فقراء الأردن... "البرارة" والخبز المنزلي ملجؤهم

03 مارس 2018
رفع الدعم عن الخبز بالأردن (خليل مزرعاوي/ فرانس برس)
+ الخط -
الأزمات العالمية تنعكس سلباً على الظروف المعيشية في عدد من البلدان، منها الأردن، حيث يبحث الفقراء عن بدائل لمواجهة الغلاء بعد فرض الحكومة ضرائب جديدة، ورفع الدعم عن الخبز. بعض المواطنين اضطروا إلى إلغاء الأساسيات من يومياتهم

تقصد الأربعينية نهلة، سوق الخضار الكائن وسط الأردن، والمعروف باسم "سوق السكر"، حيث الأسعار أقلّ من أسواق أخرى. كانت تقف أمام بسطة للخضار وقد وُضعت الأسعار على كل صنف. مع ذلك، كانت تفاوض البائع على شراء كمية من الخضار أقل جودة معبّأة في صندوق أسفل البسطة. "البرارة" هو مصطلح يطلقه الأردنيون على الخضار الرديئة التي يعزلها الباعة عن بضائعهم ذات الجودة العالية، ويعرضونها في أماكن مهملة لبيعها بسعر قليل.

لكن مساعيها لم تنجح بعدما أصرّ البائع على بيع الكمية كلّها دفعة واحدة، فيما كانت نهلة ترغب في شراء جزء منها. تقول: "لن أستفيد إذا اشتريتها كلها. أي أن ما سأوفره من مال، سأخسره بمجرّد أن تتلف الخضار قبل استخدامها".

ليست المرة الأولى التي تلجأ فيها نهلة إلى شراء "برارة" الخضار، لكنها توضح أنها باتت تعتمد عليها أكثر من السابق. "كنت أشتريها بين الحين والآخر بحسب الوضع المالي. لكن مؤخراً، صرت أشتريها دائماً".

نهلة أم لأربعة أبناء، يعمل زوجها موظفاً حكومياً ويتقاضي 450 ديناراً شهرياً (نحو 636 دولاراً). تقول: "الراتب لا يكفي لسد كل الاحتياجات". ولا يقتصر ترشيد الإنفاق على شراء "البرارة"، بل يشمل تخلي البعض عن شراء الفاكهة. تقول نهلة: "إذا توفرت الفاكهة مرة أو مرتين في الشهر، هذه نعمة كريم".

في نهاية يناير/ كانون الثاني الماضي، ارتفعت أسعار أكثر من 150 سلعة، بعدما فرضت الحكومة ضرائب جديدة، كما بوشر العمل بقرار رفع الدعم عن الخبز، ليزداد سعره بمعدل الضعف، فيما باشرت الحكومة دعماً نقدياً سنوياً للفئات المتضررة.



وحصلت عائلة نهلة على دعم نقدي بلغ نحو 160 ديناراً (226 دولاراً). لكن حين يحتاج ابنها إلى بنطلون، والآخر إلى حذاء، وابنتها إلى ثياب، عدا عن فواتير المياه والكهرباء متأخرة، فلن يبقى من المبلغ شيئاً. حتى الآن، ما من دراسات تبين انعكاسات ارتفاع الأسعار على حياة المواطنين، إلا أن الأردنيين يتذمرون منذ دخول القرارات حيز التنفيذ.

في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أظهرت دراسة للمجلس الاجتماعي الاقتصادي (حكومي)، إثر الضرائب الحكومية على السلع في في شهر فبراير/ شباط الذي سبقه، وتحديداً على أنماط إنفاق الأسر ذات الدخل المحدود، في وقت كانت الحكومة تؤكد أن الضرائب لن تؤثر على الفقراء ومحدودي الدخل. وبحسب الدراسة، فإن "الضرائب دفعت أسراً محدودة الدخل إلى استبدال سلع بأخرى، فيما تخلت أسر فقيرة عن استهلاك بعض السلع تماماً".

علّه يحظى بأسعار معقولة (ستيفن ج.بواتانو/ getty) 


وشرعت جمعية حماية المستهلك الأردنية في إعداد دراسة للوقوف على آثار قرارات رفع الأسعار على أنماط الإنفاق. يقول الناطق باسم الجمعية، سهم العبادي: "الضرائب التي فرضت بشكل متكرر وأدت إلى رفع الأسعار، نتج عنها تراجع القدرة الشرائية للمواطنين في ظل ثبات الدخل وزيادة النفقات". وبحسب دراسات سابقة أعدتها الجمعية، فإن "الزيادات المتتالية للأسعار جعلت المواطنين يختارون شراء المهم، ومنه انتقلوا إلى شراء الأهم". ويبين العبادي أن "المؤشرات الأولية لما بعد الزيادات الأخيرة تشير إلى أن المواطنين، خصوصاً من ذوي الدخل المحدود والفقراء، باتوا يشترون ما يضطرون إليه فقط".

أمام صف بقالات متلاصقة تعرف بأسعارها المعقولة، كان الزبائن يتزاحمون على الرصيف المقابل حيث العروض على بعض السلع. بين الزبائن من اعتاد التسوق منها، وبينهم جدد قصدوها علّهم يوفرون قليلاً من الدنانير. أبو ناصر وزوجته من الزبائن الجدد. يقولان: "نحو أولى بكل ما يمكن توفيره".

وعن أسباب إحجامه عن التسوق من هذه المحال سابقاً، يقول أبو ناصر: "موقعها بعيد عن بيتي، وكنت أسمع أن صلاحية البضاعة تكون منتهية. لكن بعد موجة ارتفاع الأسعار، قررت أن أجرّب، وقد اكتشفت أنها جيدة". يعمل الزوجان في القطاع الخاص، ويقولان إن دخلهما الشهري جيد، لكن ذلك لا يمنعهما من إعادة النظر في شكل الإنفاق، في ظل ارتفاع الأسعار.

تقول أم ناصر: "الراتب جيد لكن المصاريف كثيرة. لدينا إيجار بيت وفواتير ومواصلات واحتياجات الأولاد. الرواتب ثابتة والمصاريف تزداد كل يوم". ليس لدى الزوجين نية للاستغناء عن سلع اعتادا شراءها، لكن هدفهما شراؤها بأسعار أقل، أو استبدالها بنوعيات أرخص. تتابع أم ناصر: "لا نريد حرمان الأطفال مما يحبونه. نريد فقط تنظيم مصاريفنا بشكل أفضل".

وتبيّن تقديرات غير رسمية انخفاض مبيعات تجار المواد الغذائية منذ دخول قرار رفع الأسعار حيز التنفيذ، بنسبة تتراوح ما بين 25 و30 في المائة، فيما تراجع معدل شراء الخبز بنسبة 20 في المائة، كما تراجعت مبيعات المطاعم. أما تجار الملابس، فيشتكون بسبب كساد لم يعرفوه سابقاً.



أقلع منير جزازي عن التدخين قبل نحو أسبوعين، بعدما ارتفعت أسعار السجائر بالتزامن مع ارتفاع أسعار غالبية السلع. يقول: "بيتي وأولادي أولى بما أدفعه ثمناً للسجائر". الثلاثيني المتزوج يعمل في القطاع الحكومي ويتقاضى 520 دينارا شهرياً (نحو 635 دولارا)، يؤكد أن أي إنفاق غير مدروس سيؤدي إلى عجز مالي لن يتمكن من سداده. ويشرح: "حين أتقاضى راتبي، أوزّع المصاريف، وهي دفع بدل إيجار البيت والفواتير، وشراء الأشياء الضرورية فقط. ويبقى ما نحتاج إليه في الأيام المتبقية من الشهر. نحاول ألا نتجاوز المبلغ المحدد مهما حدث".

يبين الجزازي أنه توقف عن شراء الطعام أثناء وجوده في العمل "أجلب معي شطائر من البيت". كما أنه بات حريصاً على ألا يتأخر حتى لا يضطر إلى استخدام سيارة أجرة، ويعتمد فقط على المواصلات العامة، لافتاً إلى ارتفاع أسعار الأخيرة حتى.

من جهته، يشير الناطق باسم حماية المستهلك سهم العبادي، إلى أن المسوحات الأولية التي أجريت في عدد من المحافظات كشفت عن تغير كبير في أنماط الاستهلاك السائدة. يضيف: "وجدنا أن نساء بدأن العودة لإعداد الخبز في البيوت، وكذلك بعض المنتجات الغذائية مثل اللبنة واللبن وغيرها. هن بذلك سيتمكن من توفير القليل نتيجة الفرق بين كلفة الإنتاج والأسعار في الأسواق".