فشل حفتر العسكري يدفع نحو استعادة واشنطن للملف الليبي

22 يونيو 2019
ريتشارد نورلاند السفير الأميركي الجديد إلى ليبيا (تويتر)
+ الخط -
تقترب العملية العسكرية على العاصمة الليبية طرابلس، التي أطلقها اللواء المتقاعد خليفة حفتر من شهرها الرابع، دون أن تحقق أي نتائج يمكن أن تشير إلى إمكانية نجاحها، فيما تتزايد المؤشرات على إمكانية دفع المجتمع الدولي الأطراف جنوب العاصمة إلى وقف القتال والعودة إلى طاولة التفاوض.

وكان حفتر قد أعلن في 4 إبريل/ نيسان الماضي، إطلاق عملية عسكرية لاقتحام طرابلس، بينما ردّت حكومة "الوفاق" المعترف بها دولياً، بإطلاق عملية "بركان الغضب" التابعة للجيش الليبي، لوقف أي اعتداء على العاصمة.

وجاءت عملية حفتر قبل عشرة أيام من عقد الملتقى الوطني الجامع بمدينة غدامس، الذي كان مقرراً عقده بين 14 و16 إبريل/ نيسان الماضي تحت رعاية الأمم المتحدة، بهدف حل الأزمة الليبية وإطلاق العملية السياسية، لكن تم تأجيله إلى أجل غير مسمى بسبب عملية حفتر.

وبعد أيام من تأكيد المبعوث الأممي لدى ليبيا غسان سلامة، قرب تقديم الأطراف الليبية مبادرات للحلّ، أعلن رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق فائز السراج، الأحد الماضي، مبادرة للحل السياسي تتضمن عقد ملتقى وطني يناط به تقرير مصير الدستور، وتحديد زمن للانتخابات الرئاسية والبرلمانية لا يتجاوز نهاية العام الجاري، أعقبها لقاء صحافي نشرته صحيفة مقربة مع حفتر ليل الجمعة الماضي، أشار خلاله حفتر إلى "ضرورة وجود مسار سياسي".

لكن اللافت في متغيرات الأوضاع الليبية، حديث الدبلوماسي الأميركي ريتشارد نورلاند، أمام لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأميركي الخميس الماضي، وهو يستعدّ لتولي مهامّه الجديدة سفيراً لدولته في ليبيا، مؤكداً أنّ مهمته المقبلة "تستهدف مساعدة ليبيا على إقامة حكومة مستقرة تمتاز بشرعية شعبية، بعد السعي لإنهاء القتال الدائر على تخوم طرابلس الجنوبية".

ويأتي حديث نورلاند، بعد تصريحات صحافية للقائمة بالأعمال المؤقتة في سفارة الولايات المتحدة الأميركية في ليبيا، نتالي بيكر، منتصف يونيو/ حزيران الجاري، بأن الملف الليبي أصبح بيد وزارة الخارجية.

الدور الأميركي

ويعتبر مراقبون للشأن في ليبيا، أن اندلاع الحرب جنوب طرابلس كان نتيجة خلاف دولي وإقليمي حول كيفية التعامل مع الوضع الليبي، بل يعتبرون أن الواقع الإقليمي في الجوار الليبي القريب والبعيد، هو المسؤول الأول عن تشجع حفتر على إطلاق حربه على طرابلس، وسعيه للسيطرة على العاصمة.

ورأى مدير مركز الليبي للبحوث والتنمية السياسية (أهلي) عبد الرحيم بشير، أن حديث السفير الجديد يؤكد استعادة الولايات المتحدة لدورها في ليبيا، بعد خلافات أو تضارب في الصلاحيات داخل الإدارة الأميركية أنتجها الاتصال الهاتفي، في إبريل/ نيسان الماضي، الذي أجراه الرئيس الأميركي دونالد ترامب بحفتر.

وأضاف بشير في حديث مع "العربي الجديد"، أن "تأكيد السفير إقامة حكومة وحدة وطنية ووقف إطلاق النار، يعني رأياً أميركياً ضمنياً بفشل حفتر في عمليته العسكرية وسط تراجع أنصاره الدوليين، كفرنسا التي لم تعد تصريحات مسؤوليها تعكس تحميساً لحفتر".

وبحسب بشير، فإنّ "عودة سلامة لمسرح الأحداث لا يمكن أن يكون رأياً أممياً منفرداً"، مرجحاً في الوقت نفسه أن "يكون مدفوعاً بخلاصة آراء الفاعلين الدوليين، الذين باتوا على يقين بأن حرب حفتر الاستنزافية ستطول ولن تحقق إلا نتائج كارثية".

وفي هذا الصدد، قال مدير مركز الليبي للبحوث والتنمية السياسية، إنّ "ما يهم الولايات المتحدة حدده ترامب في اتصاله، وهو الحرب على الإرهاب، وحماية المنشآت النفطية. بينما يظهر حفتر جلياً في الآونة الأخيرة أنه لا يسيطر على مناطقه ولا يمكنه تأمين المطالب الأميركية"، مشيراً إلى أن "فشل حفتر في زيارة واشنطن يعني تغيراً كبيراً في رأي البيت الأبيض".

وفيما يتفق الباحث الليبي في الشؤون السياسية مروان دويب، مع رأي بشير في عودة ليبيا إلى خريطة واشنطن، غير أنه يرى أن بلورة البيت الأبيض لرؤية خاصة بشأن الأوضاع في ليبيا سيتطلب وقتاً. وقال: "الخطوط العريضة حددها السفير الجديد وهي أهداف لم تتراجع عنها واشنطن للحل في ليبيا سياسياً".

وتابع دويب في حديثه لـ"العربي الجديد"، قائلاً: "ما من شك في أن الميدان جنوب طرابلس فرض تغيرات في الرأي الدولي، لكن الحكومة أيضاً عاجزة عن إقصاء حفتر. وما يحدث هو مجرد تغييرات تكتيكية فقط في بعض المواقع الصغيرة، ومن ثم فحفتر موجود في طرابلس"، لافتاً إلى أنّ "الرؤية الأميركية الجديدة لن تقصي أو تستثني حفتر كجزء من الحل".

وأوضح الباحث الليبي أن من أسباب تغير الموقف الدولي وخصوصاً الأميركي، سعي أطراف إقليمية داعمة لحفتر لتنظيف ملفاتها المليئة بدعم اللواء الليبي المتقاعد ومراهنتها الخاسرة عليه، وفي مقدمتها السعودية وفرنسا اللتان عاودتا رسمياً التعامل مع حكومة "الوفاق". كذلك أكد مسؤولون إماراتيون أنه "رغم الاتصالات بحفتر، إلا أن بلادهم لا تزال تتعامل مع حكومة الوفاق"، لكن كل ذلك، بحسب دويب، لا يعني انتهاء حفتر سياسياً.

ورأى دويب أن بلورة رؤية جديدة للحل، ولا سيما بعد تغير الأوضاع بسبب حرب حفتر، ستتخذ مساراً طويلاً، أوله "كيفية إقناع حكومة الوفاق بالقبول بحفتر كشريك على طاولة التفاوض مجدداً"، لافتاً إلى أنّ "تصريحات قادة المحاور بقوات الحكومة لا تزال تفرض وقف إطلاق النار والقبول بحفتر فاعلاً في المعادلة السياسية في البلاد".

وبين أن "دور البعثة الأممية أصعب من أي وقت مضى"، موضحاً أن "الثقة في حفتر اهتزت بشكل كبير، وتوفير ضمانات لقبوله بنتائج أي تسوية سياسية بات أمراً يصعب قبوله ليس داخلياً فقط بل حتى على الصعيد الدولي".

المساهمون