كما شرعت الحكومة وصندوق التضامن الإسلامي في دراسة لإنشاء صندوق التمكين الاقتصادي لإدماج الفقراء والشباب والشرائح الضعيفة في الاقتصاد الحقيقي.
وكانت دراسة حكومية أجريت في 2017 كشفت عن تراجع نسبة الفقر في السودان إلى 28%. في حين أظهرت بيانات الجهاز المركزي للإحصاء في عام 2016 أن نسبة الفقر في السودان تراجعت إلى 36.1%، اعتماداً على أسعار عام 2014. في حين سجلت التقديرات الرسمية للفقر عام 2009 نسبة 64.5%. ما أثار شكوكاً من قبل الخبراء حول أرقام الدراسات ونتائجها.
تشكيك في الأرقام الرسمية
ويقول الخبراء إن عدم توفر نسبة حقيقية وواضحة عن الفقر يشكّل هاجساً كبيراً لكل الجهات التي تسعى إلى وضع مشاريع حقيقية لمكافحة الفقر والحد منه. لا سيما أن تقسيم السكان بحسب درجة فقرهم مهم لتوجيه البرامج التي تستهدف كل شريحة على حدة.
ويرجع الدكتور الزين آدم، في حديثه مع "العربي الجديد"، تزايد نسبة الفقر في السودان، إلى سياسة التحرير التي اتخذتها الدولة منذ فبراير/شباط من عام 1992، وما تبعها من برامج رفعت الدعم عن الضروريات، إلى جانب الكوارث الطبيعية كالجفاف والتصحر والفيضانات بصورة متكررة. إضافة إلى الحروب الأهلية والنزاعات الداخلية وعدم الاستقرار السياسي والأمني.
ويقول إن كل تلك المؤشرات عملت على نزوح سكان الريف المنتجين إلى المدن والمراكز الحضرية، فاصطدموا بالفساد المالي والإداري وغياب الشفافية والمسؤولية، في ظل سياسات زراعية ترتبط بمشاكل الري وارتفاع تكلفة الإنتاج وإعسار المزارعين.
ويشير إلى الإحصائيات التي أجريت من قبل ديوان الزكاة والتي ذكرت أن الأسر الفقيرة في ولاية الخرطوم وحدها تبلغ 240 ألف أسرة، مبينا وجود الكثير من الأسر في أطراف العاصمة غير مسجلة في الإحصاء، "ما يشير إلى أن أعداد الفقراء تصل إلى ضعف هذا الرقم".
ويؤكد أن السودان إلى الآن لم يدخل ضمن الدخل الأقل نموا أو المتوسط في النمو، باعتبار أنه يقع ضمن دائرة الحرب الأهلية، ويأتي في المرتبة الثانية للدول الفقيرة، حسب البنك الدولي.
ويشرح الدكتور آدم أن السودان استطاع إحداث تغيير طفيف؛ من حيث حصر معدلات الفقر والمشكلات المترتبة عليه كضعف مستويات التعليم والصحة. ويطالب بمراجعة هياكل الحكم الفيدرالي، لوجود اختلالات في أطر وهياكل الحكم نتج عنه إهدار للمال العام.
ضعف الاستراتيجيات
وعملت الحكومة السودانية على محاربة الفقر من دون تحقيق تقدّم ملحوظ، لا سيما في ظل
وسعت إلى تطبيق العديد من البرامج والسياسات المسنودة بتشريعات برلمانية، كان آخرها، وثيقة الاستراتيجية المرحلية للتخفيف من حدة الفقر في السودان، كخطوة أولى في وضع نهج شامل ومنسّق للحدّ من الفقر.
ودعت الوثيقة إلى زيادة الاعتماد المرصود لمشاريع وبرامج الحد من الفقر، عبر الموازنة العامة للدولة، والبحث عن قروض ميسرة عبر مؤسسات التمويل الدولية والاستثمارات...
إضافة إلى تخفيف تعرفة المواصلات، وتفعيل مصادر مكافحة الفقر من الزكاة والضمان الاجتماعي وزيادة الرواتب ودعم الأسر ومكافحة الفساد، وإعداد إحصائيات للأسر الفقيرة، ودعم الصندوق القومي لرعاية الطلاب وتنفيذ مجانية التعليم.
تلك الاستراتيجية تلقت رفضاً شعبياً من جراء رفع الدعم عن المحروقات والسلع الذي كان من الأعمدة الأساسية للوثيقة.
وطرحت الحكومة برامج متعددة لمكافحة الفقر، من بينها دعم ديوان الزكاة للفقراء، ومشاريع التمويل الأصغر، وبرامج محاربة البطالة التي بلغت 29% في آخر إحصاء حكومي. إلا أن تلك البرامج لم تجد حظها من النجاح، لأنها لم تطبق بصورة صحيحة، وفق الخبراء.
وبدأت الاستراتيجية المرحلية لخفض الفقر منذ عام 2012، وكان لها أثر في توجيه الصرف نحو مناصرة الفقراء عبر التدخلات لدعم قطاعات الصحة والتمويل الأصغر وتشغيل الخريجين، وزيادة الإنتاج، ودعم صغار المزارعين، وزيادة دخل الحرفيين.
إلا أن وزارة المالية ترى أن تلك الإجراءات التي قامت بها سابقا تعتبر خطوة أساسية نحو كتابة الاستراتيجية الدائمة لمحاربة الفقر لتكون من الأعمدة الرئيسة لتوجه صرف الدولة، حيث قدم بنك التنمية الأفريقي منحة 3.2 ملايين دولار كلفة إعداد استراتيجية لخفض الفقر في البلاد.
ارتفاع التضخم
ويرى الخبير الاقتصادي الدكتور عبد الله الرمادي، في حديثه مع "العربي الجديد"، أنه نظرياً
ولكن إذا اتسعت دائرة الفقر لتشمل أعدادا كبيرة يمكن في هذه الحالة أن يتم تقسيم مستوى الفقر إلى درجات، من ضمنها الفقر المدقع، وثم المجموعة التي تقع تحت الفقر أو تكاد تفي بالاحتياجات الضرورية.
ويرى الرمادي إمكانية تصنيف المجتمع على هذا الأساس، ويعتبر أن اتساع دائرة الفقر في السودان جعل المعدومين ينقسمون إلى طبقات وليس ضمن طبقة واحدة، مما يدعو إلى تلافي هذا الوضع بتحسين الأوضاع المعيشية عبر سياسات رشيدة، وهذا ما تفتقر إليه البلاد رغم الإمكانيات الضخمة، وفق الرمادي.
ويؤكد الرمادي أن تصنيف الفقر يحتاج إلى مهنية تعكس واقع الحال بتقديرات لا تراعى المسح الحقيقي فقط، بل لا بد من ملاحظات تقديرية أيضا للأشخاص دون خط الفقر، وهم يشكلون نسبة تتعدى الـ70%، بسبب ارتفاع معدلات التضخم، في الوقت الذي ظلت فيه الدخول ثابتة تتحرك ببطء شديد، ولا تجاري مستويات التضخم الكبيرة.
ويقول إن كل ذلك مردّه إلى السياسات النقدية والمالية الخاطئة التي أدت إلى إغلاق 80% من المصانع، ما زاد من نسب البطالة، وأدى إلى اتساع دائرة الفقر تراكمياً.
كما أن سياسات وزارة المالية تعمل على سد فجوة الموازنة، وفي نفس الوقت تصرف على الأعداد الكبيرة من التنفيذيين في الدولة، ما يعتبر إنفاقا حكوميا متزايدا ومترهلا على حساب المواطن. كما رفعت الحكومة الدعم عن الوقود والغاز والقمح، ما أدى إلى غلاء فاحش جعل كثيرا من الأسر تصل إلى ما دون مستوى الفقر.
وتؤثر السياسات الاقتصادية مباشرة بارتفاع أعداد الفقراء في السودان. ويطالب الخبير
الاستراتيجي عبد الرحيم ابراهيم في حديث مع "العربي الجديد" بإجراء دراسات علمية لتحديد معيار الفقر في السودان قبل الشروع في تصنيف أوضاعهم.
ويرى ابراهيم أن القضية ليست مؤشرات بل تتعلق بالدولة التي يجب أن تبني خطتها وفقاً لأرقام حديثة.
ويوضح أن أي خطة استراتيجية يجب أن تبنى على قاعدة معلومات قوية ومتكاملة تتغذى من مؤشرات حقيقية تطاول القطاعات الاقتصادية وتوضح آليات المعالجة بشكل واضح.
ويلفت إلى أن أزمات القطاعات الإنتاجية مثل الزراعة والصناعة والصناعات التحويلية التي كانت تستوعب آلاف العمال، ساهمت في زيادة الفقر والبطالة وانتشار المهن الهامشية حتى بين الخريجين الجدد.
وتقول الدكتورة فاطمة أحمد فضل، مديرة مركز تنسيق مشروعات تخفيف الفقر بوزارة الضمان والتنمية الاجتماعية لـ "العربي الجديد" إن قضية معالجة الفقر أضحت قضية عالمية، وتلفت إلى مبادرات مهدرة وغير رشيدة تم اتباعها ولم توصل إلى نتائج.
وتؤكد أن قضية الفقر متجذرة ومتقاطعة ومتشعبة ناتجة عن عدم وجود تنمية بالتزامن مع فشل الاستقرار الاقتصادي.
في حين يشدد رئيس اتحاد نقابات العمال بالسودان يوسف علي عبد الكريم، أن 22% هي النسبة التي تغطيها الأجور مقارنة مع تكلفة المعيشة التي تتزايد بفعل التضخم.