مع فوز إيمانويل ماكرون تنفست فرنسا الصعداء، مساء أمس الأحد، وسادت أجواء من الارتياح لهزيمة منافسته مارين لوبان مرشحة حزب "الجبهة الوطنية" اليميني المتطرف.
ورغم أن هزيمة لوبان كانت محسومة بالنسبة لغالبية الفرنسيين إلا أن التسريبات الإلكترونية التي حصلت ضد ماكرون قبل التصويت بـ48 ساعة خلقت مخاوف من حصول مفاجآت غير محسوبة، مثل قرصنة الانتخابات.
وجاءت النتائج لتثبت أن انتخابات فرنسا تجاوزت كل ما أحاط بانتخابات الرئاسة الأميركية التي أوصلت دونالد ترامب للبيت الأبيض من مطبات وعيوب وظواهر، حتى يمكن القول بانتصار الخصوصية الفرنسية التي يمكن تلخيصها بنقطتين؛ سقوط الدعاية الشعبوية، واقتراب استطلاعات الرأي العام من النتائج الواقعية.
انتصار ماكرون ليس حدثاً عادياً، فهو شاب (39 عاماً) في مقتبل تجربته السياسية، استطاع أن يتقدم على 10 مرشحين في الدورة الأولى، ويهزم في الدورة الثانية حزباً سياسياً يبلغ من العمر أكثر من عمره الزمني، ورغم ذلك يظل هذا الفوز محفوفاً بالمخاطر حتى أن أحد مساعدي لوبان اعتبر أن الفوز ليس في صالح ماكرون.
مع وصوله إلى الرئاسة تجاوز ماكرون نصف الطريق إلى حكم فرنسا، وبقي أمامه امتحان الانتخابات التشريعية في 11 يونيو/حزيران المقبل، حيث يتوجب عليه الحصول على أغلبية برلمانية من أجل تشكيل حكومة، وإلا فإنه سيضطر إلى التعايش مع حكومة من لون سياسي وبرنامج حكم مختلف.
في جميع الأحوال لن يتمكن ماكرون من الحصول على أغلبية برلمانية تخصه هو، لأن حركته السياسية "إلى الأمام" التي شكلها السنة الماضية حديثة العهد، ولن يكون في وسعها انتزاع أغلبية برلمانية لكونها حزب الرئيس الفائز فقط، مع الأخذ في عين الاعتبار أن قواعد اللعبة الانتخابية الرئاسية مختلفة كلياً عن البرلمانية.
يجب الاعتراف بأن الانتخابات الرئاسية أبانت عن مشهد سياسي جديد في فرنسا، وهناك اليوم ثلاث قوى رئيسية تتنافس في الساحة هي الوسط، اليمين المتطرف، واليسار الراديكالي.
وفي حين تبدو القوتان الأخيرتان واضحتي المعالم، فإن قوة الوسط قيد التشكل من يمين الحزب الاشتراكي ويسار اليمين التقليدي وبقايا يمين الوسط الذي يمثله فرانسوا بايرو أبرز حلفاء ماكرون.
ويبدو أن اعتماد ماكرون الرئيسي سيكون على جزء من الحزب الاشتراكي الذي لن يجد أمامه غير خيار الالتحاق بماكرون، ولكن من غير المعروف مدى قدرته على الاحتفاظ بمواقعه البرلمانية الحالية، لاسيما أن برنامج الاشتراكي كلاسيكي، ووصل إلى الحافة مع فرانسوا هولاند.
وفي حال لم يتمكن اليمين المتطرف من تشكيل غالبية برلمانية، فإنه سيشكل معارضة قوية في البرلمان المقبل، وهذا يعني أنه سيطرح نفسه بقوة وسيضع برنامجه على الأجندة لأول مرة، الأمر الذي عبرت عنه لوبان بإعلان نفسها زعيمة للمعارضة، وهذا موقع ذو أهمية كبيرة من الناحية السياسية، فلأول مرة يتولى اليمين المتطرف صدارة المعارضة، وله بعد رمزي يهدد التعددية والاندماج والأجانب.
انتصار ماكرون هو وقف مؤقت لليمين المتطرف، ذلك أن حصول لوبان على أصوات قرابة 11 مليونا له دلالة كبيرة، فاليمين المتطرف احتل مكاناً كبيراً في الحياة السياسية الفرنسية، ومارين لوبان حققت في الدورة الأولى نسبة 23 في المائة وفي الثانية اقتربت من 35 في المائة، ولذا فإن هذا التيار وإن خسر الرئاسية فإن حربه القادمة هي الساحة البرلمانية.
ماكرون يملك الشعبية، ولكنه لا يملك القاعدة الحزبية والآلة الحزبية التي تنخرط في العمل من اليوم من أجل الفوز في الانتخابات البرلمانية على أرضية مختلفة كلياً عن الأْرضية التي خاض على أساسها الرئاسية، ولكي يحكم بارتياح فإنه يحتاج إلى دعم سياسي متين من خلال حكومة تترجم برنامجه.