فلسطين: جدار فصل عنصري على فيسبوك

29 سبتمبر 2016
(جدار الفصل العنصري الإسرائيلي. صورة: وكالة الأناضول)
+ الخط -

لم يعد المهتمّ بأخبار بلدة أبو ديس الفلسطينية يجد صفحة الناشط والمصوّر الصحافي، حذيفة جاموس، على مواقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، فالصفحة التي كانت مصدرًا أوليًّا للصحافيين، حُذفت بقرارٍ من إدارة الموقع.

حذيفة، ومنذ خمس سنوات، اتخذ على عاتقه نقل ما يحدث في بلدة أبو ديس شرق القدس من مواجهات يومية، وانتهاكات الاحتلال الإسرائيلي، إلى صحافيين وحقوقيين لا يستطيعون الوصول إلى البلدة المحاصرة بجدار الفصل العنصري.


مضامين تحريضية
"تواصلت مع إدارة فيسبوك فور حذف الصفحة، فردّت أن السّبب احتواؤها على مضامين تحريضية، رغم أنني لا أستخدم الصفحة إلا لنقل ما يحدث على الواقع"، يقول جاموس، مشيرًا إلى أن صفحته هي أرشيفٌ توثيقيٌّ لما يدور في أبو ديس في السنوات الخمس الأخيرة من انتهاكات الاحتلال، وما يصدر من أهالي البلدة من مقاومةٍ وأنشطةٍ شعبية.

صفحة حذيفة جاموس لم تغلق مصادفةً، بل بسبب حملة شنّتها إدارة فيسبوك على صفحات نشطاء فلسطينيين وشبكات إخبارية، فور توقيعها في 22 أيلول/ سبتمبر، اتفاقية مع الحكومة الإسرائيلية هدفها حذف المحتوى الفلسطيني من الموقع، تحت ذريعة احتوائه على مضامين تحريضية.

وطاولت الحملة تعليق حسابات 15 مديرًا في كبرى الصفحات الإخبارية الفلسطينية، على رأسها "شبكة قدس الإخبارية"، التي يتجاوز عدد متابعيها خمسة ملايين متابع، إضافة إلى صفحات إخبارية أخرى من ضمنها صفحة شهاب.


قمع إلكتروني
وتمكّنت إدارة موقع التواصل الاجتماعي من إغلاق صفحات تجاوز عدد متابعيها مئات الآلاف، كصفحة "الحديث اليوم" و"غزة الآن"، و"مش هيك الساخرة" و"كيفك" الترفيهية وصفحة "إذاعة بيت لحم 2000".

يوضّح مدير التحرير في "شبكة قدس الإخبارية"، إياد الرّفاعي، في حديث مع "جيل العربي الجديد"، أنه ومنذ إنشاء الشبكة وأذرع الكيان والمستوطنين، يرسلون بلاغات لإدارة فيسبوك عن محتوى الشّبكة، التي تكشف جرائم وانتهاكات الاحتلال بهدف إغلاقها، إلا أن عدد متابعي الشّبكة الكبير حافظ على الصفحة من الحذف.

استجابت إدارة فيسبوك فيما بعد للبلاغات، وقامت بإغلاق صفحة "شارك" الترفيهية، التابعة لشبكة "قدس الإخبارية"، قبل أن تتمكّن الشبكة من استعادتها مجددًا، غير أنّها واصلت تعليق غلق حسابات مدراء الشبكة بين الحين والآخر.

الحصار الإلكتروني، الذي يفرضه موقع التواصل الاجتماعي، يرجعه الرّفاعي إلى"هجمةٍ تحريضيةٍ كبيرة من قبل الإعلام الإسرائيلي مؤخرًا، انطلاقًا من حذف بعض المضامين الفلسطينية من صفحة الشبكة الرئيسية، ووصول عددٍ كبيرٍ من البلاغات عليها".


كسر العظام
النشطاء الفلسطينيون لم يقفوا مكتوفي الأيدي أمام حملة إدارة فيسبوك بالتعاون مع سلطات الاحتلال، ليعلنوا في 25 أيلول/ سبتمبر تعليق النشر على موقع فيسبوك لمدة ساعتين، وليكشف محرّك البحث "غوغل" عن انخفاض سعر الأسهم في موقع "مارك"، إثر الحملة التي حصدت على "تويتر" تفاعلًا زاد عن 300 مليون متضامن، فيما تجاوزت مشاركة المنشورات مائة مليون مشاركة.

يعتبر الرفاعي أن الحملة شكّلت ضغطاً كبيرًا على فيسبوك، لتقدّم إدارته اعتذارها لمدراء صفحتي "قدس" و"شهاب" وعدد من الصفحات الإخبارية التي حُذفت، مشيرًا إلى أن جانبًا من "رسالة الاعتذار" أكّد على التعاون المستمر مع الاحتلال.

الاتفاقية التي وُقِّعت بين حكومة الاحتلال الإسرائيلي وإدارة موقع فيسبوك، لم يتم بعد الاطّلاع على بنودها، حيث يُبيّن الحقوقي، ماجد العاروري، أن حذف المحتوى الفلسطيني من مواقع التواصل، هدفه تقييد حرّية الفلسطيني في النشر والتعبير، خاصّة أن الفلسطينيين يعتمدون على الموقع لنقل ما يدور في فلسطين، في ظلّ انحياز كبرى وسائل الإعلام الغربية للاحتلال.

ويضيف المتحدّث أن هذا الاتفاق يمسّ بحق الفلسطينيين في تبادل وتداول المعلومات ونشرها، وهو ما يتناقض مع المبادئ التي أقرّها مجتمع المعلومات، والتي تؤكّد على الانتقاء الحرّ للمعلومات وحقّ نشرها وتداولها.


إعلام موازٍ
الاحتلال، كان قد لوَّح بحظر فيسبوك في فلسطين سابقًا بعدما لعب دورًا مهمًّا في كشف انتهاكاته واعتداءاته، يعلّق العاروري،" على السلطة الفلسطينية اتخاذ إجراءات ضاغطة، تمكّن الفلسطينيين من استخدام فيسبوك بحرّية، وعلى المؤسّسات الحقوقية لعب دورٍ إيجابيٍ ومؤثر، وخلق ضغطٍ دولي على الاحتلال".

يشار إلى أن إدارة فيسبوك حذفت صفحتي "الكتلة الإسلامية الطلابية" في جامعتي "بيرزيت" و"النجاح" مما يؤكّد أنها ماضية قدمًا في حذف المحتوى الفلسطيني، مهما كان مضمونه عن الموقع.

وفي خطوة لافتة، تسعى أيضًا إدارة فيسبوك إلى حذف صفحات قرى وبلدات فلسطينية أنشأها ناشطون، تسعى إلى كشف تجاوزات الكيان في قريتهم. هنا، يؤكّد جعفر حمدان، طالب الإعلام في جامعة القدس، تعرّض صفحة "قرية العيساوية" للحذف، بعد أن تجاوز عدد متابعيها 20 ألف متابع.

ويوضّح حمدان أن الصفحة أُنشئت لنقل ما يدور في القرية التي تقع شمالي القدس من مواجهات واعتقالات وهدم للمنازل، لا تستطيع كاميرات الصحافيين توثيقها، و"تم إغلاق الصفحة دون سابق إنذار فور استشهاد أحد شباب البلدة، فادي علوان، في المواجهات التي عرفتها المنطقة".

نشطاء العيساوية لم ييأسوا، وأنشأوا صفحة أخرى تحمل الاسم ذاته "قرية العيساوية"، وما إن تجاوز متابعوها الخمسة آلاف، حتى أُغلقت مجددًا بعد حملة بلاغات على منشورات الصفحة، ليُنشىء النّشطاء صفحة ثالثة تحديًّا لسياسة فيسبوك التي جاءت بسبب ضغوط الاحتلال.


"مارك" والاحتلال
من جهته، يصف المحلّل السياسي، ساري عرابي، ما قامت به إدارة فيسبوك، بأنه يُعبّر عن موقفها العدواني المتعاطف مع الاحتلال، مستطردًا في حديث مع "جيل العربي الجديد"، أن إدارة فيسبوك لا تتخذ موقفًا محايدًا من الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي.

"واضح أن الاحتلال تضرّر من استخدام الفلسطينيين للفيسبوك، لأنهم استطاعوا من خلاله تجاوز قيود الاحتلال وضعف الفصائل والملاحقات، واستطاع الشباب الفلسطيني أيضًا تجاوز ما وضع أمام نضاله من معوقات"، يقول عرابي.

يؤكّد المتحدّث أن الاحتلال يهدف من فرض القيود على مستخدمي فيسبوك من الفلسطينيين، إلى محاربة خلق أجواء الوعي، ودفع الشباب لأخذ أدوارهم الطبيعية تجاه الاحتلال، " إدارة فيسبوك ستواصل حملتها بحذف المحتوى الفلسطيني، إلا أن التغيير الإيجابي وجود حملة تواجه هذا السلوك".

أكثر من مليونَي فلسطيني، يستخدمون موقع فيسبوك، باتوا معرّضين اليوم لحذف منشوراتهم وإغلاق صفحاتهم تحت حجّة "احتوائها على مضمون تحريضي"، يعلّق عرابي، "علينا القيام بتجييش أكبر عدد لإرسال بلاغات لإدارة موقع التواصل عن صفحات إسرائيلية، تُحرّض يوميًا على قتل الفلسطينيين ولم يُتخذ بحقّها أيّ إجراء لكي نفضح سياسة فيسبوك".


(فلسطين)

دلالات
المساهمون