم ومصطلحات بأسماء عمليات التجميل نفسها، من قبيل شفط الدهون، أو حقن الشفاه، أو رفع الجفون، وصفحات مثل "عمل زيبايي" أي جراحة التجميل، التي يتابعها، قرابة 42 ألف متابع وعليها صور تظهر فيها سيدات قبل وبعد عمليات التنحيف المتعددة، ناهيك عن صفحات تابعة لأطباء يقولون إنهم متخصصون، وأخرى لمراكز تجميلية قد يكون العاملون بها غير مؤهلين وهو ما قد يترك تبعات كالشلل، أو الالتهابات المختلفة وحتى الوفاة في ظل توقيع تعهدات بإخلاء المسؤولية من قبل من يخضعون لتلك العمليات وهو ما يصعب من محاسبة المتورطين في إجراء تلك العمليات وفق ما ذكره الاختصاصي باريك بين.



ثغرات قانونية تضيّع حقوق الضحايا

ينظم القانون مواجهة أخطاء العمليات الجراحية بشكل عام، ووفقا للبند ج للمادة 158 والمادة 495 من قانون العقوبات الإيراني الصادر في عام 2013، فإن "الطبيب إذا ارتكب خطأ طبيا لم يؤد للوفاة لا يتعرض لعقوبات إلا باستثناءات، وهذا إذا ما كان قد أخذ توقيعا يدل على رضا المريض أو ولي أمره عن إجراء العملية وتحمله لمسؤولية تبعاتها، وكون عمليات التجميل غير طارئة وغير ضرورية يتوجب أخذ هذا التعهد من المريض".

وبحسب المادة 616 من قانون العقاب التعزيري الصادر في 1997، فبحال الوفاة وإن تم إثبات مسؤولية الطبيب من خلال عدم حذره أو لامبالته أو عدم مهاراته، قد يتعرض لعقوبة السجن بين عام وثلاثة أعوام إلى جانب دفع الدية لعائلة المتوفى.

ويمكن إعفاء الطبيب من المحاسبة في حالة الخطأ التجميلي استنادا لهذا القانون، بحسب ما جاء في ورقة بحثية منشورة في مجلة الحقوق الطبية في العدد الصادر في خريف 2015 للمحاميين محمود عباسي ومحبوبه طالبي رستمي، اللذين قالا في ورقتهما بأنه "يمكن إعفاء الطبيب في حال كونه متخصصا، بالدفع بأنه التزم بكل الشروط العلمية والتقنية والضوابط الحكومية فضلا عن شهادات بتمتعه بالمهارة"، وهو ما يوضحه المحامي شابور إسماعيليان المعروف برفع دعاوى في قضايا أخطاء عمليات التجميل قائلا لـ"العربي الجديد": "المشكلة ترجع بالأساس إلى عدم وجود قانون خاص ينظم محاسبة المسؤولين عن أخطاء هذه العمليات التجميلية بالذات"، وتابع أن "كل قضية تختلف عن الثانية، فوقوع الخطأ يسمح بالتقدم بشكوى وفق القانون، وذاك الخطأ الذي يؤدي للوفاة ينتهي بدفع الدية بشكل حتمي، والسجن أحيانا، وفي الحالات الأخرى التي لا تكون نتيجتها الوفاة على المحامي أن يثبت مسؤولية الطبيب، ويُعاقب بحال لم يكن مرخصا، وعليه بهذه الحالة تقديم تعويض مالي، واصفا القانون بالعام كونه لا يحدد التفاصيل، في ظل أن بعض العمليات التي تنتهي بأخطاء تغطيها شركات التأمين، لذا تبقى الأخطاء الشائعة بلا حساب.


تجارة رابحة

تبلغ نسبة الشكاوى المقدمة بسبب أخطاء عمليات التجميل التي أجراها متخصصون بالجراحة التجميلية 10%، فيما تتهم 90% من الشكاوى أطباء غير متخصصين أو مساعدي أطباء من الفنيين بحسب إحصاء لموقع شفا أونلاين الطبي وهو ما يتفق مع ما يراه أطباء متخصصون في عمليات التجميل بأن 80٪ من حالات الوفاة إثر الأخطاء التجميلية يتحمل مسؤوليتها طبيب غير متخصص وفق ما جاء في إفاداتهم لصحيفة شرق الإصلاحية، والتي أوضحت في 19 ديسمبر/كانون الأول 2018 أن الأمر تحول إلى تجارة، فهناك مساعدو أطباء يتعاونون مع أطباء غير متخصصين ويتقاسمون المبالغ المالية التي تصل أحيانا إلى 15 مليون تومان إيراني (حوالي 1500 دولار أميركي) في اليوم الواحد، الأمر الذي يرجعه اختصاصي التجميل بهروز باريك بين، إلى بحث أطباء عن دخل أعلى، ما يجعلهم يلجؤون إلى سوق التجميل المنتعشة، ما يستدعي فرض قيود ورقابة مشددة من قبل وزارة الصحة، مع حل المشكلات المعيشية التي تجعل الأطباء من خارج هذا التخصص، أو ممن لم يكملوا دراستهم يضطرون للجوء لعمليات التجميل ليكسبوا قوت عيشهم حسب قوله.

وتعنى بإجراءات الرقابة والتفتيش ومنح التراخيص الطبية مؤسسة النظام الطبي والتي تعد جهة غير حكومية وتضم أطباء متخصصين ويتم تعيين مديرها بموافقة الرئيس الإيراني، وبحال أقرت المخالفات تحول الملفات من طرفها للقضاء، لكونها مخولة بإرسال طواقم لتفقد العيادات ومداهمتها للتأكد ما إن كان أطباؤها يحملون تراخيص العمل، بحسب ما وثقته معدة التحقيق عبر للموقع الرسمي لذات المؤسسة.

وبينما رفضت المؤسسة تقديم توضيحات لـ"العربي الجديد" عن سبب إجراء أطباء غير مؤهلين لعمليات التجميل، أكد مدير التخطيط في المؤسسة محمد جهانغيري أن مؤسسته تقوم بعملها على أكمل وجه قائلا في تصريحات صحافية في أكتوبر/تشرين الأول 2017 أنه "في حال التعرف على من يعملون بلا تراخيص يُحاسبون وتحول ملفاتهم للقضاء لأن ذلك يهدد السلامة العامة".