يعيش فلسطينيو الداخل في نضال يوميٍ مع السلطات الإسرائيلية بشأن السكن. أزمةٌ ليست جديدة بل تعود إلى عام النكبة، بعدما هُجّر الفلسطينيون من 500 بلدة ومدينة تم تدميرها من قبل المليشيات الصهيونية عام 1948، وصودرت أراضيهم. وخلال السنوات الأخيرة، تتفاقم هذه الأزمة من دون أي حلول من قبل الاحتلال الإسرائيلي.
ولطالما تجاهلت حكومات تل أبيب المتعاقبة إعداد مخططات لإسكان الفلسطينيين لتلبية احتياجاتهم، بل عمدت إلى تقليص مساحات البلدات العربية ومصادرة الأراضي.
وكان الأستاذ المحاضر في التخطيط المدني في "معهد الهندسة التطبيقية" في حيفا، يوسف جبارين، قد أعد دراسة حول فرص السكن لدى فلسطينيي الداخل في (إسرائيل)، ليتبين أن هناك 942 بلدة يحظر على العرب السكن فيها، من بينها 450 بلدة فلسطينية كان قد هُجّر سكانها عام 1948.
وأظهرت الدراسة أنه قبل عام النكبة، كان هناك 283 مستعمرة إسرائيلية تنتشر على مساحة وصلت إلى 3 في المائة من أرض فلسطين التاريخية. وخلال عامي 1948 و1960، أسكن اليهود في 450 بلدة فلسطينية، وغُيّرت أسماؤها. على سبيل المثال، صار اسم قرية عين غزال المهجرة "عين أيلا"، وتحول اسم قرية اللجون إلى "كيبوتس مجيدو".
يقول جبارين لـ "العربي الجديد" إنه منذ عام 1961 وحتى عام 2015، أقيمت 340 بلدة يهودية (مستعمرة) إضافية على أراضي فلسطينية مصادرة، لتصل مساحة الأراضي التي تملكها إسرائيل وما زالت تحت سيطرتها إلى 93 في المائة. ويملك الفلسطينيون داخل إسرائيل 3،2 في المائة فقط من الأراضي.
يضيف أن فلسطينيي الداخل ممنوعون من السكن في معظم الأراضي، استناداً إلى خريطة البلدات المحظورة. وتشير الدراسة إلى أن المحكمة العليا في إسرائيل سمحت لعائلتين عربيتين بالسكن في بلدتين يهوديتين قبل أكثر من سبع سنوات، وهما كتسيرفي منطقة وادي عارة وراكيفت في الجليل.
وعلى الأثر، عمدت الحكومة والكنيست إلى سن قانون "لجان القبول" الذي يمنع العرب من السكن في بلدات يهودية. ومنذ سن هذا القانون، لم تتمكن أي عائلة عربية من السكن في 942 بلدة، على الرغم من المحاولات.
وبحسب الدراسة، فقد استطاع الفلسطينيون السكن في مدن يهودية كبيرة متاخمة للبلدات العربية، والتي أقيمت على أراض فلسطينية مصادرة بهدف تهويد الجليل والنقب وتغيير الحالة الديموغرافية في المناطق التي يقطنها العرب بكثافة.
على سبيل المثال، أقيمت مدينة نتسيرت عيليت على أراض مصادرة لأهالي الناصرة عام 1956. وخلال السنوات الأخيرة، ولأسباب تتعلق بأزمة السكن في الناصرة والبلدات العربية المجاورة، سكنت عائلات فلسطينية في مستعمرة نتسيرت عيليت.
ويبين البحث أن 31 بالمائة من سكان نتسيرت عيليت هم من العرب. كذلك، اختار آخرون السكن في مدينة كرميئيل، والتي أقيمت في قلب الجليل الغربي عام 1964، وقد بدأ العرب الهجرة إليها خلال السنوات العشر الأخيرة بسبب أزمة السكن. وتقدر نسبة العرب فيها بنحو 15 في المائة.
ويتوقع أن يبحث الفلسطينيون عن مساكن في المدن الفلسطينية التي تم تهويدها، وخصوصاً أن الحياة شبه معدومة في البلدات العربية.
وتكشف الدراسة أن هناك خطة لحكومة الاحتلال لإقامة وتطوير 23 بلدة يهودية إضافية في منطقة النقب الشمالي، وتهدف إلى منع التواصل بين البلدات العربية شمال النقب ومنطقة الخليل في الضفة الغربية المحتلة، والحد من التواصل بين البلدات العربية "غير المعترف بها" من قبل حكومات إسرائيل. وتجدر الإشارة إلى أن هناك 40 قرية عربية في النقب لا تعترف بها (إسرائيل).
ويلفت إلى أن "حكومة بنيامين نتنياهو الحالية تشترط لمساعدة وتحسين البنية التحتية في البلدات الفلسطينية بأن يقوم العرب بالبناء الفوقي المكثف والذي حوّل أصلاً البلدات العربية اليوم إلى غيتوات كثيفة الإسكان ذات بنى تحتية هزيلة جداً وغير متطورة". وتهدف هذه الاستراتيجية من بناء فوقي متعدد الطبقات في البلدات العربية إلى منع انتشارهم نحو المدن التي يسيطر عليها الإسرائيليون سكانياً، وتعطيل التوسع الجغرافي الطبيعي لبلداتهم.
اقرأ أيضاً: فلسطينيو الداخل.. مقاومة "الأبرتهايد" من وادي الصليب