فلسطينيو الداخل في مرمى الرصاص

10 نوفمبر 2014
نتنياهو: لا نريد أعلاماً لـ"داعش" و"حماس" (معمّر عوض/الأناضول)
+ الخط -

تُشكّل عملية إطلاق الرصاص على الشهيد خير حمدان، وما تبعها، وفق ما كشفه شريط الفيديو، عبر جرّ الشهيد على الأرض وهو على قيد الحياة، ورميه في آلية الشرطة، بدلاً من استدعاء سيارة إسعاف لمعالجته، وما تلاه من محاولات للشرطة للتستّر على الجريمة، والقول إن "المغدور هاجم أفراد الشرطة وشكّل خطراً على حياتهم"، تصعيداً خطيراً ومتواصلاً في تعامل السلطة الإسرائيلية مع الفلسطينيين في الداخل الفلسطيني.

وما زاد من فداحة الجريمة أن عملية القتل حظيت بمصادقة وموافقة من قبل كل من وزير الأمن الداخلي، يتسحاق أهرونوفيتش، ومن المفتش العام للشرطة يوحنان دانينو، ومن رئيس الحكومة الإسرائيلية نفسه، بنيامين نتنياهو.

والواقع أن تهديدات نتنياهو للفلسطينيين في الداخل، بأن حكومته لن تقبل ولن تتسامح مع تظاهرات داخل "مدننا" حسب تعبيره، ترفع فيها أعلام لتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) وحركة "حماس"، هي اتهامات باطلة، تعكس حقيقة الموقف الفعلي لحكومة إسرائيل ونظرتها للفلسطينيين في الداخل، باعتبارهم جسماً مرفوضاً وعدواً لا يجوز التهاون معه بأي حال من الأحوال.

وفي السياق، وصف رئيس كتلة "التجمّع الوطني الديمقراطي"، النائب جمال زحالقة، في حديث لـ"العربي الجديد"، تصريحات نتنياهو بأنها "خطيرة للغاية؛ لأنها تأتي من رئيس حكومة، وتمسّ أحد أهم المحرمات في القانون الدولي والمواثيق الدولية، من حيث تهديده بنزع المواطنة عن كل من يعارض ولا يعترف بيهودية دولة إسرائيل".

وكشف زحالقة أنه "حتى إصدار حكم بالإعدام، هو أصعب قانونياً من التهديد بنزع الجنسية وترك إنسان من دون جنسية، وبالتالي فإن تهديدات نتنياهو تهدف وتؤدي إلى خنق حرية التعبير كلياً، وتبشّر بعقوبات على مواقف سياسية، خصوصاً أن هناك من يؤمن بدولة ثنائية القومية وآخرين يدعون إلى الدولة الواحدة".

وأضاف زحالقة "نحن نأخذ تهديدات نتنياهو في الحسبان، ونؤكد أن فلسطينيي الداخل لن يتراجعوا عن مواقفهم، ورفضهم للاحتلال ولسياسات القمع واستباحة دمائنا، وأن تهديدات نتنياهو هي عملياً تهديدٌ لوجودنا وبقائنا في الوطن وتهديد باستباحة دمائنا".

ويُمكن القول إن تصريحات زحالقة توضح حجم الفاشية في إسرائيل، واستمرار سياسة التحريض الرسمية والجماعية ضد الفلسطينيين في الداخل، تحديداً ضد التيارين "القومي" (الذي يمثله حزب التجمع الوطني) و"الإسلامي للحركة الشمالية"، بزعامة الشيخ رائد صلاح.

وفي السياق، كان نتنياهو قد كرّر، أمس الأحد، في جلسة الحكومة، تهديداته العامة للفلسطينيين في الداخل، متهماً "الحركة الإسلامية الشمالية" بـ"التحريض ضد إسرائيل"، في الوقت الذي قدم فيه حزب "إسرائيل بيتنا" برئاسة وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان، أمس، للجنة التشريع الوزارية اقتراح قانون يهدف إلى إبعاد النائبة حنين زعبي من الكنيست، وسحب الجنسية عنها بتهمة "التماثل مع منظمات إرهابية".

في المقابل، فإن الغضب الفلسطيني الذي تفجّر في الجيل والمثلث والنقب، يعكس بدوره انعدام الثقة المطلقة من قبل الفلسطينيين في الداخل بالسلطة الإسرائيلية وبأجهزتها القضائية والقانونية، مع الإصرار في الوقت ذاته على عدم التراجع عن الحقّ في التظاهر ضد الاحتلال، وضد المخططات الرسمية العنصرية، ورفض محاولات الأسرلة المتكررة وجرائم القتل بحق الشبان العرب، وسهولة إقدام الشرطة على الضغط على الزناد كلما كان من يقف قبالتها عربياً.

وفي السياق تبيّن المعطيات في الداخل الفلسطيني، أن "الشهيد خير حمدان هو الضحية الـ49 من فلسطينيي الداخل الذين قُتلوا برصاص الشرطة الإسرائيلية، من دون أن تتم معاقبة الفاعلين". واعتبر القاضي المتقاعد في المحكمة اللوائية، هاشم خطيب، الذي كان عضواً في لجنة "أور" الرسمية، التي حققّت في سقوط 13 شهيداً في هبّة القدس والأقصى برصاص الشرطة الإسرائيلية عام 2000، أنه على الرغم من أن لجنة التحقيق كشفت أن 12 حادثة إطلاق نار قد تمّت من دون وجه حق، فإن قسم التحقيق مع أفراد الشرطة، قرّر مع ذلك تبرئة ساحة أفراد الشرطة، وأنه وفقاً للصور الأولية التي أظهرها شريط الفيديو لحادثة قتل حمدان، فمن الواضح أن ما تم هو جريمة قتل".

ومع اندلاع التظاهرات، يوم السبت، وإعلان الإضراب العام، وسط رفع الشرطة الإسرائيلية لحالة التأهب للدرجة "ج"، وهي الدرجة الأخيرة قبل القصوى، واستكمال التظاهرات، أمس الأحد، في مختلف أراضي فلسطين 1948، وفي مختلف الجامعات، لا يزال من المبكر التكهّن بما ستُظهره الأيام، وما إذا كان سيتمّ فعلاً التحقيق في جريمة القتل، مع أن كافة الدلائل تشير إلى سعي الشرطة والمؤسسة الإسرائيلية، حتى بعد افتضاح عملية الإعدام عبر شريط الفيديو، إلى تبرئة ساحة المجرمين.

وقد استبق نتنياهو كل ذلك بالتحريض ضد "الحركة الإسلامية الشمالية"، والإيعاز بإخراج مجموعات المرابطين في الأقصى من النساء والذكور عن القانون من جهة، والتلويح بسحب الجنسية عمن يتظاهرون ضد دولة إسرائيل من جهة أخرى.

ويبدو أنه إلى جانب توظيف الاقتحامات المتكررة للأقصى في السجال الداخلي لليمين الصهيوني وللمعركة الانتخابية، فإن نتنياهو يسعى أيضاً، ومعه أحزاب اليمين المنافسة له، وعلى رأسها حزب ليبرمان، الذي لا يخفي طروحاته بالترحيل والترانسفير، وحزب "البيت اليهودي" بزعامة المتطرف نفتالي بينيت، إلى الزجّ بجريمة قتل حمدان، واتباع سياسة قبضة حديدية ضد الفلسطينيين في الداخل، في المعركة الانتخابية المقبلة، خصوصاً أن استقالة وزير البيئة، عمير بيرتس من الحكومة، أمس، تشكّل مؤشراً إضافياً لاحتمالات تبكير موعد الانتخابات الإسرائيلية العامة.

من جهتهم، بات الفلسطينيون في الداخل، وعلى الرغم من ظروفهم الخاصة ومحدودية وسائل العمل المتاحة لهم، وعدم وجود أي عمق استراتيجي أو دعم شعبي أو رسمي عربي من أي جهة كانت، في حالة دفاع عن بقائهم في الوطن، وعن استباحة دمائهم، ولو على خلفية مخالفة جنائية أو حتى مخالفة سير.

ويعيد ذلك إلى الأذهان حالة التحريض والتجييش ضدهم، عشية هبّة القدس والأقصى، مع فارق في الحالة الراهنة اليوم، بفعل إصرار السلطة الفلسطينية الحالية على قدسية التنسيق الأمني وضبط الأوضاع في الضفة الغربية المحتلة، بشكل يتيح لحكومة إسرائيل وأذرعها الأمنية، إكمال محاولات الاستفراد بالفلسطينيين في الداخل ووضعهم أمام الآلة الإسرائيلية، مع بناء جو مشبع بالتحريض العنصري والفاشي، الذي يبرر كل جريمة وكل اعتداء على الفلسطينيين في الداخل.

وفي هذا السياق، فإن ما هو متاح أمام الفلسطينيين في الداخل ليس كبيراً ولا حتى في سياق الاحتجاجات الشعبية، خصوصاً مع احتمالات إطلاق جماعات عربية لمعزوفة "البحث عن وسيلة التعايش المشترك وعدم الإضرار بالقوى التقدمية اليهودية"، والتحذير، إرضاء لإسرائيل، من "أخطار تقوقع قومي وانعزالية، وانتظار أعمال التحقيق في ملابسات استشهاد خير حمدان".
المساهمون