انتصرت العدالة الفرنسية، وتحديداً المحكمة الإدارية في مدينة نيس، لصالح مهاجرين قاصرين. وقررت أول من أمس الجمعة وقف قرار والي الأمن في المدينة بترحيل 19 مهاجرا قاصرا قبل أسبوع إلى إيطاليا.
ويتعلق الأمر بـ 19 مهاجراً قاصراً من أصول أفريقية، تلقوا حملة دعم غير مسبوقة بعد أن قررت السلطات الفرنسية طردهم إلى إيطاليا. إذ بادرت 23 جمعية ومنظمة إنسانية وإغاثية وطبية، من بينها "أمنستي" و"لاَسِيمَاد" و"أطباء بلا حدود" و"أطباء العالَم"، إضافة إلى بعض الكنائس، إلى انتقاد قرار السلطات الأمنية الفرنسية بترحيلهم وتهديدها لهم بترحيلهم مجدداً إن فكروا في العودة.
ولم يكن قرار المحكمة الإدارية في نيس هو الأول، والذي قوبل بانتقاد والي الأمن، جورج فرانسوا لوكلير، الذي حرص على الحضور شخصياً أمام المحكمة الإدارية للدفاع عن قرارات شرطة الحدود، بإعادة هؤلاء القاصرين إلى إيطاليا.
وحرص القاضي الإداري على تعليق قرار لوكلير لتضمنه تمييزاً حيال القاصرين. واستفاد من الحكم جميعُ المعنيين باستثناء فتاة تبيّن من الوثائق المقدمة أنها لم تَعد قاصرا.
وتجدر الإشارة إلى أن هؤلاء القاصرين، الذين ينحدر معظمهم من السودان وأريتريا ومصر، أوقفوا في فرنسا بسبب لون بشرتهم، حسب اتهامات الدفاع. ولم يتح لهؤلاء القاصرين حق الاستعانة بمحام، أو إحالتهم على مدّعي الجمهورية، أو تمكينهم من تقديم طلباتهم للحصول على اللجوء، بل أرغموا على التوقيع على مَحاضر تؤكد رغبتهم في مغادرة فرنسا.
واستعرض المحامون ظروف احتجازهم القاسية في نظر القانونين الفرنسي والدولي، مشيرين إلى صدور القرار بترحيل بعضهم بعد ليلة واحدة من احتجازهم في مراكز ضيقة.
وشدّد مسؤول الأمن الفرنسي أمام المحكمة على أن هؤلاء القاصرين لم يكن لديهم الحق في تلقي مساعدات خاصة في المكان الذي جرى فيه توقيفهم وهو محطة القطار، وبالتالي فإن الإدارة لم تُخلَّ بواجباتها.
لكن المحامين فضحوا ظروف الاعتقال وقرار الطرد إلى إيطاليا، وعدّدوا التجاوزات والانتهاكات، ومن بينها تسريع شرطة الحدود في إجراءات التخلص منهم، وعدم إخضاعهم لدراسة الحالات فردياً وبعمق، إضافة إلى إحضار وثائق معدَّة سلفا، لا تسمح للمهاجرين باتباع أي إجراء آخر.
وانتقد محامو الدفاع غياب مترجمين للمهاجرين الذين حرموا من الحرية. وانتقدوا كذلك تهاون السلطات الفرنسية التي لم تفكر بما ينتظر هؤلاء القاصرين في إيطاليا، من نوم تحت الجسور دون غذاء ولا ماء، في انتظار أن يُعيدوا محاولة الدخول إلى فرنسا.
يأتي انتصار المحكمة الإدارية في نيس لهؤلاء المهاجرين القاصرين، بعد قرارات أخرى من محاكم إدارية في مدن أخرى، خاصة في كاليه، التي دانت لجوء السلطات العمومية إلى حرمان اللاجئين والمهاجرين من ماء الشرب والاغتسال، وفرضت على سلطات المدينة السماحَ بوصول هؤلاء إلى الماء والحمامات.
ورحبت العديد من المنظمات الحقوقية والخيرية والطبية بحكم المحكمة، في وقت تسابق فيه الحكومة الفرنسية الزمن، لإقرار قانون جديد حول "الهجرة واللجوء"، يُجمع محامون وقضاة ومنظمات حقوقية وقادة سياسيون، على تشدده المفرط بما يخص الفرز بين المهاجرين، وما يتضمنه من ترحيل عشرات الآلاف من المهاجرين الذين رفضت طلبات لجوئهم في "بلد حقوق الإنسان والمواطن".
ولم تتورع السلطات الفرنسية عن إصدار أحكام قضائية زجرية ضد كل من يفكر في تقديم المساعدة للمهاجرين، كما حدث مع المزارع سيدريك هيرو، الذي دين بتهمة إيواء أكثر من 20 مهاجراً قاصراً من إريتريا.