فلسطينيون في السجون السعودية... والتهمة المقاومة

20 ابريل 2020
+ الخط -
في الوقت الذي يحارب فيه العالم فيروساً لا يرى بالعين المجردة، نكاد ننشغل عن ما هو مفتك لكرامتنا الإنسانية. بين خطابات ملهمة وإجراءات صارمة، تناشد فيها الحكومات أبناءها بحجر أنفسهم في بيوتهم، يقبع خلف زنازين الظلم أربعينيٌ كتب عن الحرية، وثلاثينية اكتفت من ولاية على أمرها، وعشرينيٌ رامَ كرامة، وخمسينية سئمت من حرية كاذبة. ويتشارك من هم خلف قضبان سجون "الأمن" في العالم بإيبائهم للذل.

وحيث السجّان في دول العالم غالباً جهازٌ واحد يتبع لدولة تتذرع خلف جُبنها بالأمن، للصوت الفلسطيني سجّان أول مستعمر وسجّانان آخران فلسطينيان يتباريان متغافلين سجّانَهما الأول.

وكأن هذا الشعب لا يكفيه أسر حريته بحدود وجدار فصل عنصري وحواجز عسكرية وثلاثة سجانين، يختلس من خلف ستار الحرمين الشريفين سجانٌ رابع مشرك بالحق الفلسطيني.

بينما يشتكي أصحاب البيوت الدافئة بعد شهرين وسط عائلاتهم من حجر صحي، يصادف هذا الشهر مرور عام على صمود حوالي 68 معتقلا فلسطينيا وأردنيا في السجون السعودية العربية الإسلامية.


ففي شهر إبريل/نيسان 2019، رنّت أجراس هواتف بعض الفلسطينيين المقيمين في السعودية من جهات أمنية تستعديهم لمصير مجهول. ولا عجب من نظام يستبيح دماء أبنائه في السفارات الدولية، فبعض هذه الاعتقالات سارت على نهج الاختفاء القسري لتترك كرامة ذوي المعتقلين تتخبط لفترات قبل إعلامهم بمكالمات "طمأنينة" أن ذويهم بيد سلطات الأمن السعودية بتهم سريّة.

وبعد عشرة أشهر خلف قضبان الظلم بلا تهم أو عرض على جهات الاختصاص وتحت ظروف غير إنسانية يتخللها حسب مصادر تعذيب بحق معظم المعتقلين، وتحت ظروف طبية سيئة، وعدم سماح للمعتقلين بالتواصل مع ذويهم إلا بشكل تعسفي، قررت الحكومة السعودية محاكمة المتهمين.

وفي قراءة لتوقيت المحاكمة نرى المصادقة العلنية من الحكومة السعودية على ما يسمى بصفقة القرن، قبل أقل من شهرين على الإعلان عن هذه المحاكمة. لم يكتفِ ولي العهد محمد بن سلمان بتمويل الصفقة، وحضور دولته العلني في "حفل" إعلان الصفقة، بل أراد تقديم ولاء مباركته للرئيس الأميركي ورئيس الوزراء الإسرائيلي عن طريق محاكمة المقاومة الفلسطينية بتهمة الإرهاب.

وكانت المحاكمة قد عقدت في الثامن من مارس/آذار، الماضي، في محكمة (الإرهاب - الجزائية المتخصصة)، وهي محكمة تستخدم منذ عام 2011 كأداة "بالغة الجور" بيد الحكومة السعودية لإسكات من ينادي بشكل سلمي بحقه. تزخر قاعات المحكمة بقضاة يطرقون أحكاماً ضد أصحاب الحق تعكس ولاءهم للحكومة السعودية. كما وتفيض بمحاكمات لقمع حرية التعبير السلمي وتكوين الجمعيات أو الانضمام إليها.

أما بالنسبة للمحاكمة السرية بحق الفلسطينيين التي عقدت في مارس، فكان القضاة قد استندوا إلى نظام مكافحة جرائم الإرهاب وتمويله لعام 2017، في توجيه لائحة اتهمام ضد الفلسطينيين.

ويشمل النظام تعريفات مبهمة وفضفاضة للإرهاب، بحيث وصلت العقوبات ضد الفلسطينيين بفترات تتراوح بالسجن من ثلاث سنوات إلى أكثر من 20 عاماً حول تهم أبرزها "الانضمام لكيان إرهابي، وقيادة ودعم وتمويل كيان إرهابي، والتستر على المعلومات". وحسب مصادر أخرى، بعضٌ من التهم وصل إلى تجريم إرسال الأضاحي لقطاع غزة في عيد الأضحى.

وبين تعددية قضبان تحاول كبح كلمة الحق الفلسطينية، أسترجع أبيات نزار قباني قبل أربعين عاماً عندما قال لتونس الخضراء:
"أنا يا صديقة متعب بعروبتي
فهل العروبة لعنة وعقاب؟".

وأقول:
أنا يا أهلي ألِفْتُ عروبتي
وما عادَ تخاذلكم يثير الاستعجاب
أنا الفلسطينية رضعتُ حكايا نكبة
نهايتها من جيوشكم انسحاب
أفضْتُم تراب بلادنا حدوداً
ضاقت أنفاسُنا اغتراباً
خلف ستار الكعبة أصنامٌ
متسمرّون لمستعمر بلا ثواب
اتعظوا فمصيرُ فحش الثراء
وإدقاع المبادئ سراب
أو اخلعوا جلباب العروبة
ولا على عرائكم عتاب
يا بواسل سجن عكا
تسعون ذلاً بنا وشبابنا شياب
يا عطا ومحمد وفؤاد
لم يكتفوا بفلسطيننا انتداب
من مندوب سامٍ لصهيوني
أرضنا أشلاء من الاغتصاب
أرض الحرمين الشريفين
تدين مقاومتنا بالإرهاب
يا شهداء الكرامة
نستسمح دماءكم تحت التراب
لا عجب على أهل مذلّة
تأبى شيم المقاوم الاستيعاب
أنا يا أهلي منهكة من عروبتي
فإن العروبة لعنة وعقاب..
91E6FEA2-308C-4924-B2CB-C7B7BAA22CF8
أسيل البجة

طالبة ماجستير في القانون الدولي لحقوق الإنسان، في الجامعة الوطنية الإيرلندية - جالوي. ومسؤولة مناصرة سابقا في مؤسسة الحق