وتعد هذه المناظرة الأولى من نوعها في تاريخ الانتخابات الرئاسية الفرنسية التي تجمع بين خمسة من كبار المرشحين، وهو ما أثار غضباً شديداً في أوساط المرشحين الستة الآخرين، الذين أقصتهم القناة الأولى من هذه المناظرة، وهم فيليب بوتو مرشح "الحزب الجديد المناهض للرأسمالية"، وناتالي أرتو مرشحة "حركة النضال العمالي"، والمرشح المستقل جاك شوميناد، وفرانسوا أسلينو عن حركة "الاتحاد الشعبي الجمهوري"، ونيكولا ديبون أينيان مرشح "حركة نهوض فرنسا"، الذي غادر استوديو القناة الثانية السبت الماضي خلال البث المباشر، للتعبيرعن استيائه من استبعاد المرشحين الصغار من مناظرة هذه الليلة.
وتعتبر هذه المناظرة منعطفاً حاسماً بالنسبة إلى المرشح اليميني فرانسوا فيون، ويعول عليها كثيراً لإسماع صوته، هو الذي تراجعت شعبيته كثيراً بسبب الاتهامات التي وجهها إليه القضاء بخصوص قضية التوظيف الوهمي لزوجته وأبنائه.
وسيحاول فيون طي صفحة الفضائح القضائية وتفادي الظهور بمظهر الضحية، كما دأب على ذلك في تجمعاته الانتخابية الأخيرة، ويركز على الدفاع عن برنامجه الانتخابي.
وسيعمل فيون على استرجاع التألق الذي ميزه في مناظرات الانتخابات التمهيدية في صفوف اليمين، في مواجهة منافسيه نيكولا ساركوزي وألان جوبيه.
وستكون هذه المناظرة محكاً حاسماً بالنسبة للمرشح الوسطي وزير الاقتصاد السابق ايمانويل ماكرون، الذي ترشحه استطلاعات الرأي للفوز في الدورة الأولى من الرئاسيات، وتضعه في موقع الخصم الأساسي لمرشحة اليمين المتطرف لوبان، وهذا ما سيجعله هدفاً رئيسياً لانتقادات المرشحين الآخرين، خاصة الاشتراكي هامون واليميني فيون.
وماكرون هو الأقل تجربة من بين المرشحين الخمسة في هذه المناظرة، ولم يثبت بعد مهاراته في السجال السياسي المباشر، غير أن المقربين منه أعربوا عن ثقتهم في قدرات ماكرون على الجدال، ويراهنون على عفويته وصورته "الجذابة"، وكونه المرشح الأحدث سناً والأكثر تجسيداً لشخصية المرشح الشاب، المتمرد على الأجهزة الحزبية التقليدية.
ويعول المرشح الاشتراكي هامون على التجربة التي اكتسبها في المناظرات التي خاضها في إطار تمهيديات الحزب الاشتراكي، والتي تمكن خلالها من هزم رئيس الوزراء السابق مانويل فالس خلافاً لكل التوقعات.
وتكمن نقطة الضعف الأساسية لدى هامون في كونه يمثل الحزب الحاكم، وسيكون من الصعب عليه أن يجد موقعاً وسطاً بين انتقاده لأداء الرئيس هولاند خلال الولاية الاشتراكية الحالية، وطموحه لجذب الناخبين الاشتراكيين.
أما مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبان، فهي تدخل حلبة هذا السجال التلفزيوني بثقة كبيرة، لكونها المرشحة الأوفر حظاً للفوز بالدورة الأولى من الرئاسيات، وبفارق كبير عن منافسيها العشرة الآخرين.
ولوبان تمتلك تجربة كبيرة في المناظرات السياسية ومتعودة على النقاشات الساخنة، وتستند إلى تجربتها كمحامية متعودة على المرافعات في المحاكم.
ومن المتوقع أن تركز لوبان انتقاداتها على منافسها المباشر ماكرون، وأن تحاول منح الانطباع بكونها شخصية رزينة قادرة على تقلد كرسي الرئاسة رغم برنامجها المتطرف وشعاراتها الشعبوية.
وسيخوض مرشح اليسار الراديكالي ميلانشون المناظرة بحماس كبير كعادته، هو المتعود على توجيه الانتقادات اللاذعة إلى خصومه، مستنداً إلى تجربته في المناظرات السياسية في الانتخابات السابقة، وأيضاً مرجعتيه الثقافية كأستاذ فلسفة وممارسته المتراكمة للجدل الإيديولوجي.
ومن المنتظر أن يركز ميلانشون على انتقاد فساد النخبة السياسية ويحاول إحراج لوبان، منافسته المفضلة، بإظهار طبيعة أفكارها العنصرية والمتطرفة.
وستكون المناظرة امتحاناً حاسماً للمرشحين الخمسة، لأن السجال الانتخابي الآن انتقل إلى مرحلة دقيقة على بعد أربعين يوماً من موعد الدورة الأولى من الرئاسيات.
وسيكون على المتنافسين إظهار مدى مصداقيتهم وقدراتهم على مخاطبة كل الفرنسيين وليس فقط أنصارهم، كما أن المناظرة ستكون دفعة قوية للمرشح الذي يتوفر على كاريزما قوية تؤهله في نظر المشاهدين لحكم البلاد في الولاية الرئاسية المقبلة.