شهدت السنوات القليلة الأخيرة انتشاراً للمدارس الأجنبية في الضفة الغربية المحتلة، والتي تعتمد في خطتها الدراسية على مناهج أجنبية، وأساليب دراسية مغايرة لما اعتاده المجتمع الفلسطيني في التعليم الحكومي التقليدي، أو حتى في المدارس الخاصة ذات الهوية العربية، وذلك بالاستعانة ببعض الكوادر الأجنبية، وتعزيز أكثر لمناهج اللغات الأخرى.
وعلى منوال المثل الشعبي القائل "كل جديد وله رقصة"، كان على هذه المدارس أن تواجه موجةً من الشائعات التي تنتشر في أوساط المجتمع المحافظ، الذي ينظر بخشية لتلك المدارس، وبعين الاتهام أحيانا، حتى تثبت جدارتها.
البيئة وانعكاسها
الشابة العشرينية هبه حسين، عملت ممرضة في إحدى المدارس الأجنبية في مدينة رام الله، تصف لـ"العربي الجديد" البيئة التي يعيشها الطلبة الملتحقون بهذه المدارس، وتقول: "على الرغم من أن الطلاب ينتمون إلى عائلات فلسطينية تتحدث اللغة العربية، إلا أن الحديث طوال اليوم الدراسي يكون باللغة الإنجليزية، وهو ما يجعل الطلبة يتحدثون هذه اللغة أو يدخلون العديد من مصطلحاتها على أحاديثهم البينية". وتشير إلى أن بعض الطلاب أصبح يتكلم الإنجليزية بصورة غير إرادية.
وتأكيداً على تأثير البيئة المدرسية على لغة الطلاب توضح الممرضة هبة، أن العديد من الطلاب حتى عند مغادرتهم المدرسة يتحدثون فيما بينهم بمصطلحات وكلمات إنجليزية، كنوع ربما من التأثر المباشر أو غير المباشر بالمنهاج الذي يدرسونه، حسب قولها.
هذه المخاوف تقلل من شأنها السيدة رقية عرار، مديرة "الأكاديمية الأميركية" في مدينة نابلس شمالي الضفة الغربية، التي تقول، إن منطلق هذه المخاوف نابع من إشاعات صاحبت تأسيس المدرسة قبل عامين، كونها تعتمد مناهج أمريكية، واعتمادها على اللغة الإنجليزية في التدريس، وهي ذات المرحلة التي تعيشها كل مدرسة جديدة تعتمد في تدريسها على النظام الغربي.
وأشارت إلى أنه وعلى الرغم من اعتماد اللغة الإنجليزية في التدريس، إلا أنه لا يوجد إغفال للغة العربية، بل إنهم يحاولون اعتماد الحديث باللغة الفصحى بين الطلبة وأساتذتهم خلال المواد التي تدرس باللغة العربية، بهدف تنمية اللغة الأم لديهم، حسب قولها.
إتقان مزدوج للغة
وفي حين يخشى البعض من خطر قد يمس اللغة العربية الأم لطلبة المدارس الأجنبية، أشار أستاذ الأدب الحديث والنقد في قسم اللغة العربية بجامعة النجاح الوطنية، عادل الأسطة، إلى أنه لا خطورة تشكلها المدارس الأجنبية على اللغة العربية للطلاب، بقدر تخوفه من الضرر الذي يلحق بها داخل الجامعات الفلسطينية، والتي تضم عشرات الآلاف من الطلاب، ويطلب منهم الحديث بالإنجليزية ولا سيما بالكليات العلمية، في حين أن المدارس الأجنبية لا تضم أعداداً كبيرة، إضافة لكونها تدرس اللغة العربية والمناهج الفلسطينية.
وأضاف الأسطة في حديثه مع "العربي الجديد": "عندما يكون هناك ازدواجية في تعليم اللغتين العربية والإنجليزية، في المدارس والجامعات يكون الأمر مقبولاً، لكن عندما يطلب من الطالب الحديث بالإنجليزية فقط، فهذا سيترك أثراً سلبيّاً على لغتهم الأم".
تدريس لغة العدو
وفي الوقت الذي تشهد المدارس الأجنبية انتشاراً ولو بشكل قليل بالضفة الغربية، سعت بعض المدارس الخاصة لإدخال اللغة العبرية ببرنامجها، منطلقين من ضرورة تعلم لغة العدو، حيث يضطر الفلسطينيون إلى الاحتكاك به بشكل يومي، خاصة على المعابر والحواجز والتعاملات التجارية وغيرها.
فراس جرار، أستاذ اللغة العبرية في عدد من المدارس الخاصة في مدينتي نابلس ورام الله، أشار إلى توجه عدد قليل من المدارس لتعليم العبرية في السنوات الأخيرة، وأوضح في حديث لـ"العربي الجديد" أن كل مدرسة درّست العبرية لأهداف معينة، مضيفاً: "إحداها كانت تؤمن أن هذا الأمر متطلب أساسي لنا كشعب يعيش تحت الاحتلال الإسرائيلي الذي يتحدث العبرية، وأننا يجب أن نتقن لغته، وهذه فلسفة ذات بعد وطني".
يتابع جرار: "مدرسة أخرى درّست العبرية، كان لها إضافة لهذه الفلسفة، منظور آخر، حيث اعتمدت برنامج السات الأميركي، وفيه يكون الطالب ملزماً بدراسة ثلاث لغات، واللغة العربية غير معتمدة في هذا النظام، على عكس العبرية، لذلك اعتقدوا أنها ستكون أسهل على الطالب من أي لغة أجنبية أخرى".
وأكد جرار على ضرورة تعليم اللغة العبرية في المدارس الفلسطينية، مشيراً إلى أن وزارة التربية والتعليم تتجه لهذا الأمر، إلا أن التكاليف المالية له عالية جداً، فهي بحاجة لكوادر مؤهلة لتعليم العبرية في كل مدرسة، حسب قوله.
ولخصوصية الحالة الفلسطينية، وحرص الفلسطينيين على تنمية الروح الوطنية والانتماء للقضية لدى أبنائهم، كان هاجس ضياع الهوية وانسلاخ الجيل عن قضيته محل ريبة لبعض المواطنين من تسجيل أبنائهم في المدارس التي تعتمد المناهج الغربية والأمريكية، والتي تستعين بكوادر أجنبية بالتدريس.
وفي حديثها حول ذلك، نفت المديرة رقية عرار بأن يكون سلخ الجيل عن هويته وانتمائه لقضيته أثراً للالتحاق بالمدارس الأجنبية، وقالت: "نحن نولي التربية الإسلامية والوطنية اهتماماً ملحوظاً، نحن مسؤوليتنا أن نعزز هويتنا وثقافتنا والقيم الإسلامية لدى الطلاب، ولو كان الأمر عكس ذلك، سوف أكون أول من يغادر المدرسة".
أما عن أسباب تأخر ظهور هذا النمط من التعليم والمدارس الأجنبية في فلسطين، تقول عرار: "أعتقد أن الاحتلال الإسرائيلي يعد العائق الأساسي أمام انتشار هذا النمط من المؤسسات التعليمية، واستقطاب الكفاءات الأجنبية للعمل فيها، فعلى سبيل المثال، هناك ثلاثة مدرسين أجانب من أميركا، كان من المفترض قدومهم إلى الأكاديمية للعمل ضمن الكادر التعليمي، لكن الحرب التي حصلت في قطاع غزة، العام الماضي، منعتهم من القدوم، بعد أن أصبح لديهم تخوف كبير من الأوضاع السياسية في بلادنا".
المنهج الفلسطيني
بدوره، رأى أستاذ علم الاجتماع في جامعة النجاح الوطنية في نابلس، ماهر أبو زنط، أن إقبال الأهالي على المدارس الأجنبية لدى ظهورها في الضفة الغربية، يأتي انطلاقا من منظورهم بأن التعليم الأجنبي يكون قوياً مقارنة مع التعليم الحكومي التقليدي، حسب قوله.
ويضيف أبو زنط: كثير من الأهالي يخططون لأبنائهم إكمال تعليمهم في الخارج، وبالتالي يسعون إلى تأهيلهم في المدارس الأجنبية وتأسيسهم بشكل قوي من حيث اللغة الإنجليزية".
واستبعد المحاضر الجامعي أن يكون وجود الاحتلال سبباً مباشراً لتأخر انتشار المدارس الأجنبية في فلسطين، وقال: "لا أعتقد أن للاحتلال دوراً في وجود هذه المدارس، فطالما اكتملت المعايير المطلوبة لافتتاح أي مدرسة فلا أعتقد أن الاحتلال يكون عائقاً أمام ذلك، ولم نسمع أن الاحتلال رفض أو ساعد على قيامها، أما عن الوضع الاقتصادي فمن الطبيعي أن هذه المدارس تضم أبناء الطبقة فوق الوسطى، نظراً لارتفاع تكاليفها".
كما استبعد أبو زنط انعكاس نمط التعليم في تلك المدارس على تربية الطفل من حيث مبادؤه وقيمه أو ارتباطه وانتماؤه إلى قضيته، مضيفاً: "هناك منهج فلسطيني في كل مدرسة، كالتربية الوطنية والإسلامية ولهذا أستبعد أن يكون، هناك أي تأثير على مسألة الانتماء والقيم والمبادئ".
وعلى منوال المثل الشعبي القائل "كل جديد وله رقصة"، كان على هذه المدارس أن تواجه موجةً من الشائعات التي تنتشر في أوساط المجتمع المحافظ، الذي ينظر بخشية لتلك المدارس، وبعين الاتهام أحيانا، حتى تثبت جدارتها.
البيئة وانعكاسها
الشابة العشرينية هبه حسين، عملت ممرضة في إحدى المدارس الأجنبية في مدينة رام الله، تصف لـ"العربي الجديد" البيئة التي يعيشها الطلبة الملتحقون بهذه المدارس، وتقول: "على الرغم من أن الطلاب ينتمون إلى عائلات فلسطينية تتحدث اللغة العربية، إلا أن الحديث طوال اليوم الدراسي يكون باللغة الإنجليزية، وهو ما يجعل الطلبة يتحدثون هذه اللغة أو يدخلون العديد من مصطلحاتها على أحاديثهم البينية". وتشير إلى أن بعض الطلاب أصبح يتكلم الإنجليزية بصورة غير إرادية.
وتأكيداً على تأثير البيئة المدرسية على لغة الطلاب توضح الممرضة هبة، أن العديد من الطلاب حتى عند مغادرتهم المدرسة يتحدثون فيما بينهم بمصطلحات وكلمات إنجليزية، كنوع ربما من التأثر المباشر أو غير المباشر بالمنهاج الذي يدرسونه، حسب قولها.
هذه المخاوف تقلل من شأنها السيدة رقية عرار، مديرة "الأكاديمية الأميركية" في مدينة نابلس شمالي الضفة الغربية، التي تقول، إن منطلق هذه المخاوف نابع من إشاعات صاحبت تأسيس المدرسة قبل عامين، كونها تعتمد مناهج أمريكية، واعتمادها على اللغة الإنجليزية في التدريس، وهي ذات المرحلة التي تعيشها كل مدرسة جديدة تعتمد في تدريسها على النظام الغربي.
وأشارت إلى أنه وعلى الرغم من اعتماد اللغة الإنجليزية في التدريس، إلا أنه لا يوجد إغفال للغة العربية، بل إنهم يحاولون اعتماد الحديث باللغة الفصحى بين الطلبة وأساتذتهم خلال المواد التي تدرس باللغة العربية، بهدف تنمية اللغة الأم لديهم، حسب قولها.
إتقان مزدوج للغة
وفي حين يخشى البعض من خطر قد يمس اللغة العربية الأم لطلبة المدارس الأجنبية، أشار أستاذ الأدب الحديث والنقد في قسم اللغة العربية بجامعة النجاح الوطنية، عادل الأسطة، إلى أنه لا خطورة تشكلها المدارس الأجنبية على اللغة العربية للطلاب، بقدر تخوفه من الضرر الذي يلحق بها داخل الجامعات الفلسطينية، والتي تضم عشرات الآلاف من الطلاب، ويطلب منهم الحديث بالإنجليزية ولا سيما بالكليات العلمية، في حين أن المدارس الأجنبية لا تضم أعداداً كبيرة، إضافة لكونها تدرس اللغة العربية والمناهج الفلسطينية.
وأضاف الأسطة في حديثه مع "العربي الجديد": "عندما يكون هناك ازدواجية في تعليم اللغتين العربية والإنجليزية، في المدارس والجامعات يكون الأمر مقبولاً، لكن عندما يطلب من الطالب الحديث بالإنجليزية فقط، فهذا سيترك أثراً سلبيّاً على لغتهم الأم".
تدريس لغة العدو
وفي الوقت الذي تشهد المدارس الأجنبية انتشاراً ولو بشكل قليل بالضفة الغربية، سعت بعض المدارس الخاصة لإدخال اللغة العبرية ببرنامجها، منطلقين من ضرورة تعلم لغة العدو، حيث يضطر الفلسطينيون إلى الاحتكاك به بشكل يومي، خاصة على المعابر والحواجز والتعاملات التجارية وغيرها.
فراس جرار، أستاذ اللغة العبرية في عدد من المدارس الخاصة في مدينتي نابلس ورام الله، أشار إلى توجه عدد قليل من المدارس لتعليم العبرية في السنوات الأخيرة، وأوضح في حديث لـ"العربي الجديد" أن كل مدرسة درّست العبرية لأهداف معينة، مضيفاً: "إحداها كانت تؤمن أن هذا الأمر متطلب أساسي لنا كشعب يعيش تحت الاحتلال الإسرائيلي الذي يتحدث العبرية، وأننا يجب أن نتقن لغته، وهذه فلسفة ذات بعد وطني".
يتابع جرار: "مدرسة أخرى درّست العبرية، كان لها إضافة لهذه الفلسفة، منظور آخر، حيث اعتمدت برنامج السات الأميركي، وفيه يكون الطالب ملزماً بدراسة ثلاث لغات، واللغة العربية غير معتمدة في هذا النظام، على عكس العبرية، لذلك اعتقدوا أنها ستكون أسهل على الطالب من أي لغة أجنبية أخرى".
وأكد جرار على ضرورة تعليم اللغة العبرية في المدارس الفلسطينية، مشيراً إلى أن وزارة التربية والتعليم تتجه لهذا الأمر، إلا أن التكاليف المالية له عالية جداً، فهي بحاجة لكوادر مؤهلة لتعليم العبرية في كل مدرسة، حسب قوله.
ولخصوصية الحالة الفلسطينية، وحرص الفلسطينيين على تنمية الروح الوطنية والانتماء للقضية لدى أبنائهم، كان هاجس ضياع الهوية وانسلاخ الجيل عن قضيته محل ريبة لبعض المواطنين من تسجيل أبنائهم في المدارس التي تعتمد المناهج الغربية والأمريكية، والتي تستعين بكوادر أجنبية بالتدريس.
وفي حديثها حول ذلك، نفت المديرة رقية عرار بأن يكون سلخ الجيل عن هويته وانتمائه لقضيته أثراً للالتحاق بالمدارس الأجنبية، وقالت: "نحن نولي التربية الإسلامية والوطنية اهتماماً ملحوظاً، نحن مسؤوليتنا أن نعزز هويتنا وثقافتنا والقيم الإسلامية لدى الطلاب، ولو كان الأمر عكس ذلك، سوف أكون أول من يغادر المدرسة".
أما عن أسباب تأخر ظهور هذا النمط من التعليم والمدارس الأجنبية في فلسطين، تقول عرار: "أعتقد أن الاحتلال الإسرائيلي يعد العائق الأساسي أمام انتشار هذا النمط من المؤسسات التعليمية، واستقطاب الكفاءات الأجنبية للعمل فيها، فعلى سبيل المثال، هناك ثلاثة مدرسين أجانب من أميركا، كان من المفترض قدومهم إلى الأكاديمية للعمل ضمن الكادر التعليمي، لكن الحرب التي حصلت في قطاع غزة، العام الماضي، منعتهم من القدوم، بعد أن أصبح لديهم تخوف كبير من الأوضاع السياسية في بلادنا".
المنهج الفلسطيني
بدوره، رأى أستاذ علم الاجتماع في جامعة النجاح الوطنية في نابلس، ماهر أبو زنط، أن إقبال الأهالي على المدارس الأجنبية لدى ظهورها في الضفة الغربية، يأتي انطلاقا من منظورهم بأن التعليم الأجنبي يكون قوياً مقارنة مع التعليم الحكومي التقليدي، حسب قوله.
ويضيف أبو زنط: كثير من الأهالي يخططون لأبنائهم إكمال تعليمهم في الخارج، وبالتالي يسعون إلى تأهيلهم في المدارس الأجنبية وتأسيسهم بشكل قوي من حيث اللغة الإنجليزية".
واستبعد المحاضر الجامعي أن يكون وجود الاحتلال سبباً مباشراً لتأخر انتشار المدارس الأجنبية في فلسطين، وقال: "لا أعتقد أن للاحتلال دوراً في وجود هذه المدارس، فطالما اكتملت المعايير المطلوبة لافتتاح أي مدرسة فلا أعتقد أن الاحتلال يكون عائقاً أمام ذلك، ولم نسمع أن الاحتلال رفض أو ساعد على قيامها، أما عن الوضع الاقتصادي فمن الطبيعي أن هذه المدارس تضم أبناء الطبقة فوق الوسطى، نظراً لارتفاع تكاليفها".
كما استبعد أبو زنط انعكاس نمط التعليم في تلك المدارس على تربية الطفل من حيث مبادؤه وقيمه أو ارتباطه وانتماؤه إلى قضيته، مضيفاً: "هناك منهج فلسطيني في كل مدرسة، كالتربية الوطنية والإسلامية ولهذا أستبعد أن يكون، هناك أي تأثير على مسألة الانتماء والقيم والمبادئ".