فرنسا ترفض استعادة مواطنيها المقاتلين بصفوف "داعش"... وتكتفي بـ"الأيتام"

15 مارس 2019
ترفض فرنسا استعادة زوجات مقاتلي "داعش" وأبنائهم (فرانس برس)
+ الخط -
أعلنت وزارة الخارجية الفرنسية، اليوم الجمعة، عن استعادتها 5 من أبناء المقاتلين الفرنسيين في تنظيم "داعش" الإرهابي بسورية، وشددت على أن هؤلاء "أيتام" و"منعزلون"، وتبلغ أعمارهم الخامسة فما تحت. وأشارت إلى أنهم كانوا موجودين في "معسكر في شمال شرق سورية"، وختمت بأن "هؤلاء الأطفال كانوا موضع متابَعة طبية ونفسية، وتم تسليمهم إلى السلطات القضائية".

وإذا كان هؤلاء الأطفال قد وصلوا إلى فرنسا، حيث سيقرر القضاء إما تسليمهم إلى من تبقى من عائلاتهم، إن كانت هذه العائلات مستعدة وقادرة على ذلك، أو تسليمهم إلى أُسَر أخرى حاضنة، فإن المشكل لا يزال مطروحًا بالنسبة لأكثر من 70 طفلًا على الأقل من بين أسرى في قبضة المليشيات الكردية بسورية.


وغالبًا ما تتضارب المواقف الفرنسية الرسمية حول الموقف الذي يمكن اتخاذه تجاه أولئك المقاتلين، وأيضًا تجاه زوجاتهم وأبنائهم الموجودين بين أيدي السلطات العراقية والمليشيات الكردية في سورية.

وإذا كان الموقف العام هو تفضيل محاكمة المقاتلين منهم في العراق، وذلك عبر الاعتراف بالقضاء العراقي وبنزاهته وصلاحيته، وقد وعد الرئيس العراقي بذلك أثناء زيارته إلى باريس، وأمام الرئيس ماكرون، إلا أن أصواتًا وزارية تستدرك بأن فرنسا لن تتدخل إلّا إذا صدرت ضدهم أحكامٌ بالإعدام. في حين أن رئيس الحكومة، إدوار فيليب، اعترف، في 30 يناير/ كانون الثاني 2019، أنه يفضّل رؤية هؤلاء في فرنسا على أن يكونوا طلقاء: "هل نفضّل أن يتشتتوا، ويلتحقوا بصفوف داعش، أو يرحلوا إلى بلد آخَر من أجل مواصلة تدبير مثل هذه الأفعال؟ إذا طُردوا إلى فرنسا، ستتم محاكمتهم، وسيحكم عليهم".

ثم عاد رئيس الحكومة، في لقاء له مع قناة "بي إف إم تيفي"، يوم 6 مارس/ آذار، ليؤكد على أن فرنسا لن تستعيد أيًا من هؤلاء، مشددًا على أن العقيدة الفرنسية تؤكد دائمًا أن "الفرنسيين الذي يتوجهون إلى مناطق قتال ضدنا. حين يتمّ أسرُهُم، يُحاكَمون ويُعاقَبون في عين المكان"، إلّا في حالة أن تغير ميزان القوى يؤدي إلى تحريرهم وتشتتهم، بل وحتى عودتهم، بصفة غير قانونية، إلى فرنسا.

ويبدو أن الموقف الرسمي يتوافق مع موقف أغلبية من الفرنسيين لا تريد عودتهم إلى فرنسا، وهو موقف غير مختلف مع مواقف يمينيين فرنسيين، من حزب "الجمهوريون و"التجمع الوطني" و"انهضي فرنسا"، تطالب بتصفيتهم هناك، عبر استهدافهم.

ولا يبدو أولئك المقاتلون أنفسهم يرغبون في العودة إلى فرنسا، وقد مزّق كثيرون منهم جوازات سفرهم الفرنسية أمام عدسات الإعلام. ولكن الذي يطرح مشكلة هو النساء المعتقلات وأبناؤهنّ.

وفي هذا الصدد، كان سكرتير الدولة في الداخلية، لوران نونيز، واضحًا، حين صرّح، يوم الأربعاء، أمام لجنة الشؤون الأوروبية في مجلس النواب، أن "فرنسا لن تسمح بعودة أبناء الجهاديين الفرنسيين إذا كانوا مصحوبين بأمهاتهم"، وأضاف بأن مستقبل هؤلاء الأبناء (والذين تقدر السلطات الفرنسيين أنهم يمثلون نصف الأسرى، في أيدي الأكراد، حاليًا، البالغين 150 شخصًا)، لا يمكن فصله عن مستقبل آبائهم وأمهاتهم، و"هم يوجدون، في أغلب الحالات، مع أمهاتهم". وفي هذا الصدد يكشف الوزير الفرنسي أن فرنسا تركت للسلطات المحلية، أي لمليشيات "قوات سورية الديمقراطية"، تحديد مصير سجنائها. والنتيجة هي أن "السلطات المحلية اختارت أن يظل الأطفال مع أمهاتهم. وفي هذه الحالة، ليس ثمة عودة مقررة".

ويبدو هذا الموقف منسجمًا مع تصريح لرئيس الدولة في نهاية 2017، عن أنه توجد سناريوهات عديدة، فيما يخص أبناء المقاتلين الفرنسيين، بين من يحق لهم العودة ومن سيحاكمون مع عائلاتهم.

وهذا ما وضّحه وزير الخارجية، جان إيف لودريان، حين قال إن "أبناء الجهاديين سيكونون موضوع معالجة خاصة، كل حالة على حدة، في إطار علاقة بالصليب الأحمر وتحت مراقبة السلطات القضائية الفرنسية". وهو موقف أكده الرئيس إيمانويل ماكرون، هذا الأسبوع، حين أكد على أنه "ستتم دراسة كل حالة، من حالات هؤلاء الأطفال، على حدة".

يبقى المشكل الأصعب، وهو ملف "الأيتام"، الذي حرّك صدى قويًا في العالم وفي فرنسا، إذ رفعت شكاوى عديدة ضد الدولة أمام القضاء الفرنسي، وشكوى أخرى، يوم 28 فبراير/ شباط الماضي، تقدمت بها عائلات الأطفال الموجودين في سورية لدى لجنة حقوق الطفل التابعة للأمم المتحدة، لإلزام فرنسا بمنح حمايتها لهؤلاء القاصرين، الذين قَدموا مع آبائهم المقاتلين أو ولدوا في عين المكان. كذلك انتقدت شخصيات سياسية وفنية وقضائية وفكرية فرنسية "جمود الموقف الفرنسي" منهم، معتبرة أن الموقف الفرنسي الحالي "يتناقض مع قيمنا"، ويغذي مخاطر "تحولهم إلى قنابل موقوتة". 

ويبدو أن الضغوط قد بدأت تثمر، هذا اليوم، مع وصول هذه المجموعة الصغيرة من أبناء المقاتلين الفرنسيين في صفوف "داعش" إلى فرنسا.