"يحقّ للبرلمان إقالة رئيس الجمهوريّة إذا أخلّ بممارسة مهامه". ليست هذه العبارة تصريحاً صحافياً، وإنّما قانون صادق عليه المجلس الدستوري الفرنسي، قبل أيّام، بعد مسار طويل من الأخذ والرد، حيث كان الموضوع مجمّداً.
تعود فكرة هذا القانون أساساً، إلى وعد قطعه الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك عام 2002، لكنّ النواب لم يبدأوا بمناقشته ودراسته إلا عام 2012، وتحديداً أواخر ولاية رئاسة الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي، الذي لم يبدِ حماسة كبيرة لتحريك الملف.
وبعد مناقشة مشروع القرار عام 2012، وتبنّيه من قبل النواب في قراءة أولى، وضع المشروع في الدرج، ليبقى مجمداً حتّى وصول النائب اليميني جيرار لارشيه، إلى رئاسة مجلس الشيوخ أخيراً وتحريكه الموضوع من جديد.
وفي أواخر الشهر الماضي، صوت أعضاء مجلس الشيوخ على القرار بأغلبيّة 324 نائباً في قراءة أولى، ليعارضه 18 عضواً فقط. وتوضح مصادر برلمانية لـ"العربي الجديد"، أنّ "مسيرة إصدار هذا القرار كانت طويلة، وهذا ما يفسّر الرغبة ببقائه منسياً في السابق، ولم يكن ذلك من باب الصدفة لأن الأمر يتعلق بالرئيس".
وتقول المصادر ذاتها، إنّ "الرؤساء المتعاقبين لم يبذلوا جهوداً كبيرة من أجل تحريك القرار، أو إعطاء التوجيهات الضروريّة لمناقشته في المجلس". وعلى الرغم من أنّ مسألة إقالة الرئيس من الناحية النظريّة ممكنة، إذ ينص القانون على إمكانيّة إقالته أمام البرلمان في حال "أخلّ (الرئيس) بممارسة مهامه بموجب الدستور"، لكن يبدو أنّ "الشروط لاتخاذ هذه الخطوة غير متوفّرة"، وفق المصادر البرلمانيّة ذاتها، لعدّة أسباب، كما أنّ "ميزان القوى الحالي في المجلس لا يسمح بهذا الإجراء، في ظلّ وجود أغلبيّة اشتراكيّة حاكمة".
ويتطلب إجراء الإقالة، الحصول على ثلثي أصوات مجلس النواب ومجلس الشيوخ مجتمعين معاً، على شكل محكمة عليا، تبتّ في هذا الأمر. ويشير البند (67) إلى أنّه "لا يمكن ملاحقة الرئيس قضائياً خلال ولايته، ولكن يمكن إقالته في حال أظهر تقصيراً يتعارض مع ممارسة مهامه".
ويبدو أنّ أغرب ما في الأمر بالنسبة إلى هذا القانون، مروره مرور الكرام في فرنسا، من دون أن تُعيره الصحافة المحليّة أيّ أهميّة. ويتساءل البعض عما إذا كان ذلك يعكس حالة اللامبالاة في الشارع الفرنسي، الغارق في مشاكله اليوميّة، إذ لا يمرّ يوم من دون أن يعبّر فيه الفرنسيون عن احتجاجات وحالة التذمر على أوضاعهم، وينتقدون فيها مسؤوليهم ورئيسهم. وفي غضون ذلك، تنقل وسائل الإعلام، بصورة مستمرة، استطلاعات رأي حول شعبيّة الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، التي انحدرت إلى الحضيض.
ويعود عدم اهتمام الفرنسيين بهذا الموضوع أساساً، إلى عدم إشراك الشعب في هذه العمليّة، التي يبدو أنه لا يكترث بها من قريب أو من بعيد.
وبانتظار تأثير هذا القرار، الذي أرادت فرنسا أن يكون مشابهاً لقرار العزل، بتهمة الخيانة العظمى في الولايات المتحدة، واكتشاف ما إذا سيبقى حبراً على ورق، لكنّ المؤكّد أنّ تبنّيه استغرق 12 عاماً بعد أن فضّل ساركوزي وهولاند وضعه في الثلاجة، باستثناء شيراك، لصالح "عدم السماح بالاقتراب أو المساس بالمصلحة الرئاسيّة".