من دون سابق إنذار، وجد اللاجئ الفلسطيني، فراس، نفسه بلا عمل، بعدما صرفته إحدى منظمات الإغاثة الدولية العاملة في العاصمة اللبنانية بيروت. وحالة فراس ليست معزولة، فقد علم الشاب الحائز على شهادة جامعية في مجال المعلوماتية أن منظمات عدة صرفت عشرات العاملين الفلسطينيين لديها بعد رفض وزارة العمل اللبنانية منحهم إجازات عمل "من دون الكشف عن الأسباب".
لا قرار رسمي في لبنان بصرف الفلسطينيين العاملين في المؤسسات الدولية، لكن قانون العمل اللبناني يمنع اللاجئين من مزاولة عشرات المهن الحرة. وهو لم يمنحهم حق العمل في عدد قليل منها، وكذلك حق الاستفادة من بدلات المرض والأمومة في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، إلا في عام 2010 بعدما صوّت مجلس النواب لصالح هذَين القرارَين. ويشير وزير العمل السابق، شربل نحاس، لـ "العربي الجديد"، إلى أن هذه القرارات شجّعت العمال الفلسطينيين اللاجئين في لبنان على تسجيل أنفسهم في صندوق الضمان "بعدما كانوا يدفعون الاشتراكات السنوية التي تتوجب على العمال من دون الاستفادة من تقديماته، بالإضافة إلى استكمال أوراقهم وتقديمها إلى وزارة العمل للحصول على إجازة عمل رسمية". ويؤكد نحاس، أن قرارات البرلمان "أنهت عقوداً طويلة من سياسة التطنيش المتبادل ما بين الحكومة والعمال الفلسطينيين والسوريين المقيمين في لبنان بشكل دائم، والذين عملوا في السوق في ظل تغاضٍ رسمي عن وجودهم".
وكان نحاس قد منح عشرات إجازات العمل للاجئين الفلسطينيين، تنفيذاً لقرارات مجلس النواب وتشجيعاً لقوننة عمل اللاجئ الفلسطيني، إلى أن أدت الخلافات السياسية حول سلسلة الرتب والرواتب إلى استقالة الوزير اليساري، وانتقال المنصب إلى الوزير السابق، سليم جريصاتي، ومن ثم الحالي سجعان قزي. وتوضح هنا مديرة صندوق الطالب الفلسطيني والناشطة في مجال حقوق العمل للفلسطينيين، وفاء اليسير، أن تغيير الوزراء "انعكس على ملفات الفلسطينيين المقدّمة إلى وزارة العمل. وأصبحت إجازات العمل مرتبطة بتوجهاتهم السياسية وحساباتهم الطائفية والديموغرافية كما يقولون".
اقرأ أيضاً: فلسطينيّو لبنان يريدون العمل.. فقط
وبحسب ما يشير كل من اليسير وفراس، فقد سجلت أربع من أكبر منظمات الإغاثة عشرات الموظفين الفلسطينيين العاملين لديها في الضمان الاجتماعي، ودفعت المستحقات المتأخرة كافة بموجب مفعول رجعي لصندوق الضمان، بلغت آلاف الدولارات الأميركية. ومن ثم تقدّم اللاجئون الحائزون على الأوراق القانونية بطلبات للحصول على إجازات العمل إلى الوزارة في فبراير/شباط الماضي. لكن الطلبات رفضت جميعها بعد تسعة أيام من تقديمها "من دون الكشف عن الأسباب".
واليوم تخشى اليسير من "انعكاس سياسة الوزير سلباً على تعيين الفلسطينيين في مؤسسات الإغاثة الدولية، التي باتت تراجع سياساتها بشأن الفلسطينيين خوفاً من الملاحقة القانونية". وتحذّر اليسير من "الآثار السلبية لرفض إجازات العمل على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي في حياة الشباب اللاجئين، الذين ينتهون عاطلين من العمل في المخيمات ومعرضين لجميع أشكال التطرف والجريمة على الرغم من تميزهم الأكاديمي والمهني".
في المقابل تشير مصادر في وزارة العمل اللبنانية إلى أن "قرارات رفض إجازات العمل أتت
بعد دراسة ملفات الجمعيات التي تمنح رواتب عالية للموظفين الأجانب (من ضمنهم الفلسطينيون) تفوق الحد الأدنى للأجور بثلاثة وأربعة أضعاف من دون تقديم إحصاءات أو وثائق تثبت الخدمات التي تقدمها في لبنان أو عدد المستفيدين منها".
وفي حديث إلى "العربي الجديد"، يوضح وزير العمل، سجعان قزي، أن الوزارة تعتمد قانون العمل اللبناني "الحديث والمتطور في إعطاء إجازات العمل، مع مراعاة رفع الاستثناء عن السوريين واللاجئين الفلسطينيين على عدد من المهن المحصورة باللبنانيين في لوائح الوزارة".
ويؤكد قزي "إعطاء الأولوية المطلقة للعامل اللبناني على العامل الأجنبي، بصرف النظر عن جنسيته سواء أكان فلسطينياً أو سورياً أو أوروبياً. ومنح الإجازات لا يأتي بحسب الطلبات، بل بحسب حاجة السوق اللبنانية، وبعد مراعاة الظروف المحلية الخاصة، الأمنية منها والديموغرافية". ويطرح الوزير الذي يمثّل حزب "الكتائب اللبنانية" في الحكومة، مشكلة البطالة التي تتجاوز نسبتها 36 في المائة بين الشباب اللبناني، ليشرح هدف "التروّي في منح إجازات عمل للأجانب". ويشير إلى الاتفاق مع المؤسسات غير الحكومية الأجنبية في لبنان على تخصيص كوتا توظيف للأجانب تبلغ 10 في المائة من إجمالي الموظفين "وتشمل هذه الكوتا السوريين والفلسطينيين ضمناً". كذلك يؤكد قزي "ترحيب الحكومة الفلسطينية واتحاد العمال والشغل الفلسطيني بعملنا في ملف عمل اللاجئين في لبنان، وهو ما ترجمته حكومة الرئيس، محمود عباس، في أحد بياناتها التي تضمنت شكراً لوزارة العمل اللبنانية على أدائها".
في مقابل الإشادة الرسمية الفلسطينية، تشير روان كيالي، من "لجنة عمل اللاجئين الفلسطينيين في لبنان" إلى أن مشكلة توظيف الفلسطينيين في لبنان "قديمة وليست مستجدة". ومن أبرز المشكلات التي يواجهها اللاجئون الفلسطينيون وترصدها اللجنة في تقاريرها: عدم منح إجازات العمل، ومنع العمل النقابي، وعدم منح مساعدات مدرسية، وعدم حصول العامل على نسخة عن عقد العمل، وعدم دفع بدل لساعات العمل الإضافي، وعدم دفع آخر راتب في حال الاستقالة.
وهذا ما يدفع بمئات اللاجئين من حملة الإجازات الجامعية إلى العمل في مهن لا تلبي طموحاتهم المهنية والأكاديمية أو إلى الهجرة غير الشرعية عبر البحر الأبيض المتوسط. هؤلاء يرون فيها خياراً يحفظ الكرامة بالرغم من خطر الموت، إذ إن فرص التوظيف تضيق على اللاجئ الفلسطيني مع رفع وزارة العمل شعار "اليد العاملة اللبنانية"، ومع مزاحمة عشرات الجنسيات الأخرى على كوتا التوظيف في مؤسسات الإغاثة الدولية.
اقرأ أيضاً: الخطّة جاهزة لتحرير بلادنا