فلسفة الجريمة في الدولة المصرية الحديثة

30 سبتمبر 2016

شمعة لضحايا مركب رشيد أمام نقابة الصحفيين بالقاهرة (27/9/2016/الأناضول)

+ الخط -
لم ترث دولة "الاستقلال" العربي هياكل وإدارات الحماية الأجنبية فحسب، بل أيضاً أسلوب إدارة الحكم، ونمط العلاقة مع المحكومين، خصوصاً عنصر الاستغلال، وضبط حركة المجتمع. فيبرز التركيز على مؤسسات الإكراه والخضوع، وحظر المؤسسات المدنية، وتصدير أدوات العنف، تحديدًا جهازي الشرطة والجيش، بحيث صار العنف المنظم "القانوني" هو الحال الراسخ للنظم السياسية.

وانبنى على هذا تباين المسافة بين "المؤسسات السياسية" والـ"الأدوات السياسية"، فلم تعد لمؤسسات البرلمان والقضاء أهمية بالنسبة للمواطن العادي، إذ إنها لا تمثله، ولا يستطيع الوصول إليها باختياره وجهده، بينما يخضع لاستغلال "العصبة الحاكمة" لها لتقنين الاستغلال.
وفي السنوات الأخيرة، تقدّمت الحالة المصرية على مثيلاتها من الدول العربية في هذا الصدد، فمنذ سيطرة النخبة العسكرية على مقدرات الحكم، تعتبر سياسات الدولة جموع المواطنين "آخر" لا يمكنه الاندماج داخل المنظومة الحاكمة، فازدادت قوانين "التجريم" وموضوعاته، لتشمل أبسط وجوه الحياة الاقتصادية، مثل تجارة الدواء والمحاليل، توزيع الألبان المدعمة، استيراد البضائع، التعامل بالعملات الأجنبية، إلخ.
وصار "احتكار" النخبة و"امتصاص" دماء المواطنين هدفًا مقصودًا لذاته، تقننه المؤسسات، وتعاقب أدوات القمع الهاربين منه، والملتفين من حوله.
وفي السنوات الأخيرة، تقدّمت الحالة المصرية على مثيلاتها من الدول العربية في هذا الصدد، فمنذ سيطرة النخبة العسكرية على مقدرات الحكم، تعتبر سياسات الدولة جموع المواطنين "آخر" لا يمكنه الاندماج داخل المنظومة الحاكمة، فازدادت قوانين "التجريم" وموضوعاته، لتشمل أبسط وجوه الحياة الاقتصادية، مثل تجارة الدواء والمحاليل، توزيع الألبان المدعمة، استيراد البضائع، التعامل بالعملات الأجنبية، إلخ.
وصار "احتكار" النخبة و"امتصاص" دماء المواطنين هدفًا مقصودًا لذاته، تقننه المؤسسات، وتعاقب أدوات القمع الهاربين منه، والملتفين من حوله.
من هنا، يبدو واضحًا لماذا قيدت الدولة المصرية الناجين من كارثة قارب رشيد في أسرة المستشفيات، ولم تشفع حالات الصرع والصدمات العصبية التي أصابت بعضهم، إثر وفاة أبنائهم وذويهم، في عزائهم في مصابهم العظيم، فإنهم، من جهتها، اختاروا موتًا دون موت، وقرّروا التخلص من سيطرتها، فينبغي معاقبتهم على هذا الاختيار.
فتصوروا، مثلاً، لو نجح ثلث الشعب أو نصفه في الهروب، ممن ستجمع الدولة الأتاوات؟ ومن سيدفع كفالات المقتادين ظلمًا إلى السجون؟ من أين سيصنع ضابط المرور "السبوبة" التي يقتات منها؟ من سيدفع "العشرة جنيهات" في المحاكم؟ لتحسين الخدمات الصحية للقضاة؟ من سيشتري الدواء من رجال أعمالها في السوق السوداء بأضعاف الثمن المدعم؟ من ستلتهم أمواله، حين ترفع الدعم عن العملة المصرية؟ من سيدفع "الرشاوي" لتمرير بضائعه من الجمارك؟
إذا لم يكن من "المصري" نفع على الإطلاق، ولم يمت بعد متأثرًا بالغذاء المسرطن ومياه المجاري، فإن عصابات تجارة الأعضاء وتهريب اللاجئين غير الشرعيين التي يتورّط فيها بعض مسؤولي الدولة، ولو بشكل غير مباشر، تستطيع التكسب منه.
إذن، لابد من "تجريم" الهروب، وجعل الناجين عبرة لمن يعتبر.
ولا تزال الدولة في تنكيلها بهؤلاء العائدين ملتزمة بالأطر القانونية والتشريعية، سواء داخليًا أو على المستوى الدولي، فإنها لا تزال تحارب "الهجرة غير الشرعية"، وتعفي الدول "النظيفة" من تحمل أعبائها.
بينما ترسخ الطبقة الوظيفية الملتفة حولها في (كمباوندات) التجمع واستوديوهات الإعلام خطاب "مصر أولى بولادها"، أولى بأموالهم وأعمارهم.
وإن اقتضت الظروف، فهي أولى بسفك دمائهم بشكل يستدعي من جورجيو أغامبين كتابة مؤلف آخر في سياسة "العيش ميتًا" و"الحرب الأهلية القانونية" بالتطبيق على "أم الدنيا".

avata
avata
نوران السيد

كاتبة مصرية

نوران السيد