وأثارت عملية الهدم حالة غضب فلسطينية، تنذر بالتوسع والتفاقم، إذ أعلنت لجنة المتابعة العليا لشؤون الفلسطينيين في الداخل عن إضراب عام وشامل، في ختام الاجتماع الذي عقدته في مقر بلدية مدينة قلنسوة غربي مدينة طولكرم. وأعلن رئيس البلدية، عبد الباسط سلامة، استقالته من منصبه وتسليم مفاتيح البلدة إلى وزارة الداخلية، وذلك إثر فشله في منع عمليات الهدم. ويشكل الإضراب الذي أعلنت عنه اللجنة امتحاناً للقيادات الفلسطينية في الداخل، لجهة قدرتها على إدارة الأزمة، وعدم الاكتفاء بإعلان إضراب ليوم واحد. وفي هذا السياق، برز تصريح للنائبة في الكنيست عن التجمع الوطني الديمقراطي، حنين زعبي، خلال مداولات اللجنة قبل اعتماد القرار. وقالت إن "الغضب هنا نتبناه، وكذلك إغلاق الشوارع"، داعية إلى عدم العودة إلى الحياة الطبيعية بعد يوم من الإضراب، بل يجب تعليق عمل كل السلطات المحلية العربية، مشددة على أنه "لا عودة للحياة الطبيعية من دون إغلاق هذا الملف".
من جهته، دعا رئيس لجنة المتابعة العليا، محمد بركة، رئيس بلدية قلنسوة إلى تعليق قرار الاستقالة ريثما يتم عقد جلسة للجنة القُطرية لرؤساء السلطات المحلية العربية، ودراسة الخطوات المقبلة. واعتبر أن "الهجوم على قلنسوة، بموازاة استمرار الهجوم والتدمير في بلدات النقب، تنفيذ لأوامر نتنياهو التي أطلقها علناً الشهر الماضي، لتكثيف تدمير البيوت العربية، بحجة البناء غير المرخص، بزعم أن هذا سيكون بموازاة إخلاء عصابة استيطانية استولت على أراض فلسطينية بملكية خاصة". وأضاف: "ربما استخدم نتنياهو ذريعة إخلاء تلك العصابة، إلا أنه في حقيقة الأمر، فإن هذه الأوامر تعبّر أولاً وقبل كل شيء عن عقليته العدوانية العنصرية، وتالياً، فإنه طلب الاستعجال في تنفيذ أوامره، في هذه الأيام بالذات، التي تتكشف فيها فضائح الفساد التي يتورط بها. إن نتنياهو ليس خارجاً عن المألوف في السياسة الإسرائيلية، وهذا يستوجب منا، حالياً وأكثر من أي وقت مضى، استيعاب الأخطار الداهمة من هذه الحكومة، التي لا تتوقف سياستها عند تدمير البيوت، بل كافة نواحي الحياة".
وتأتي هذه التطورات بعد نحو عام من التهديدات التي لوحت بها حكومة نتنياهو للانتقال إلى هدم البيوت والمنازل العربية بحجة فرض قانون واحد، من دون أي تطرق لحقيقة منع حكومات إسرائيل المتعاقبة المصادقة على مخططات هيكلية للبلدات العربية، وعدم إصدار رخص للبناء في الداخل الفلسطيني، بحجة عدم وجود خرائط هيكلية للقرى العربية. وتشكل قضية البناء "غير المرخص" بحسب التوصيف الإسرائيلي الرسمي، للتغطية على سياسة التضييق ومنع توسع البلدات العربية وحرمانها من البناء، قضية حارقة في المجتمع الفلسطيني في الداخل، ولا سيما أن هذا التوصيف يطاول ما لا يقل عن 60 ألف بيت تم تشييدها في قرى وبلدات الداخل الفلسطيني من دون رخص بناء، وبالتالي فإنها مهددة بالإزالة في حال مضت حكومة إسرائيل بسياسة الهدم، التي تسارعت في الشهرين الماضيين، وسط أزمة بين حكومة نتنياهو والمستوطنين بعد قرار محكمة إسرائيلية بهدم بيوت مستوطنة عامونا المقامة على أراض فلسطينية في الضفة الغربية.
ويدخل فلسطينيو الداخل، مع إعلان الإضراب الشامل، والدعوات المختلفة للتصعيد وعدم الاكتفاء بإضراب ليوم واحد، في مزيد من التعقيدات، في وقت لا يبدو فيه أن القائمة المشتركة للأحزاب العربية في الكنيست، قادرة، خلافاً للتوقعات التي كان وضعها بعض أقطابها، على تحقيق تغيير في واقع فلسطينيي 48، وذلك بسبب تفشي أجواء العنصرية والفاشية في إسرائيل لحد نزع الشرعية عن النشاط السياسي في الداخل الفلسطيني وحتى وفق اللعبة البرلمانية في إسرائيل. ولعله من المفيد الإشارة إلى أن قادة الأحزاب البرلمانية، وتلك الناشطة في المجتمع الفلسطيني خارج الكنيست، تدرك، تعقيدات هذا الوضع، وأن فرص التأثير والتغيير بالأدوات البرلمانية وحدها غير كافية، وأن هناك حاجة لضغط جماهيري ومشاركة شعبية واسعة في النشاطات الاحتجاجية، ليس فقط عبر الالتزام بالإضراب المعلن اليوم، وإنما المشاركة الواسعة في التظاهرة التي دعت إليها اللجنة، خصوصاً أن موضوع هدم المنازل يهدد عشرات آلاف الفلسطينيين في الداخل، في حال مرت عملية الهدم في قلنسوة من دون رد فعل غاضب. لكن، في الوقت ذاته، لا يبدو أن اللجنة العليا وقادة الأحزاب، يملكون حالياً خطة عمل واضحة ومبلورة لمواجهة عمليات الهدم التي تمت، وتلك التي يمكن أن تتم في المستقبل القريب. ويرى البعض أن من شأن أزمة نتنياهو الحالية، سواء مع المستوطنين، أو في ظل تحقيقات الشرطة معه بشبهة ارتكابه جرائم فساد وتلقي رشاوى، أن تعزز عنده الميل لتوجيه ضربة مؤلمة للفلسطينيين في الداخل، ولو تخللها استخدام العنف في قمع تظاهراتهم، لإنقاذ مستقبله السياسي والبقاء في الحكم.