تتذكر أم علي٬ من بلدة السواحرة الشرقية جنوب شرقي القدس المحتلة٬ زوجها المتوفى قبل أكثر من عامين٬ حلمها الوحيد اليوم، زيارة قبره وقراءة الفاتحة عليه٬ وتوزيع الحلوى عن روحه، وفق العادة المتعارف عليها في الأعياد.
مرت الأعياد وتوالت٬ من دون أن تتمكن أم علي من زيارة قبر زوجها الراحل، المحاولة تنتهي دائماً عند بوابة عسكرية مقفلة تمنعها من المرور.
شطر الاحتلال بلدة السواحرة إلى نصفين٬ الأول ضُم إلى أراضي ما يسمى ببلدية القدس٬ وأخرج الجدار الشق الثاني ليبقى تحت الأراضي المصنفة بحسب اتفاقية أوسلوا بتصنيف (سي)٬ وأخد الشق الأول معه مقبرة البلدة الوحيدة التي ما زالت تحتضن الأموات من البلدتين٬ بينما يمنع سكان السواحرة الشرقية من زيارة أمواتهم المدفونين في السواحرة الغربية بحجة أنهم يحملون هوية السلطة الفلسطينية.
تقول أم علي لـ"العربي الجديد" إنها لا تعرف كيف يبدو قبر زوجها٬ وفي أي مكان يوجد في المقبرة٬ وأنها لم تتمكن من زيارته ولو مرة واحدة٬ بسبب منع قوات الاحتلال الاسرائيلي لها من العبور.
وتضيف أن الألم يخالجها كل عام٬ عندما تتقدم بتصريح للارتباط العسكري كي يسمح لها بالعبور٬ لأنها تعرف مسبقاً أن الرفض هو الجواب الدائم على الطلبات التي تقدمها٬ وتقول "كيف للاحتلال أن يمنع الناس عن التواصل مع بعضهم بعضاً، وكيف له أن يمنعهم من زيارة موتاهم في الأعياد وإحياء السنة المتعارف عليها".
وتشير إلى أن بوابة عسكرية أقامها الاحتلال الإسرائيلي بين البلدتين٬ تمنع أكثر من ثلاثة آلاف نسمة من العبور والتواصل مع بقية أهلهم الذين ضمهم الجدار٬ إلا القلة القليلة من الناس الذين يسمح لهم بالعبور بعد حصولهم على التصاريح اللازمة لساعات محددة.
حال أم علي٬ التي تحلم بأن تزور قبر زوجها ولو مرة واحدة٬ لا يختلف كثيراً عن أحوال بقية أهل القرية٬ فغالبيتهم ممنوعون من إحياء شعائر عيد الفطر في مقبرة البلدة المعزولة بالجدار٬ ولن يتمكنوا في العيد من زيارة تلك القبور بعد أن رفضت سلطات الاحتلال إصدار تصاريح بذلك.
ويقول فؤاد محمد لـ"العربي الجديد" إنه مع بداية إنشاء الجدار العازل لم يتمكن من التواصل مع أقاربه في الشق الغربي من البلدة٬ ولا حتى زيارة من توفى منهم ودفن تحت التراب٬ الاحتلال الاسرائيلي قتل الحياة للأحياء٬ ولم يسلم أيضاً الأموات من إجراءاته وممارساته التعسفية.
ويوضح أن الفلسطيني الذي يعيش في السواحرة الشرقية٬ بمجرد وفاته٬ ينعزل نهائيّاً عن البلدة٬ ولا يسمح لأي أحد بزيارة قبره٬ بل إن العديد من الناس لم يدخلوا تلك المقبرة منذ بناء جدار الفصل العنصري٬ ووضع البوابة العسكرية التي يوجد عليها جنود الاحتلال بشكل دائم والذين لا يسمحون لأحد بالعبور٬ لا في الأعياد ولا حتى في الجنازات.
من جهته يقول الشاب عصام أبو حديد٬ إن الجنود المتمركزين على البوابة الحديدية٬ عادة ما يشترطون تصاريح خاصة بالعبور٬ أو التنسيق مع ما يسمى بالارتباط المدني للاحتلال الاسرائيلي٬ كي يسمح لأي شخص يرغب في زيارة أهله الأموات في المقبرة.
ويقول: الجنود لا يهمهم إذا ما كانت الحالة إنسانية٬ أو طارئة٬ أو حتى إحياء شعائر الأعياد التي يجب أن تحصل على تسهيلات، كون العالم يكفل حرية الشعائر الدينية٬ لكن الاحتلال مجرد من انسانيته٬ ولا يأبه بما تنص عليه لوائح الانسانية والحقوق الدينية في العالم.
وقسمت سلطات الاحتلال الاسرائيلي السواحرة إلى نصفين في السنوات الأولى من انتفاضة الأقصى الثانية بدايات عام 2000 ومنعت السكان من التواصل مع بعضهم بعضاً، لا في الأفراح ولا الأتراح٬ ولا حتى دفن الموتى وزيارتهم، وبعد كل تلك السنوات ما زال بعضٌ يحلم بإزالة الجدار واستعادة العلاقات وزيارة الأقارب ومقابر الأموات.