فلسطين في مجلس الأمن.. هاوية جديدة

23 ديسمبر 2014

فلسطينيون يتظاهرون ضد مصادرة أراضيهم في ريف رام الله(10ديسمبر/2014/الأناضول)

+ الخط -

كثيرة الملابسات التي أحاطت بمشروع القرار الفلسطيني العربي، المقدم الى مجلس الأمن الدولي، مشروع تابعه عدد محدود من الدائرة الضيقة في مكتب الرئيس، وأحاطوه بأجواء من السرية والغموض، حتى إن القيادة الفلسطينية الرسمية لم تتمكن من الاطلاع عليه، إلا من الموقع الرسمي لهيئة الأمم المتحدة، بعد تقديمه رسميا إلى مجلس الأمن، على الرغم من إلحاح أعضائها المتكرر. بل إن الإيجاز الذي كان يقدمه الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، عن المشروع في اجتماعات هذه القيادة يكاد لا يمت بصلة للنص النهائي الذي قدم، كما تبين من المقارنات التي أجرتها وسائل الإعلام المختلفة بين النصين، الأصلي والذي سلم رسمياً باسم فلسطين والعرب.

آمال كبيره علقتها القيادة الفسطينية على مشروع القرار، بإعلانها عن بدء الهجوم والمواجهة السياسية الفلسطينية في الساحة الدولية، والتلويح بالانضمام إلى المنظمات الدولية ومحكمة الجنايات الدولية، في حالة رفض المشروع. وترافق ذلك مع تصريحات داعية إلى خوض المقاومة الشعبية السلمية، لحماية الهجوم السياسي الفلسطيني، إلا أن هذا كله سرعان ما تلاشى أمام النص المقدم، والذي كشف عن وصول السقف السياسي الفلسطيني الرسمي إلى أدنى مستوى له منذ توقيع اتفاق أوسلو، بل وتقديمه تنازلات غير مسبوقه في تاريخ المفاوضات الفلسطينية.

أثار ذلك خلافاً واسعاً في صفوف القيادة الفلسطينية، ومشادة بين الأمين العام لحزب الشعب، النائب بسام الصالحي، والرئيس حول النص غير المسبوق عن القدس، كما صدرت عدة بيانات تنتقد المشروع، بما فيها بيانات من الفصائل المنسجمة مع خط التسوية، وصلت إلى حد دعوة الجبهة الديمقراطية إلى وقف المداولات الهابطة في مجلس الأمن على حساب الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.

على أن النقد الأبرز للاتفاق جاء على يد أحد أعضاء الخلية الأولى في مفاوضات أوسلو وما تلاها، حسن عصفور، والذي وصف مشروع القرار بأنه (كارثة سياسية وطنية)، ويشكل انقلاباً فلسطينيا رسمياً على قرار الأمم المتحدة رقم 19 /67 لعام 2012، والخاص بالاعتراف بدولة فلسطين عضواً مراقباً، وعاصمتها القدس الشرقية، معتبرا أن المشروع يضع الرئاسة الفلسطينية متصادمة مع الكل الوطني، يساراً ويميناً، علمانياً وإسلامياً، تقدمياً ومحافظاً.

والواضح أن القيادة الفلسطينية، في سعيها إلى تجنب الفيتو الأميركي، عبر مواءمة مشروعها مع المشروع الفرنسي الأوروبي، قدمت تنازلات جوهرية عديدة، وهبطت بسقف المطالب الفلسطينية إلى هاوية جديدة، لم يسبق أن تجرأ أحد، في السابق، على طرحها، الأمر الذي دفع حتى أولئك المؤيدين لهذا المسار إلى التنصل منه، وتوجيه النقد الشديد إليه. فقد استبدل النص الذي يدعو إلى وقف كامل لجميع الأنشطة الاستيطانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، بما فيها القدس الشرقية، بنص آخر، يدعو إلى امتناع الطرفين عن اتخاذ أي إجراءات غير قانونية أحادية الجانب، بما في ذلك الأنشطة الاستيطانية التي يمكن أن تقوض حل الدولتين.

عدا عن أن النص الجديد يتجاهل القدس كلياً، ويخرجها من دائرة وقف الأنشطة الاستيطانية، فإنه يتيح المجال للتمييز بين أنواع من الاستيطان، فما يمنع التواصل الجغرافي بين المناطق الفلسطينية يقع ضمن نطاق القرار. وما عدا ذلك من المستوطنات الملاصقة للاراضي المحتلة عام 1948 قد تصبح مباحة، بما فيها التجمعات الاستيطانية الكبرى في القدس ومحيطها، أما المساواة بين الطرفين في منطوق بند يتعلق، أساساً، بالاستيطان الصهيوني، فإنه يثير من السخرية والجدل والشبهات أكثر مما يخفي، خصوصاً إذا علمنا أن مجمل الأرض المحتلة منذ عام 1967، ووفق منطق التسوية والمفاوضات، وكما ورد في بنود أخرى في هذا الاتفاق، ومنذ اتفاق أوسلو، هي أراض متنازع عليها، إذ تم، هنا، استبدال الحقوق التاريخية والقانونية والشرعية الدولية وقراراتها ومرجعيتها بمرجعية جديدة، هي ما يتفق عليه فريقا النزاع. وبهذا، قد يصبح البناء الفلسطيني في بعض المناطق عملاً أحادي الجانب، وغير قانوني، كما هو معمول به حاليا في قوانين الاحتلال العسكري الإسرائيلي.

أما القدس الشرقية التي كانت عاصمة دولة فلسطين في النص الأصلي فلم تعد موجودة، ويقترح النص الجديد صيغة ترد، للمرة الأولى، في أي نص فلسطيني حولها، حين يتحدث عن القدس عاصمة مشتركة للدولتين، والتي تلبي التطلعات المشروعة للطرفين، وتحمي حرية العبادة. وهنا، يلغي النص القدس الشرقية كلياً، منطقة محتلة، ينبغي أن يندحر عنها الاحتلال، ويترك المجال مفتوحاً لتفسيرات متعددة، حول حدود الجزء العربي من القدس الذي قد يتراجع من شرقها إلى أطرافها والقرى والبلدات المحيطة بها، ناهيك عن ما سيتعرض له المسجد الأقصى من خطر محدق نتيجة تهويد القدس، أو الحديث المفتوح عن حريه العبادة في العاصمة المشتركة التي، وفقا لهذا النص، لن ينسحب منها الاحتلال.

في النص الأصلي، ودوماً في الأدبيات الفلسطينية، كان يجري الحديث عن الانسحاب من الأراضي التي احتلت في سنة 1967 بما فيها القدس. في المشروع المقدم، لم تختف القدس فقط من النص، بل امتد ذلك ليشمل كل الأراضي الفلسطينية، إذ نص على نهايه الاحتلال القائم منذ 1967 ضمن حدود معترف بها. أصبح اتفاق الفريقين المرجعية الجديدة البديلة عن أي مرجعية تاريخية أو دولية أو قانونية. وبهذا الاتفاق، تتوقف وتنتهي أي مطالب أخرى، بل ويشترط لقبول فلسطين دولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة أن تكون ضمن الإطار المنصوص عليه في هذا القرار، لينهي بذلك كل ما حققته فلسطين من قرارات وإنجازات على الصعد الشرعية الدولية، حتى الآن.

ثمة نصوص أخرى، جرى العبث بها وتعديلها، أو حذفها، مثل تمديد المدى الزمنى إلى ثلاث سنوات، وحذف النصوص عن وقف العمليات العسكرية الإسرائيلية، أو الانتقام والتهجير القسري للمدنيين، والفصل بين غزة والضفة الغربية، وغيرها مما لا يتسع المقام لذكرها جميعا.

وعلى الرغم من كل هذه التنازلات، والتي لن تؤدي سوى إلى العودة من جديد إلى دائرة المفاوضات، فثمة احتمال جدي بأن يتم تأجيل المشروع إلى ما بعد الانتخابات الإسرائيلية، وأن تستمر الضغوط لانتزاع مزيد من التنازلات، قد تصل إلى حد تضمين مجلس الأمن قراره بالاعتراف بيهودية الدولة. أما النتيجة الوحيدة التي تحققت فور تسليم المشروع فهو أن سقف المطالب الفلسطينية هبط إلى هاوية جديدة.

34BA9C91-C50D-4ACE-9519-38F0E79A3443
معين الطاهر

كاتب وباحث فلسطيني، عضو سابق في المجلس الثوري لحركة فتح والمجلس العسكري الأعلى للثورة الفلسطينية، ساهم في تأسيس الكتيبة الطلابية منتصف السبعينات، قائد للقوات اللبنانية الفلسطينية المشتركة في حرب 1978 منطقة بنت جبيل مارون الراس، وفي النبطية الشقيف 1982.