التعذيب في سجن رومية المركزي ليس أمراً جديداً، كما أن التعذيب في مراكز التحقيق والتوقيف لدى جميع الأجهزة الأمنيّة والعسكرية في لبنان، ليس سراً. الجديد في الأمر تسريب شريطي فيديو يُظهران وحشية التعذيب. أهميّة ما سُرّب أنه يُثبت بالدليل القاطع صحّة ما ردده أهالي الموقوفين الإسلاميين في سجن رومية، إذ نقل هؤلاء عن أبنائهم أنهم تركوا لأكثر من ثلاثة أيام لا تُغطيهم سوى الثياب الداخليّة، وأنهم قسّموا لمجموعات صغيرة، حيث تعرضت كل مجموعة لعمليّة تعذيب مبرمجة شارك فيها العسكريون المشاركون بالمداهمة. وتحدّث هؤلاء سابقاً عن فقدان أحد الموقوفين لعينه، بعدما أُصيب فيها خلال المداهمة ومنع من العلاج.
ما جرى في رومية لم يكن خطأً فردياً قام به عسكري هنا أو عسكريٌ هناك، بل كان عملاً منهجياً. وصورة الموقوفين جالسين القرفصاء وأيديهم مكبلة في إحدى ساحات السجن دليل على ذلك. إذ تُشير الصورة إلى أن جميع من يظهر فيها تعرّض للضرب، مثلما تُشير إلى وجود عدد من رجال الأمن.
قال وزير الداخليّة نهاد المشنوق في مؤتمره الصحافي، إنه لم يكن على علم بهذه الممارسات، وإنها ممارسات فرديّة. لكن الوزير لم ينتبه إلى أنه عرض في مؤتمر صحافي سابق مشاهد من مداهمة سجن رومية ليؤكّد عدم حصول تجاوزات. حينها، لم تُسمع صرخات الأهالي، وتجاهلها العدد الأكبر من السياسيين، وقام رئيس تيار المستقبل بتأمين الغطاء الكامل لوزير الداخليّة الذي ينتمي لفريقه السياسي. لكن أكثر ما يُشير إلى أن التعذيب بات ثقافة لا يواجهها النظام اللبناني، هو رفض عدد من القضاة الاستماع والتحقق من شكاوى التعذيب التي نقلها بعض الموقوفين الإسلاميين إلى المحاكم. لقد انحاز القاضي للجلاد.
التعذيب في لبنان ليس أمراً جديداً، ولم يرغب أحد في السلطة السياسية في مواجهته. ففي تقرير للجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب، أعدته بعثة تحقيق تابعة للجنة، ونشر ملخص "سري وعاجل جداً" عنه ونشرت "العربي الجديد" مقتطفات منه في نوفمبر/تشرين الثاني، وقد رفضت الدولة اللبنانية نشره، خلص إلى أن "التعذيب يُمارس ومورس على نحو منهجي في لبنان، لا سيما في سياق التحقيق وبغرض انتزاع الاعترافات". هذا حصل في أكتوبر/تشرين الأول 2014. لم يتغيّر أي شيء. قال التقرير حينها ما حرفيته: "أساليب التعذيب التي تلجأ إليها مختلف الأجهزة الأمنية تراوح بين الضرب وأساليب التعذيب الأكثر شدة وتعقيداً مثل "البالانكو" (تعليق المحتجز من معصميه المكبلين خلف ظهره)، و"الفروج" (التعليق من الأرجل مع ربط اليدين بقضيب حديدي تحت الركبتين)، اللذين يُقال إنهما الأسلوبان الأكثر شيوعاً". ويتحدث التقرير عن وجود تعذيب ومعدات له في غرف التحقيق لدى فرع المعلومات واستخبارات الجيش.
اقرأ أيضاً: لبنان: 3 موقوفين كل ساعة
كما أن الموقوفين الإسلاميين ليسوا أول ضحايا للتعذيب في لبنان، فقبلهم توفى إسماعيل الخطيب ونادر بيومي لدى استخبارات الجيش من دون حصول محاسبة جدية، كما تعرض عدد من الموقوفين خلال وبعد معارك نهر البارد (2007) وعبرا (2013) للتعذيب وانتهكت حقوقهم من دون أي محاسبة.
من هنا يُمكن تقديم عدد من الملاحظات التي رافقت نشر شريطي التعذيب في رومية.
1 ــ ما جرى في رومية لم يكن خطأً فردياً، بل عملاً ممنهجاً، وهو ما تحدث عنه الموقوفون وأهاليهم وعدد من المنظمات الحقوقية، وهو ما تثبته التقارير المتعلقة بالتعذيب في لبنان. وجاء شريطا الفيديو والصور ليُثبتا هذا الأمر. لذلك فإن مسؤولية ما جرى لا يُمكن أن تُحصر ببعض العناصر، بل هي تطال قيادة قوى الأمن الداخلي ووزير الداخليّة مباشرة. فإن هناك معرفة بما جرى وامتناعاً عن المحاسبة، أو أن هناك تقصيراً في متابعة أعمال مرؤوسين.
2 ــ احتاج رئيس الحكومة اللبنانية لأكثر من 24 ساعة بعد تسريب الشريطين للتحرك، في هذا الوقت كاد البلد أن يدخل في صدامات بين مواطنين والقوى الأمنيّة. هذا الأمر يؤكّد واقع أن رئيس الحكومة ينأى بنفسه عن كل القضايا الخلافية في لبنان.
3 ــ فشل تيار المستقبل ورئيسه سعد الحريري في استيعاب الشارع السنّي بعد التسريب، وهو ما يدفع لخسارة المزيد من قواعده الشعبية. وبالرغم من أن وزير العدل أشرف ريفي عمل على احتواء الشارع عبر التأكيد على إجراء التحقيقات، عمل الحريري على تبرئة ساحة المشنوق، والطلب منه ومن ريفي محاسبة المسؤولين! فالمشنوق في موقع المتهم، وليس المحاسب، خصوصاً أنه سبق أن أكّد عدم حصول تجاوزات. في المقابل سعى فريق 8 آذار إلى تحويل الأمر إلى صراع بين المشنوق وريفي.
4 ــ غابت دار الفتوى بالكامل عما جرى حتى ساعة كتابة هذا التقرير. وهذا الغياب يُضعف دور دار الفتوى، والذي يُراهن عليه تيار المستقبل في مواجهة "التطرف". فابتعاد الدار عن الساحة، يترك هذا الملف الذي يُعد أساسياً في يد هيئة العلماء المسلمين.
5 ــ لم تتحرك لجنة حقوق الإنسان في مجلس النواب، ولم يصدر أي شيء عنها، وذلك حتى كتابة هذه السطور. كما غاب معظم القوى السياسية غير السنية، ما عدا النائب وليد جنبلاط، عن هذا الملف، وكأن ما جرى تم في بلد آخر.
6 ــ تحوّل ملف إنساني بالدرجة الأولى إلى ملف مذهبي، ويتحمّل المدافعون عنه مسؤوليّة في هذا الأمر، خصوصاً أن معظمهم ينطلق من منطلقات مذهبية. لكن في الوقت عينه، يتحمّل المجتمع المدني اللبناني مسؤوليّة أساسيّة إذ لم تدع أي جهة لتحرك، وتعاملت مع الملف وكأنه ملك الإسلاميين وحدهم.
7 ــ ما جرى يؤكّد أن تعبيد الطريق أمام التيارات الإسلاميّة المتشددة مثل "داعش" و"جبهة النصرة" تتحمّل مسؤوليته بنسبة كبيرة السلطة السياسيّة.
8 ــ لا أحد أكثر من وزارة الداخلية وقوى الأمن الداخلي، يُمكن أن يُجيب عن سؤال "توقيت التسريب"، إذ إن هاتين الجهتين تعرفان تمام المعرفة هوية من صوّر ومن سرّب. لكن السؤال المهم: لماذا يحمل عناصر أمنيون هواتفهم الخاصة ويصورون فيها خلال مهمة أمنيّة. والسؤال الأهم: لماذا حصل التعذيب في سجن رومية؟
ما جرى في رومية لم يكن خطأً فردياً قام به عسكري هنا أو عسكريٌ هناك، بل كان عملاً منهجياً. وصورة الموقوفين جالسين القرفصاء وأيديهم مكبلة في إحدى ساحات السجن دليل على ذلك. إذ تُشير الصورة إلى أن جميع من يظهر فيها تعرّض للضرب، مثلما تُشير إلى وجود عدد من رجال الأمن.
قال وزير الداخليّة نهاد المشنوق في مؤتمره الصحافي، إنه لم يكن على علم بهذه الممارسات، وإنها ممارسات فرديّة. لكن الوزير لم ينتبه إلى أنه عرض في مؤتمر صحافي سابق مشاهد من مداهمة سجن رومية ليؤكّد عدم حصول تجاوزات. حينها، لم تُسمع صرخات الأهالي، وتجاهلها العدد الأكبر من السياسيين، وقام رئيس تيار المستقبل بتأمين الغطاء الكامل لوزير الداخليّة الذي ينتمي لفريقه السياسي. لكن أكثر ما يُشير إلى أن التعذيب بات ثقافة لا يواجهها النظام اللبناني، هو رفض عدد من القضاة الاستماع والتحقق من شكاوى التعذيب التي نقلها بعض الموقوفين الإسلاميين إلى المحاكم. لقد انحاز القاضي للجلاد.
التعذيب في لبنان ليس أمراً جديداً، ولم يرغب أحد في السلطة السياسية في مواجهته. ففي تقرير للجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب، أعدته بعثة تحقيق تابعة للجنة، ونشر ملخص "سري وعاجل جداً" عنه ونشرت "العربي الجديد" مقتطفات منه في نوفمبر/تشرين الثاني، وقد رفضت الدولة اللبنانية نشره، خلص إلى أن "التعذيب يُمارس ومورس على نحو منهجي في لبنان، لا سيما في سياق التحقيق وبغرض انتزاع الاعترافات". هذا حصل في أكتوبر/تشرين الأول 2014. لم يتغيّر أي شيء. قال التقرير حينها ما حرفيته: "أساليب التعذيب التي تلجأ إليها مختلف الأجهزة الأمنية تراوح بين الضرب وأساليب التعذيب الأكثر شدة وتعقيداً مثل "البالانكو" (تعليق المحتجز من معصميه المكبلين خلف ظهره)، و"الفروج" (التعليق من الأرجل مع ربط اليدين بقضيب حديدي تحت الركبتين)، اللذين يُقال إنهما الأسلوبان الأكثر شيوعاً". ويتحدث التقرير عن وجود تعذيب ومعدات له في غرف التحقيق لدى فرع المعلومات واستخبارات الجيش.
اقرأ أيضاً: لبنان: 3 موقوفين كل ساعة
كما أن الموقوفين الإسلاميين ليسوا أول ضحايا للتعذيب في لبنان، فقبلهم توفى إسماعيل الخطيب ونادر بيومي لدى استخبارات الجيش من دون حصول محاسبة جدية، كما تعرض عدد من الموقوفين خلال وبعد معارك نهر البارد (2007) وعبرا (2013) للتعذيب وانتهكت حقوقهم من دون أي محاسبة.
من هنا يُمكن تقديم عدد من الملاحظات التي رافقت نشر شريطي التعذيب في رومية.
1 ــ ما جرى في رومية لم يكن خطأً فردياً، بل عملاً ممنهجاً، وهو ما تحدث عنه الموقوفون وأهاليهم وعدد من المنظمات الحقوقية، وهو ما تثبته التقارير المتعلقة بالتعذيب في لبنان. وجاء شريطا الفيديو والصور ليُثبتا هذا الأمر. لذلك فإن مسؤولية ما جرى لا يُمكن أن تُحصر ببعض العناصر، بل هي تطال قيادة قوى الأمن الداخلي ووزير الداخليّة مباشرة. فإن هناك معرفة بما جرى وامتناعاً عن المحاسبة، أو أن هناك تقصيراً في متابعة أعمال مرؤوسين.
2 ــ احتاج رئيس الحكومة اللبنانية لأكثر من 24 ساعة بعد تسريب الشريطين للتحرك، في هذا الوقت كاد البلد أن يدخل في صدامات بين مواطنين والقوى الأمنيّة. هذا الأمر يؤكّد واقع أن رئيس الحكومة ينأى بنفسه عن كل القضايا الخلافية في لبنان.
3 ــ فشل تيار المستقبل ورئيسه سعد الحريري في استيعاب الشارع السنّي بعد التسريب، وهو ما يدفع لخسارة المزيد من قواعده الشعبية. وبالرغم من أن وزير العدل أشرف ريفي عمل على احتواء الشارع عبر التأكيد على إجراء التحقيقات، عمل الحريري على تبرئة ساحة المشنوق، والطلب منه ومن ريفي محاسبة المسؤولين! فالمشنوق في موقع المتهم، وليس المحاسب، خصوصاً أنه سبق أن أكّد عدم حصول تجاوزات. في المقابل سعى فريق 8 آذار إلى تحويل الأمر إلى صراع بين المشنوق وريفي.
4 ــ غابت دار الفتوى بالكامل عما جرى حتى ساعة كتابة هذا التقرير. وهذا الغياب يُضعف دور دار الفتوى، والذي يُراهن عليه تيار المستقبل في مواجهة "التطرف". فابتعاد الدار عن الساحة، يترك هذا الملف الذي يُعد أساسياً في يد هيئة العلماء المسلمين.
5 ــ لم تتحرك لجنة حقوق الإنسان في مجلس النواب، ولم يصدر أي شيء عنها، وذلك حتى كتابة هذه السطور. كما غاب معظم القوى السياسية غير السنية، ما عدا النائب وليد جنبلاط، عن هذا الملف، وكأن ما جرى تم في بلد آخر.
6 ــ تحوّل ملف إنساني بالدرجة الأولى إلى ملف مذهبي، ويتحمّل المدافعون عنه مسؤوليّة في هذا الأمر، خصوصاً أن معظمهم ينطلق من منطلقات مذهبية. لكن في الوقت عينه، يتحمّل المجتمع المدني اللبناني مسؤوليّة أساسيّة إذ لم تدع أي جهة لتحرك، وتعاملت مع الملف وكأنه ملك الإسلاميين وحدهم.
7 ــ ما جرى يؤكّد أن تعبيد الطريق أمام التيارات الإسلاميّة المتشددة مثل "داعش" و"جبهة النصرة" تتحمّل مسؤوليته بنسبة كبيرة السلطة السياسيّة.
8 ــ لا أحد أكثر من وزارة الداخلية وقوى الأمن الداخلي، يُمكن أن يُجيب عن سؤال "توقيت التسريب"، إذ إن هاتين الجهتين تعرفان تمام المعرفة هوية من صوّر ومن سرّب. لكن السؤال المهم: لماذا يحمل عناصر أمنيون هواتفهم الخاصة ويصورون فيها خلال مهمة أمنيّة. والسؤال الأهم: لماذا حصل التعذيب في سجن رومية؟
اقرأ أيضاً: لبنان: ضريبة "الحرب على الإرهاب"