فلسفة النرد

02 يونيو 2015
تنظّم لها مسابقات دولية (Getty)
+ الخط -
حالة من البهجة تسيطر على لاعبيْ "طاولة الزهر" أو "الطاولة" اختصاراً، في المقاهي الشعبية، وهم يلقون بزوجي النرد الصغيرين على الطاولة الخشبية المزخرفة بالنقوش والأشكال الهندسية، ثم يقرأون نصيبهم من الأرقام التي ساقها القدر، ولكن ليس بلغتهم بل بلغة اللعبة نفسها، كي يحرّكوا قطع "القُشاط" بأساليب خاصة للدلالة على المهارة.
ما بين الفرح بالنصر الممزوج بافتعال مهارة الرمي أو لعن الحظ العاثر، يقوم المتنافسان دون أن يعترف أحدهما للآخر بالمهارة، فالزهر هو اللاعب الحقيقي الذي يقرّر..."دو سي"، "دو بيش" "دو شيش"... مع العبارة الأخيرة ترتفع صيحة الفرح، فهي أعلى رقم يمكن للنرد ان يجود به على اللاعب، حين يمنحه 6 لوجه كل نرد.
يصعب جداً التأريخ لنشأة هذه اللعبة التي تنتشر بكثافة في منطقة الشرق الأوسط وبلاد فارس، لكن من المؤكد أنها لعبة عريقة، حيث يحتفظ متحف حلب بمكعبة من لعبة النرد، يرجع تاريخها إلى أكثر من ثلاثة آلاف سنة.
يربط بعض الفلاسفة نشأة هذه اللعبة بمذهب فلسفي قديم، هو مذهب "الجبرية"، الذي يعني أنّ الإنسان مسيّر ضمن نواميس الكون، فالقدر المتمثّل في أرقام الزهر يلعب الدور الأساس في توجيه دفّة اللعبة التي تمثّل الحياة.
ونشأت "الطاولة" في مقابل لعبة "الشطرنج" التي يربطونها بمذهب "الاختيار"، حيث تكون مآلات الإنسان ثمرةً لتدبيره واختياراته.
يقال إن عدداً من علماء الفرس القدامى المهاجرين من أرض مادي بالهند، هم من اخترعوا اللعبة للتعبير عن عقيدتهم الجبرية. وقد توارثَ اللاعبون أسماء الأعداد التي يظنها الناس فارسية، والحقيقة أنها أعداد سنسكريتية، أي هندية الأصل.
عدد قطع الطاولة ثلاثون قطعة، تُسمّى الواحدة منها: قُشاط، على عدد أيام الشهر، وهي على لونين أبيض وأسود يرمزان لليل والنهار، وخانات الرقعة اثنتا عشرة خانة في كل من جهتي الطاولة، كي ترمز لساعات الليل والنهار. ومكعبتي الزهر ذات ستة وجوه، على كل وجه رقم من 1 إلى 6، مجموعها سبعة بعدد أيام الأسبوع، والرقعة ترمز إلى الدنيا، كما يرمز إلقاء اللاعب بمكعبي الزهر إلى الاستسلام للقدر، وهي لعبة بسيطة لا تعقيد فيها، كبساطة اليقين بالقضاء والقدر.
تقوم اللعبة على ضرورة أن يحرك كل لاعب جميع قطع القشاط الخمس عشرة الخاصة به من نقطة البداية إلى داخل الطاولة، ثم يمرر كل لاعب قِطَعَهُ الخمس عشرة كي يخرجها من الطاولة قبل الآخر، عبر الأرقام التي يحددها له زوج الزهر بعد رميه. فإذا أخرج اللاعب كل قطعه قبل أن ينتهي اللاعب الآخر من إخراج قطعه، فقد فاز فوزاً مفرداً يسمونه "أوين"، أما إذا استطاع لاعب إخراج جميع قطعه كاملة قبل أن يخرج منافسه أي قطعة لديه؛ فقد فاز فوزاً مضاعفاً، يسمّونه "مرس".
للعبة أنواع عديدة يشتهر بعضها على بعض من بلد إلى الآخر، مع تغيير طفيف في قواعدها. ومن أشهر أنواعها: العادية، والمحبوسة، والـ 31. وتسعى بعض الجهات المعنية بتراث الألعاب الشعبية لإنشاء اتحادات خاصة، كما تُنظّم لها بطولات دولية.
المساهمون