فريق ترامب يتجنّد لشرح التباس قرار الرئيس حول إيران

17 أكتوبر 2017
ترامب يهوى "صناعة الخبر المثير"(درو أنجيرير/ Getty)
+ الخط -
توزّع في اليومين الماضيين أقطاب فريق الأمن القومي الأميركي، باستثناء وزير الدفاع جيمس ماتيس، على البرامج الإخبارية التي تبثها قنوات التلفزة، للتعليق على أبرز أحداث الأسبوع، وليقوموا بدور محامي الدفاع عن قرار الرئيس دونالد ترامب، بشأن الاتفاق النووي مع إيران. وزير الخارجية ريكس تيلرسون، ومستشار الأمن القومي هربرت ماكماستر، والسفيرة الأميركية في الأمم المتحدة، نيكي هالي، قدموا مرافعات متناسقة في حيثياتها، استهدفت تحقيق غرضين: أولاً، الإيحاء بأن فريق الإدارة الأميركية للشؤون الأمنية والخارجية متماسك وأن خلافاته مع البيت الأبيض قد تمت تسويتها؛ ثانياً، تقليل الخسائر التي تسبب بها القرار من خلال تسويق التعليلات التي ارتكز عليها. لكن لا يبدو أن المحاولة نجحت في تحقيق أي من الغرضين. فالخلافات داخل فريق ترامب تم تجميدها مع التوافق على إدارتها، مع العلم أنه لم يعد هناك أي مجال للحد من الخسائر الناجمة عن القرار.

حاول الثلاثي تسويغ قرار الرئيس من الاتفاق النووي مع إيران عبر تقديمه في إطار الطموح إلى "تحقيق اتفاق شامل" والرغبة في إشراك الكونغرس "لإنجاز صفقة أفضل". وقد حرصوا على التركيز بأن الخطوة لا "تلغي الاتفاق" وإنما جاءت لسد فجواته ونواقصه التي تتصل بسلوك طهران في المنطقة وببرنامجها الصاروخي. لكن هذه الحيثيات للدفاع عن خطوة ترامب تفتقر للجدارة. فالمبرر مفقود، بحسب شهادة الخبراء والمعنيين كافة، باستثناء "جوقة الحرب" والمقربين جداً من إسرائيل في واشنطن.

وكان وزير الدفاع، ماتيس، أفاد أمام إحدى لجان مجلس الشيوخ، قبل أيام قليلة من قرار الرئيس، بأن الاستمرار في الاتفاق يخدم مصلحة أميركا الأمنية. وأكد رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة الجنرال جوزف دانفورد، على أهمية المضي بالاتفاق النووي. وهناك إجماع دولي وأميركي على أن إيران ملتزمة بحسن التطبيق وأن رفض قبول هذا الواقع ينطوي على مجازفة تترتب عليها عواقب ومخاطر كبيرة، على المستويات الشرق أوسطية والكورية الشمالية وحتى الدولية. وقد سمع ترامب هذا الكلام والتحذير من كبار معاونيه الذين يحترم خبراتهم ويصغي عادةً لتوجيهاتهم. مع ذلك، بقي على إصراره علماً بأنه لا يملك البديل ولا يطرح صيغة أخرى للاتفاق.

ويبقى السؤال في معرفة لماذا اختار ترامب هذه الوجهة؟ سؤال مطروح وتتنوع حوله التفسيرات. منها أن الرئيس معني الآن في هذا الوقت الذي يعاني فيه من التعثر والهبوط، بشدّ عصب قاعدته من خلال ما تيسر من ترجمة وعوده، والاتفاق النووي واحد منها وأسهلها سياسياً. ومنها أن الرئيس ملتزم بنهج تخريب كل ما يحمل توقيع سلفه باراك أوباما. فعل ذلك مع قانون الرعاية الصحية (أوباما كير)، عندما أصدر قراراً تنفيذياً، أواخر الأسبوع الماضي، يقضي بوقف تنفيذ بند هام منه يتعلق بدعم غير المقتدرين لشراء تأمين صحي. ومنها أيضاً أن ترامب يهوى "صناعة الخبر المثير" وتغيير موضوع الساعة الذي يزعجه.

قد تكون هذه التفسيرات أو بعضها، في محلها. لكن يمكن قراءة دوافع قرار الرئيس بشأن الملف النووي الإيراني، من زاوية أخرى. وينطبق عليه ما ذكره مرةً رئيس مجلس النواب الأسبق، تيب أونيل، بأن "كل السياسات الأميركية محلية"، أي أن جذورها داخلية.

والقول إن الاتفاق الإيراني "سيئ ومليء بالأعطاب"، ليس سوى للاستهلاك ولحجب حقيقة الدوافع السياسية المحلية لقرار الرفض. ولم يكن صدفة أن يغيب وزير الدفاع، ماتيس، عن المشاركة مع الثلاثي في حملة التسويق الإعلامي لقرار ترامب. وكأنه ابتعد عن الدخول في لعبة أعمق. فليس سراً أن الرئيس يخوض معركة مع الجمهوريين في الكونغرس، رداً على "تلكؤهم" في تمرير أجندة الرئيس. يساعده في ذلك مستشاره السابق، ستيف بانون، الذي أعلن حربا لا هوادة فيها على مؤسسة الحزب الجمهوري وأقطابه، وفتح معهم من اليوم، معركة انتخابات الكونغرس للعام المقبل، من خلال منافستهم على مقاعد في مجلسي النواب والشيوخ، بمرشحين محسوبين على التيار الشعبوي القومي الذي يدعم ترامب.

في المحصلة، يمكن القول إنه من خلال اتخاذه قراره الملتبس، يكون الرئيس ترامب قد نصب "فخاً" للكونغرس وبالذات للجمهوريين. فهو لديه شهران أو أكثر لاتخاذ قرار بشأن إيران. وليس أمامه سوى خيار من اثنين: إما إقرار عقوبات جديدة مع ما يترتب عليها من تأزم "قد يقود إلى مواجهة عسكرية"، خاصةً إذا قررت طهران استئناف التخصيب النووي؛ وإما ترك الأمور ضبابيةً وبالتالي مفتوحة على البقاء الملتوي للاتفاق النووي. وفي الحالتين، يمسك الرئيس ترامب بزمام المبادرة بتحميل الكونغرس مسؤولية التداعيات أو المراوحة. لكن هذه الحسابات غير مضمونة. وأجواء الكونغرس ترجح مداراة الاتفاق ولو بصورة مهتزة شبيهة بحالة الاهتزاز التي تعيشها السياسة الخارجية وفريقها.

المساهمون