تظاهر، أمس الاثنين، المئات من طلبة المدارس في تجمعات قروية تقع بين محافظتي نابلس وطولكرم شمالي الضفة الغربية، احتجاجاً على نية "شركة سند الشمال لصناعة الإسمنت" إقامة مصنع للإسمنت يمتد على مساحة 2000 دونم في المنطقة.
وتستورد الأراضي الفلسطينية كامل احتياجاتها من الإسمنت من مصنع "نيشر" الإسرائيلي، الذي يحتكر أكثر من 80% من السوق في الضفة الغربية وقطاع غزة، في حين يجري استيراد كميات محدودة أخرى من الأردن ومصر وتركيا.
وتعتبر هذه المرة الثانية من نوعها التي ينظم فيها الأهالي احتجاجات شعبية على توجه الشركة التابعة لصندوق الاستثمار الفلسطيني (شبه رسمي) استملاك أراضيهم مقابل تعويض أصحابها مالياً، بموجب "قانون الاستملاك"، الذي صدر إبان الحكم الأردني للضفة الغربية في عام 1953 وما زال سارياً حتى اليوم.
ويرفض أصحاب الأراضي بيع أراضيهم من حيث المبدأ، فضلاً عن تخوفهم من الأضرار الصحية والبيئية في قراهم.
إعلان في الصحف
وكانت "شركة سند الشمال لصناعة الإسمنت" نشرت في الصحف اليومية الفلسطينية إعلاناً أفادت فيه أنها "تنوي التقدم لمجلس الوزراء الفلسطيني بطلب لاستصدار قرار من أجل استملاك قطع الأراضي استملاكاً مطلقاً مع الحيازة الفورية، لغايات المنفعة العامة، لإنشاء مصنع صناعة الإسمنت والمواد الإنشائية كافة، ومحاجر ومقالع استخراج الحجر الجيري والحصى والحصاء المجروشة، والمكسرة للخرسانة، ورصف الطرق، وأحجار ومواد كلسية تدخل في صناعة الكلس، والمواد الداخلة في الصناعات الإنشائية كافة".
وجاء في قانون الاستملاك: "على المنشئ أن ينشر إعلاناً في صحيفتين يوميتين على الأقل، يعلن فيه عزمه على التقدم إلى مجلس الوزراء بعد مرور خمسة عشر يوماً من تاريخ نشر الإعلان بطلب إصدار قرار باستملاك العقار الموصوف في الإعلان، وأن المشروع الذي سيجري الاستملاك من أجله هو للمنفعة العامة".
وفي تفسيره لكلمة (المنشئ) جاء في القانون، إنه الحكومة أو أي مجلس بلدي أو محلي أو سلطة أخرى محلية، وأيّ شركة أو جمعية، أو هيئة أو شخص يقوم بمشروع أو على وشك القيام به.
ومنذ نشر الإعلان تكتفي "شركة سند" بما ورد في الإعلان الصادر عنها، ولم يصدر أي تعليق رسمي عنها على احتجاجات الأهالي.
لكن الإعلان أثار غضب أهالي عنبتا وكفر رمان وبزاريا ورامين وبرقة وعدد من التجمعات المجاورة التي يصل عدد سكانها إلى 40 ألف نسمة، ويرفض هؤلاء بيع أراضيهم، كما أنهم يعارضون على وجه الخصوص إقامة مصنع للإسمنت، نظراً لتأثيراته الصحية والبيئية.
"خياراتنا كثيرة"
واعتبر الناشط في الحملة الشعبية الرافضة لإقامة مصنع الإسمنت، هشام العورتاني، سلوك الشركة "بمثابة إهانة لأهالي المنطقة وأصحاب الأراضي"، وقال: "أنا مذهول من هذه الطريقة، هم أخبرونا من خلال الصحف بنيتهم استملاك أراضينا دون أي علم مسبق لدينا".
ولفت خلال حديثه مع "العربي الجديد" إلى وجود الكثير من الخيارات التي يمكن اللجوء إليها لمنع إقامة المشروع وعلى رأسها القانون، حيث إن الخيارات من شأنها في حال الاضطرار للجوء إليها أن تضع صندوق الاستثمار المالك لشركة سند في وضع صعب للغاية.
وينص قانون البيئة الفلسطيني الصادر عام 1999 على: "حق كل إنسان بالعيش في بيئة سليمة ونظيفة والتمتع بأكبر قدر ممكن من الصحة العامة والرفاه".
ورأى عورتاني، وهو أستاذ الاقتصاد في جامعة النجاح الوطنية أن دراسات شركة سند الشمال توصلت إلى أن الصخور في الأراضي المنوي استملاكها مناسبة لصناعة الإسمنت.
كما يرى عورتاني أن طحن الصخور الكلسية والجيرية "وهي العملية الأساسية في صناعة الإسمنت"، يشكل الغبار الناتج عنها خطراً حقيقياً على صحة الإنسان والزراعة والبيئة في تلك المنطقة".
وتقول الشركة في المقابل، إن "التكنولوجيا الحديثة المستخدمة في صناعة الإسمنت تحول دون إحداث أي تلوث"، بينما يرد عورتاني، إن "هناك فرقاً بين الدراسات النظرية والواقع، وإذا نجحت التكنولوجيا بالحد من التلوث الناتج عن طحن الصخور، إلا أنها لن تمنعه بالمطلق ولذلك نحن قلقون للغاية من هذا المشروع".
مناطق "ج"
لماذا لا يذهبون إلى أراض مصنفة ضمن اتفاقية أوسلو "ج" ليستثمروا فيها، ويحموها من أطماع المستوطنين"؟، تساءل خليل الحاج علي أحد أصحاب الأراضي، حيث يرفض وصف ما تخطط له شركة "سند" بعملية استملاك ويصرّ على تسميتها بـ "مصادرة".
وبموجب اتفاقيات سياسية مرحلية بين منظمة التحرير وإسرائيل، جرى تقسيم أراضي الضفة الغربية إلى (أ، ب، ج) وتشكل مناطق "ج" 62% من مساحة الضفة وتحظر سلطات الاحتلال على الفلسطينيين البناء فيها أو استثمارها إلا بترخيص مسبق من "الإدارة المدنية الإسرائيلية"، التي هي بمثابة حكم عسكري إسرائيلي.
ويقول الحاج علي إن "إنتاج 40 دونماً مزروعة بالزيتون يملكها في المنطقة، كانت تعيل أسرته الممتدة على مدى عشرات السنوات، وما زلت أمتلك سندات الضريبة التي كان والدي يدفعها للدولة العثمانية في آخر عهدها".
و"كان وقع خبر نية الشركة استملاك الأراضي التي أملكها كالصاعقة، ولم يكن لدي أي علم مسبق بذلك"، يضيف الحاج علي في حديثه مع "العربي الجديد".
ويرفض الحاج علي بيع الأرض من حيث المبدأ، ولكن حتى لو أجبر على ذلك وتلقى تعويضات عن ذلك، فإنه يتساءل عمن سيعوضه عن صحته وعن البيئة والتلوث الذي سيحدثه مصنع الإسمنت.
كما يتساءل الحاج علي عما سيجري بعد تحويل مخزون الأراضي الواقعة في ريف فلسطيني، القريب إلى المتنزهات المفتوحة إلى مشاريع استثمارية.
وتعد "شركة سند الشمال لصناعة الإسمنت"، أحد استثمارات صندوق الاستثمار الفلسطيني بحجم استثمار أولي قيمته 310 ملايين دولار، وتهدف إلى تنفيذ الخطوة العملية الأولى باتجاه إنشاء المصنع الفلسطيني الأول لإنتاج الإسمنت.
وتنوي الشركة استملاك 2000 دونم لتخصيص 1300 دونم منها للمحجر، و700 دونم أخرى لإقامة مصنع الإسمنت.
وقالت سند في تصريح صحافي سابق، إن "المكان الوحيد الملائم لإنشاء المصنع هو المنطقة الواقعة بين نابلس وطولكرم (القرى المشار إليها أعلاه) كونه يحتوي على كميات ومخزون استراتيجي من الحجر الجيري الملائم لصناعة الإسمنت الذي يقدر بـ 120 مليون طن، وبما يكفي لأغراض إنتاج الإسمنت لأكثر من 80 عاماً".
ولم يصدر، حتى الساعة، أي موقف عن الحكومة الفلسطينية عن قرارها الموافقة أو الرفض لطلب شركة سند استملاك الأراضي.
اقرأ أيضاً: نقص الوقود يهدد بإغلاق مستشفيات غزة