فلسطينيون ملونون بـ"الشحبار" ينتجون "الفريكة"

العربي الجديد

لوغو العربي الجديد
العربي الجديد
موقع وصحيفة "العربي الجديد"

الأناضول

avata
الأناضول
29 ابريل 2015
768D5C9D-BB45-4232-BB71-B2F83134A7ED
+ الخط -


على صهوة جبل، بالقرب من بلدة عجة إلى الجنوب من مدينة جنين شمالي الضفة الغربية، يمضي الفلسطيني فتحي حيدارية يومه بين ألسنة النيران ودخانها، برفقة نحو 80 عاملاً فلسطينياً، لصناعة "الفريكة"، وهي أكلة شعبية تعد واحدة من أهم وأقدم الصناعات الفلسطينية التقليدية.

حيدارية (40 عاما) يقول للأناضول: "أعمل منذ نحو 20 عاماً في صناعة الفريكة، التي تعد مهنة توارثناها عن آبائنا وأجدادنا، وأعيل أسرتي المكونة من 12 فرداً من هذا العمل"، لافتاً إلى أنه يعمل في تسويق المنتج بعد عملية التصنيع على مدار العام.

وعن صناعة الفريكة، يضيف حيدارية: "نبدأ منذ ساعات الفجر الأولى بنثر سنابل القمح على البيدر، ونتركها لنحو ساعتين تحت أشعة الشمس، ثم تبدأ عملية الشواء". ويُستخدم في شواء القمح غير الناضج، النيران المنبعثة من ألسنة خراطيم موصلة بعبوات غاز، تقلب خلالها "سنابل القمح" ليصبح مشوياً.

وبينما يسلط حيدارية النيران تجاه القمح، يعمل الشاب عبد الكريم خليفة 18 عاماً، بتقليب القمح بواسطة أدوات خاصة. يقول خليفة "أعمل منذ نحو عامين بالفريكة، التي تعد فرصة لكسب الرزق في مثل هذا العام من كل سنة، أنا طالب بالثانوية العامة، أعمل بهذا الموسم عدة أيام، وأعشق هذه المهنة".



وعادة ما يستمر موسم الفريكة نحو 40 يوماً من كل عام بين قطف وشواء، في فترة تمتد خلال شهري أبريل/نيسان ومايو/أيار، بينما يأخذ أوقاتا أخرى في عمليات التجفيف والتنقية والتغليف حتى يصبح بين أيادي الجمهور. ويأمل الفلسطينيون هذا العام خيراً، بسبب هطول كميات كبيرة من الأمطار خلال الشتاء الماضي.

وبينما يعمل العمال المقسمون فرقاً، على شواء القمح، يقوم آخرون على جمعه بعد الحرق ونقله عبر عربات يدوية قبل عملية فرز آلية، تعمل على فرز الحبوب عن الشوائب، وتعبئتها بأكياس خاصة ونقلها عبر عربات لمصانع خاصة للتنقية والتغليف. ويسوّق جزء من المنتج يومياً، حيث يؤكل طرياً مشوياً، دون طهي.




لا يمكن لزائر "البيدر" التعرف إلى شخصيات العاملين التي اختفت معالم وجوههم وكفوفهم، بعد أن اكتست بلون "الشحبار" الأسود. يقول رائد زغلول، (42 عاماً)، بينما يواصل عملية فرز الحبوب عن الشوائب عبر عملية آلية: "المثل يقول خبي قرشك الأبيض ليومك الأسود، هنا العكس، خبي قرشك الأسود ليومك الأبيض"، في إشارة إلى الحالة التي يبدو فيها العمال نتيجة العمل المتواصل وسط النيران. ويضيف: "من هذا العمل سنحج إلى بيت الله الحرام، ونربي أبناءنا ونطعمهم، ونكسوهم".

غالبية العمال، هم إما موظفون حكوميون أو طلبة جامعات وخريجون، يعملون لأسابيع بموسم "الفريكة" لكسب دخل جديد موسمي. ومنذ 30 عاماً وزغلول يعمل في صناعة الفريكة، حيث يقول: "كان عمري 12 عاماً عندما بدأت بمساعدة والدي بهذه المهنة، وما زلت أمارسها حتى يومنا". ويعمل زغلول عاملاً في البناء، وفي موسم الفريكة يترك عمله ليلتحق إلى العشرات الذين يصنعون الفريكة. ورغم ما يعانيه العمال من ساعات طويلة في العمل، ومن تكبد متاعب وتلوث، إلا أنهم يرون في هذه المهنة، متعة خاصة، إذ تظهر بسماتهم رغم سواد وجوههم، ويتبادلون النكات، ويصدحون بأغان شعبية.





إيهاب شحادة (35 عاماً)، يعمل لديه نحو 20 عاملاً بصناعة الفريكة، يقول لمراسل الأناضول: "الفريكة أكلة متوارثة كما صناعتها، تتواجد في كل بيت فلسطيني، وبالمطاعم والفنادق". ويتابع "أسوق المنتج في السوق الفلسطيني، وغالبيته لمصنع خاص لتعبئة الفريكة، وبيعها مغلفة بعد تنشيفها وتنقيتها من الشوائب".
ويقطف الصانعون سنابل قمحهم غير الناضج من سهل جنين الذي يعد امتداداً لمرج بن عامر أكبر سهول فلسطين التاريخية. وكان الفلسطينيون يستخدمون طرقاً بدائية في حرق وشواء القمح، بواسطة الأعشاب والحطب، في حين يستخدمون اليوم غاز الطهي، بحسب شحادة.

وتستخدم الفريكة كطعام يقدم مع حساء، وكوجبة رئيسية على مائدة الإفطار بشهر رمضان. والفريكة منتج ينتج في بلاد الشام (فلسطين والأردن وسورية ولبنان)، والعراق ومصر وتركيا، ولا يوجد لدى وزارة الزراعة الفلسطينية أي إحصائيات حول كمية الإنتاج السنوية.
المساهمون