فصول من كواليس الخميس الأسود في تونس: الشائعة والمؤامرة

04 يوليو 2019
السبسي خرج من المستشفى يوم الاثنين (ياسين قائدي/ الأناضول)
+ الخط -
لا تزال تونس تعيش تحت وقع الأخبار الرائجة حول "محاولة انقلابية" سعت إلى تنفيذها جهة أو جهات حاولت الاستفادة من غياب المحكمة الدستورية، ومن الضبابية التي حامت حول الحالة الصحية للرئيس الباجي قائد السبسي، إلى درجة أن هناك من تحدّث عن تعرض الرئيس إلى "تسمم". 
في صباح يوم الخميس الماضي 27 يونيو/ حزيران الماضي، شعر السبسي بارتخاء شديد جعله يفقد وعيه، عاين طبيبه الخاص وقدّر أن الحالة تقتضي إعادته إلى المستشفى العسكري الذي غادره قبل أسبوع فقط من ذلك التاريخ. بدأ القلق يهيمن على الأسرة والعاملين بالقصر الرئاسي، لكنهم فضّلوا عدم إعلام الرأي العام بما حدث. لم يمض على ذلك سوى وقت قصير حتى حصل الهجوم الأول ثم الثاني الإرهابيان في قلب العاصمة. وخيّم توقع باحتمال أن تكون هناك عمليات أخرى. في ظل تلك الحيرة التي سادت الجميع أصدرت رئاسة الجمهورية بياناً ورد فيه أن السبسي تعرض لـ"وعكة صحية حادة". وكان ذلك كافياً لانطلاق سلسلة من المناورات. إعلامياً سارعت صحيفة "الحياة" الجزائرية إلى نشر خبر عن وفاة الرئيس التونسي. لكن "المعلومة" اكتسبت مزيداً من الأهمية عندما تلقفتها مراسلة قناة "العربية"، السعودية التي تتخذ من الإمارات مقراً لها، وأكدت للقناة صحة الشائعة، مستندة في ذلك إلى ما وصفته بـ "مصادر مطلعة قريبة من القصر الرئاسي" بدون ذكر الأسماء. هكذا انتشر الخبر داخلياً وخارجياً، وبدت تونس وكأنها باخرة بدون ربان.




في تلك الأجواء المشحونة، دبّت حركة غريبة داخل مجلس النواب ليجد البرلمانيون أنفسهم يناقشون الوضع العام ويتداولون الرأي حول كيفية التصرف في حال تأكد وفاة رئيس الدولة. في هذا السياق ذكر نائب رئيس مجلس النواب، عبد الفتاح مورو، لـ"العربي الجديد"، أنه بادر بالاتصال برئيس المجلس محمد الناصر الذي يقضي إجازة مرضية، وأشعره بضرورة القدوم إلى المجلس للإشراف على اجتماع المكتب، ثم أعاد الاتصال به ليؤكد له أن الأجواء متوترة. وبعد قدوم الناصر ساعده مورو على تنظيم الاجتماع الذي ضم رؤساء الكتل. ورغم أن البعض تطرقوا إلى حالة الصحية للرئيس السبسي، ودفعوا في اتجاه دراسة احتمالات وقوع عجز مؤقت أو دائم في رئاسة الدولة، إلا أن هذا الأمر لم يتحول إلى مسألة أساسية في جدول الأعمال وتم الاكتفاء بتحديد موعد عقد جلسة عامة قبل إنهاء الاجتماع.
قام إبراهيم طوبال بتكذيب رواية مورو، وهو أحد الذين يتولون قيادة أحد شقوق حزب نداء تونس المنقسم على نفسه، وذكر في روايته أنه عندما استشعر الخطر وسمع زملاء له داخل البرلمان يتحدثون عن موت السبسي، وعن مرض رئيس البرلمان، ودعوتهم إلى تعويضه بنائبه (مورو) الذي هو قيادي في حركة النهضة، اتصل برئيس المجلس، وأرسل إليه سيارته، وأقنعه بالحضور لإفشال ما وصفه بـ"الانقلاب". ووصف الحالة داخل البرلمان بقوله "زملاء يهرولون داخل المجلس حاملين الدستور ومتحدثين عن فراغ دستوري... وهناك كاميرات مراقبة في أروقة المجلس تُثبت ذلك". ويقصد بذلك كتلة حركة النهضة المتهمة بكونها تريد استغلال هذه المناسبة للانقضاض على الحكم؟ لكن كيف؟ وبأي وسيلة؟ ومن سيرضى بذلك أو يسكت عنه؟ لا جواب.
رفض مورو هذا التشكيك في مصداقيته، وقرر التغيب عن المشاركة في الجلسة العامة، وأن يطلب من رئيس البرلمان أن يشهد ويؤكد من قام بالتواصل معه، خصوصاً أن جميع المكالمات مسجلة عبر الهاتف. في هذا السياق نفى صحبي بن فرج، النائب عن حزب تحيا تونس (بقيادة رئيس الوزراء يوسف الشاهد)، أن يكون للأخير أي علاقة بما يقال عن "مؤامرة" حصلت على هامش صحة الرئيس. وأكد بن فرج لـ"العربي الجديد" أنه لم يحصل أي سعي للانقلاب على الشرعية الدستورية وعلى المؤسسات. واعتبر أن الوضع كان يومها صعباً، وكان من الطبيعي أن يتساءل نواب الشعب عن مستقبل البلاد في ظل غياب معطيات دقيقة عن صحة الرئيس، وفي ظل المخاطر الإرهابية، إلى جانب غياب رئيس البرلمان لفترة طويلة عن أشغال المجلس. لهذا السبب دعا بن فرج إلى إجراء تحقيق جدي لكشف حقيقة ما حدث داخل البرلمان وخارجه.
كان الخميس 27 يونيو/ حزيران الماضي يوماً استثنائياً، أربك الطبقة السياسية، وتضاربت فيه الأخبار، وبلغ الأمر حد القول إن وزير الدفاع عبد الكريم الزبيدي أقدم على تشديد الحراسة على رئيس الدولة وعلى القصر الرئاسي، وإن رئيس البرلمان تحدث مع عدد من السفراء، من بينهم سفيرا الولايات المتحدة وفرنسا، لطمأنتهم على صحة رئيس الدولية.
في تلك الأجواء المشحونة والغامضة، برزت عبير موسى، التي تعتبر من أكثر السياسيين دفاعاً عن نظام المخلوع زين العابدين بن علي وعهده، والمعادية للثورة ولكل ما انبثق عنها من دستور ومؤسسات، وعملت على استغلال اللحظة لتشن حملة سياسية على الجميع، وأعلنت أمام أنصارها "من قال إن الرئيس بإرادته أو لا؟ وإن كان قد استفاق أم لا؟ وإن كان توفى أم لا؟ .. نحن لسنا سذجاً لتصديقكم". وأضافت "هناك محاولة انقلابية بطرق مختلفة ومخططات وسيناريوهات تحاك لتأجيل الانتخابات والانتفاع بالتمديد لهذه العهدة".
عاملان يفسران ما حدث في تونس: يتعلق الأول بغياب المحكمة الدستورية التي تعتبر المؤسسة الوحيدة التي منحها الدستور صلاحية معاينة الشغور الجزئي أو الكلي عندما يتعرض رئيس الجمهورية لمرض مزمن أو وفاة. أما العامل الثاني فيتعلق بأزمة الثقة العميقة التي تعاني منها مكونات الطبقة السياسية، واصطفاف بعض الأطراف ضد حركة النهضة من جهة، وأطراف أخرى ضد الشاهد من جهة أخرى، إذ يعتبره البعض "متسلقاً"، بالتالي يعملون على إبعاده بكل الوسائل قبل الانتخابات المقبلة.