فضيلة التنحي

19 مايو 2016
ميتسوبيشي موتورز أعلنت أن رئيسها سوف يتنحى(Getty)
+ الخط -


خلال الفترة القليلة الماضية تنحى رؤساء مؤسسات عالمية كبرى عن مناصبهم، وكان قادة الشركات المنتجة للسيارات الأكثر تنحياً وفقدانا لوظائفهم سواء تم ذلك بإرادتهم الشخصية، أو بضغوط من المساهمين والإدارة العليا.

وفي عالم السياسة كان أشهر تنحٍ تم الإعلان عنه أخيراً هو إعلان رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو الاستقالة من منصبه، وسبقه تنحي رئيس وزراء أيسلندا كأول ضحية لفضيحة وثائق بنما الشهيرة، وهناك ضغوط شديدة على رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون للتنحي عقب الاتهامات الموجهة له ولوالده بالتورط في عمليات تهرب ضريبي من خلال مراكز الأوفشور.

ما يعنينا هنا تلك الاستقالات والتنحيات التي طاولت قيادات الشركات الكبرى وزادت معدلاتها عالميا خلال الفترة الأخيرة، خاصة مع الكشف عن حالات تقصير وخداع للمستهلك، أو الكشف عن عمليات فساد ومخالفات مالية وبيئية داخل المؤسسات التي يعملون بها، أو عقب تراجع الأرباح والإيرادات، ولذا يتنحى المسؤول لاستشعاره الحرج، أو لتجنيب مؤسسته التعرض لمزيد من الخسائر حال استمراره في موقعه.

أمس، أعلنت شركة ميتسوبيشي موتورز اليابانية، العاملة في قطاع تصنيع السيارات، أن رئيسها، تيتسورو أيكاوا، سوف يتنحى من منصبه على خلفية فضيحة التلاعب في نتائج اختبارات كفاءة الوقود، وجاء التطور المثير عقب اعتراف الشركة بتزوير اختبارات كفاءة الوقود على مدى عقود، ما أثار موجة من الانهيارات في القيمة السوقية للسهم داخل البورصة. 

والملفت أن هذه الفضيحة التى تمت داخل ميتسوبيشي هي التي أدت لاستقالة الرئيس التنفيذي لمجموعة فولكسفاغن الألمانية، أكبر منتج سيارات في أوروبا، بعد الكشف عن فضيحة التلاعب في قيم العوادم الصادرة من سياراتها التي تعمل بالديزل (السولار) في أميركا.

وأول من أمس، أعلنت شركة فودافون قطر التابعة لشركة فودافون العالمية أن رئيسها، الشيخ خالد بن ثاني آل ثاني، تنازل عن منصبه، وواكب الاستقالة إعلان الشركة تقليص عدد الموظفين بنسبة 10% وشطب بعض الأصول المتعثرة وعدم توزيع أرباح على المساهمين.

وأعلنت شركة ماركس آند سبنسر أن الرئيس التنفيذي "مارك بولاند" تنحى عن منصبه في شهر أبريل/نيسان الماضي عقب ست سنوات من شغله لذلك المنصب.

وجاء إعلان عقب ما تردد عن وجود ضغوط من المساهمين من مجلس ادارة الشركة على "بولاند" للتنحي عن منصبه عقب تراجع مبيعات البضائع العامة بنسبة 5.8% خلال الربع المالي الثالث.

ومن بين الاستقالات التي هزت الأسواق كذلك تنحي ستيف جوبز عن منصبه كرئيس تنفيذي لشركة آبل العالمية، وإعلان شركة تونتي فيرست سينشري فوكس 21st Century Fox عن تنحي روبرت مردوخ عن منصب رئيس مجلس الإدارة.

كما أعلنت شركة أوراكل لتكنولوجيا المعلومات أن رئيسها لاري إليسون سيتنحى بعد 37 عاما في منصبه.

وتنحّي بيل جيتس صاحب ميكروسوفت، أكبر شركه فى مجال البرمجيات، كما أعلن ديك كوستولو استقالته من رئاسة شركة تويتر، التي كانت تعاني في الأشهر الماضية، لإتاحة الفرصة لخلفه في رفع عدد مستخدمي موقع التواصل الاجتماعي وجذب مزيد من الإعلانات.

وتنحت ماريا دي غراساس فوستر المدير التنفيذي لعملاق النفط البرازيلي بيتروبراس عن منصبها على خلفية فضيحة سياسية كشفت عن أن الشركة كانت تخصص 3% من قيمة أي تعاقد لصالح أحزاب الائتلاف الحاكم، وخاصة حزب العمال الذي تنتمي إليه الرئيسة المعزولة ديلما روسيف.

وهناك أمثلة كثيرة على تنحي كبار المسؤولين في مؤسسات عالمية مرموقة، لكن عربياَ فإن حالات التنحي نادرة جداَ وقد لا تعرف هذه الفضيلة والسمة معظم مؤسساتنا الاقتصادية، فقد تتراجع إيرادات الشركة ومبيعاتها بمعدلات قياسية، ومع ذلك لا يتنحي المسؤول الأول عن إداراتها.

وقد تخسر الشركة رأسمالها وتنهار أسهمها في البورصة، ومع ذلك لا يتحرك رمش لرئيسها التنفيذي، وقد تشهد المؤسسة حالات فساد صارخة، ورغم ذلك يظل المسؤول جالسا على كرسيه لا تحركه ضغوط من هنا أو هناك.

التنحي والاستقالة فضيلة يجب أن تنتشر بين الشعوب العربية، لأنها تحرك المياه الراكدة وتجدد الدماء داخل مؤسساتنا المالية والاقتصادية، وتدعم قواعد المحاسبة والحوكمة، وتشجع روح الانتماء والإبداع، فبقاء المسؤول في منصبه لسنوات يفتح الباب على مصراعيه أمام الترهّل الإداري والمحسوبية وربما الفساد.

المساهمون