أثارت أسبوعية "لوفيغارو ماغازين"، التي تتبع صحيفة "لوفيغارو" اليومية، جدلاً كبيراً، بعد نشرها ملفّاً بعنوان "مولنبيك سور ـ سين"، مزجت فيه بشكل متعمّد، بين حي مولنبيك في العاصمة البلجيكية بروكسل، والضاحية الفرنسية الفقيرة في باريس، سان دوني. كما وضعت المجلة عنواناً فرعياً هو "الإسلاموية في سان دوني في الحياة اليومية". ولم تأتِ المجلة بجديد، خصوصاً أن حملة الانتخابات الرئاسية 2017، ستكون مكرَّسة، بشكل رئيس، لهذا الموضوع.
في هذا السياق، يقول المفكر صدري الخياري لـ"العربي الجديد"، إن "موضوع الإسلاموية يعود في كل استحقاق انتخابي، منذ أن بدأ الجيل الثاني والثالث للهجرة يتواجد سياسياً في المشهد الفرنسي". كما أن الأمر ليس غريباً على مجلة وصحيفة يعمل في إطارها صحفيون وكُتّاب أعمدة لا يحملون في قلوبهم وُدّاً للمهاجرين والأجانب، كإيريك زمّور وإيفان ريوفول، الذي يتحدث صراحة عن وصول الحرب الأهلية إلى فرنسا، وآخرين.
كما أن الملف، الذي أثار امتعاض الكثير من المسلمين في فرنسا، يأتي في ظلّ "إجماع" من طرف حزب "الجمهوريون" اليميني، على أن يكون موضوع "العلمانية" حاضراً في أي انتخابات مقبلة، سواء بما يتعلق بحظر الحجاب في الجامعات، أو التخلّي عن الأطباق البديلة في المطاعم المدرسية، أو إرساء "قانون العلمانية"، أو إضافة العلمانية إلى شعارات الثورة الفرنسية الثلاثة: "الحرية والمساواة والأخوة".
وقد اختارت "لوفيغارو ماغازين" لعنوانها الداخلي: "الإسلاموية في حالة نشاط". والهدف الرئيسي من الصحيفة اليمينية الفرنسية، التي لم تُخف يوماً تأييدها لكل الحلول الأمنية، بما فيها حالة الطوارئ، هو "اكتشاف التطرف في لباس النساء المسلمات" في سان دوني. وركّزت المجلة على أن "القانون الفرنسي يَحظُر البرقع أو النقاب، وأن النساء اللواتي يرتدين هذا النوع من اللباس يحاولن، بشتى الطرق، وبذكاء، الالتفاف على هذا القانون".
كما تطرّقت المجلة الفرنسية لموضوع بعض المراكز الإسلامية، التي تُلقّن اللغة العربية، وصولاً إلى تخصيص جزء أساسي من تحقيقها لمسجد "التوحيد" في سان دوني، الذي لا تكفي سعته (3 ألاف شخص) لاستقبال المصلين كل يوم جمعة، فيؤدون صلواتهم في الشارع، وهم سيزدادون، بشكل كبير، طيلة شهر رمضان المقبل (يونيو/حزيران المقبل).
وتنقل المجلة عن أحد مسؤولي المسجد حديثه عن صراعات وحالات احتقان يعيشها الجامع، وهي صراعات تشهدها كل مساجد فرنسا، لأسباب عديدة، منها الرغبة في بسط النفوذ والتنافس. ولم يَسْلم حتى مسجد باريس الكبير من هذه الصراعات، إلى حدّ اضطرار وزير جزائري للتأكيد على أنه "مسجد جزائري".
وأضاف المسؤول للمجلة أن "مسجدنا قريبٌ جداً من كاتدرائية سان دوني، ونحن على بعد خطوتين من قبور ملوك فرنسا ومن قبر شارل مارتيل، الذي أوقف الزحف الإسلامي من الأندلس الإسبانية عام 732 في مدينة تور". قبل أن يختم حديثه قائلاً "لكننا نرفض الخضوع".
استغلت "لوفيغارو ماغازين" كلام المسؤول، وانطلقت لتعميم الحديث عن "خطر داهم يتهدد هذه الضاحية (سان دوني) وفرنسا كلها، لأن إرهابيي مولنبيك، روّعوا، بلجيكا وفرنسا وأوروبا". لكن الصحيفة لا تذكر العلاقة بين أبناء هذه الضاحية وبين الاعتداءات الإرهابية التي عرفتها فرنسا في 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2015. وحتى إن الاعتداء الوحيد الذي وقع في المنطقة، واستهدف ملعب كرة القدم "ستاد دي فرانس"، قام به إرهابيون قدموا من بلجيكا.
والملف الذي عهدت به المجلة لصحافية من أصول عربية، نجاة شريكي، لا يخلو من تناقضات كثيرة. وهو ما يدل على أن الإعلام الفرنسي والسياسيين الفرنسيين لا يبذلون مجهوداً كافياً لفهم الإسلام والمسلمين. كما أن المجلة تغوص في مسألة متاجر الألبسة التي تُصنّع ملابس إسلامية، فتستعين الصحفية بفرنسي من أصول تونسية لتكتشف معه أن "المتاجر أصبحت جماعاتية، وأنه نجد، أكثر فأكثر، متاجر للملابس الإسلامية، والمطاعم التي تقدّم اللحم الحلال أو المكتبات الدينية... وبعض الحلاّقين يتخصصون في الحلاقة للنساء المحجبات".
كما تُظهر المجلة تحيّزاً مكشوفاً في تركيزها على بعض القضايا دون غيرها، خصوصاً منح الكلام لأشخاص محددين، فتنقل عن عبد الله قوله، إن "بعض الأفراد حاولوا، في مرات عدة إقناعه بالتوجه للجهاد في سورية أو في فرنسا". ويضيف عبدالله:"لا أفهم هذه الكراهية. الكثيرون في المسجد فرحوا لاعتداءات شارلي إيبدو (مطلع العام الماضي)".
كما تنقل الصحيفة عن حسن، وهو يقول إن "كثراً فرحوا لاعتداءات الأخوَين كواشي (شارلي ايبدو)"، في حين أنه، أي حسن، يتأسف لأنه "لا أحد أراد الحديث عن حرية التعبير". ولكنه يستدرك، ويقول إن "الشباب في ضاحية سان دوني مشغولون بالمخدّرات وموسيقى الراب، أكثر من انشغالهم بالكلاشينكوف والقرآن". كما ينتقد "تقاعس السلطات، والشرطة التي لا تفعل شيئاً".
وهكذا عقدت المجلة المقارنة بين سان دوني الفرنسية ومولنبيك البلجيكية. على الرغم من أن العنوان والمقارنة لا يقولان شيئاً، بل أرادت "لوفيغارو ماغازين" التأكيد على موقفها من الاندماج في فرنسا. فإذا كان إيريك زمّور، اليهودي من أصول أمازيغية جزائرية، يريد من مسلمي فرنسا اختيار أسماء فرنسية لأبنائهم، فإن المجلة تريد من خلال هذا الملف فرض علمانية متشددة، تصل إلى درجة منع الحجاب في الأماكن العامة والجامعات.