شكّلت الحرب الإلكترونية العالمية وعمليات التجسس التي تقوم بها الولايات المتحدة الأميركية، نقطة خلاف رئيسية مع حلفائها الأوروبيين، ولم يعد خافياً على أحد أن الأمر بات يهدد الثقة بالحليف الأميركي، حتى أن بعض القادة باتوا محرجين أمام أحزابهم وبرلماناتهم. وقد وصل الأمر إلى حد اعتبار أن هناك حرباً خفية بين دول الاتحاد الأوروبي أنفسها، وهو ما جعل الأحزاب المعارضة في الدول الأقوى في أوروبا تعمل على كسب النقاط من هذه الفضيحة.
ويعوّل الكثير من المراقبين على "خطة حماية البيانات" الخاصة بدول الاتحاد الأوروبي التي تم التوصّل إليها أخيراً، بانتظار موافقة البرلمان الأوروبي عليها، والتي تقوم على إصلاح قواعد حماية البيانات، إضافة إلى تعزيز حرية الحركة للمستخدمين من خلال قبول بعض الوثائق العامة في الاتحاد الأوروبي.
ويؤدي الإعلام الدور الأكبر في نشر هذه الفضائح، والتي عادة ما تدعم معلوماتها بالوثائق والإثباتات، عن قيام وكالة الأمن القومي الأميركية ومكتب التحقيقات الفيدرالية، بالتنصت على خوادم شركات الإنترنت للحصول على الأحاديث الصوتية والمصورة، عدا وصولهما إلى البريد الإلكتروني وسجلات الاتصال لعملاء الشركات، والتي كشفت أن تصريحات الإدارة الأميركية في الإعلام لا يمكن صرفها في مجال السياسة والأمن.
وبنظر عدد من المتابعين، ما يمكن التوصّل إليه نتيجة هذه التسريبات، هو أن هناك "أزمة ثقة"، بعدما تجاوزت أعمال التنصت الأغراض الأمنية بحجة مكافحة الإرهاب، ومراقبة التنظيمات الإرهابية التي تعتمد على تقنيات حديثة وتطبيقات إلكترونية للتواصل والتجنيد، وتستخدم التشفير في نقل البيانات بين المستخدمين، لكن في هذه الحالة يصعب أن يقوم حليف بالتجسس على شركائه، لا سيما أن لدى هذه الدول المواقف والاستراتيجيات نفسها. وبالتالي فإن التجسس بين الحلفاء أمر بالغ الخطورة، كما أنه لا ينبغي نسيان أعمال القرصنة التي كانت ضحيتها أخيراً حواسيب البرلمان الألماني والتي تسببت بسرقة بيانات، إلا أنه لم يتأكد لغاية الآن من هي الجهة المنفذة.
ويلفت محللون إلى أنها ليست المرة الأولى التي تقوم فيها الولايات المتحدة بالتجسس على الأوروبيين، إلا أن توقيت النشر والفضائح التي تضمنتها فيها الكثير من الخصوصية هذه المرة، لا سيما أنها طالت المسؤولين والقادة الأوروبيين، ووضعت الكثير منهم في حال من الإرباك السياسي حول كيفية التعامل مستقبلاً مع الإدارة الأميركية، نظراً لما تتمتع به هذه الوثائق من مصداقية، لأن معظمها يصدر عن موظف سابق في وكالة الاستخبارات الأميركية هو إدوارد سنودن الذي وُجهت إليه التهم بسرقة المعلومات السرية من إدارته، وبالتالي لا يمكن إنكارها.
اقرأ أيضاً: 3 رؤساء فرنسيين بقبضة التنصت الأميركي...وغضب يجمع اليمين واليسار
وبعدما نشر موقع "ويكيليكس" وثائق عن تجسس وكالة الأمن القومي على الرؤساء الفرنسيين، طالب "حزب الخضر" المعارض للحكومة الألمانية بضرورة معرفة ما إذا كان هناك من تدخّل من الاستخبارات الألمانية في هذه العملية، وخصوصاً أن هناك تعاوناً في المجال الاستخباري بين البلدين، ووُجهت اللائمة منذ فترة ليست ببعيدة للأجهزة الألمانية بسبب تعاونها مع الأميركيين ضد دول الجوار الأوروبي. ومما نشره "ويكيليكس" عن المحادثات السرية للمسؤولين الفرنسيين، كان حول الأزمة اليونانية، فكشف أنه بعد لقاء بين الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، قال الرئيس الفرنسي إن ميركل تخلّت عن اليونان وإنها لا تنوي التحرك.
ويثني مراقبون على الخطوة التي قام بها مجلس وزراء العدل والداخلية في دول الاتحاد أخيراً، بالتوصّل إلى "خطة حماية البيانات"، بعد ثلاث سنوات من المفاوضات، وخصوصاً أن سياسة الخصوصية القديمة في الاتحاد الأوروبي تعود إلى ما قبل 20 عاماً، وفي ذلك الوقت كان أقل من 1 في المائة من الأوروبيين يستخدمون الشبكة العنكبوتية.
ويعتمد المبدأ الأساسي للخطة الجديدة على شعار "قارة واحدة وقانون واحد"، وبالتالي سوف يكون هناك نظام موحّد وقواعد عالية بالتساوي مع جميع المستخدمين بهدف حماية بيانات الأفراد والشركات. أما الفوائد التي يجنيها المستخدم فتقوم على سهولة حذف البيانات الشخصية والصور عن الشبكة، وأخذ موافقته قبل معالجة البيانات، كما أنه سيتاح للمستخدم اللجوء إلى السلطة الوطنية لحماية البيانات، لطلب المساعدة.
وعن التغيير الذي سيطرأ على مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي والتطبيقات المستخدمة، فسيتوجب على الشركات إعلام المستخدم على الفور ما إذا تم اختراق البيانات الخاصة به، كما سيتمتع المستخدم أيضاً بخصوصية نقل البيانات مثل البريد والصور والاتصالات. وبالتالي يمكن القول إنه يتم العمل على نقطة اتصال واحدة للمستخدمين والشركات، وسيتمكن المستخدم في أوروبا من الاستفادة من مزايا قانونية في حال تعرضه لأي اختراق.
وبحسب الخطة، وفي حال عدم التزام الشركات بالقواعد الجديدة، وتعريض غيرها من الشركات إلى انتهاكات خطيرة، سوف تُفرض عليها غرامات باهظة تصل إلى حدود 2 في المائة من مبيعاتها السنوية عالمياً، ومن المرجح أن تتأثر بهذه الأنظمة أكثر من 30 دولة صناعية وقوى عسكرية عظمى، فالقراصنة الصينيون يقومون على نطاق واسع بسرقة أسرار الصناعات الغربية، وعمل البرمجيات الخبيثة الأميركية لا يقل شأناً نظراً للتحديات التي تواجه الأمن الدولي، بعدما أصبحت القواعد الجوية والبحرية عرضة لهذه الفيروسات من خلال زرع ثغرة أمنية في أجهزتها.
وفي ألمانيا، تشير الأرقام إلى أن تطوير دائرة الاستخبارات الاتحادية، والتي تهدف إلى إنشاء "نظام الإنذار المبكر"، يتطلب ما قيمته 300 مليون يورو، والتي سوف يتم تنفيذها على مراحل من خلال رفع مستوى مهارات تكنولوجيا المعلومات. وهي لن تطال فقط التجسس الإلكتروني المعتاد وحسب، إنما الهجمات التخريبية أيضاً، من دون إغفال مدى قوة الروس والصينيين في الفضاء الإلكتروني، إضافة إلى الخبرة الهائلة التي تتمتع بها الولايات المتحدة في جمع المعلومات الرقمية واستخدامها بغض النظر عن تحالفاتها، ولتواجد وحداتها التجسسية في عشرات المواقع حول العالم من أوروبا إلى آسيا وأفريقيا.
اقرأ أيضاً: باريس تندد بالتنصت على مسؤوليها وواشنطن تنفي