فرنسا "التائهة" في ليبيا

08 أكتوبر 2014
تطرح فرنسا تقسيم ليبيا (جوزيف عيد/فرانس برس)
+ الخط -


انتقل موقف حكومة الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، من الداعي بقوة إلى ضرورة التدخل العسكري في ليبيا، عبر استيلاد حلف دولي، يساهم معها في توجيه ضربات عسكرية إلى الجنوب الليبي، الذي يعتقد وزير الدفاع الفرنسي جان إيف لودريان، أنه "وكر أفاعٍ للمتطرفين"، إلى موقف يُقسم ليبيا إلى أطراف عدة.

وذكر لودريان في مقابلة مع إذاعة "أر تي أل" الفرنسية، أن "الحلّ في ليبيا يجب أن يمرّ أولاً عبر تسوية للموقف السياسي في الشمال"، مؤكداً أن "الإنذار الذي أطلقته فرنسا، أدّى إلى اهتمام بلدان أخرى وإلى تعبئة الاتحاد الإفريقي كما أن الأمم المتحدة بذلت جهدا في الشأن الليبي عبر إرسال مبعوث خاص".

وأشار لودريان إلى وجود برلمانين في ليبيا في طبرق وطرابلس، مفنداً "أحدهما منتخب ديمقراطياً والآخر ما زال قائماً، ومصدرُ شرعيتِه هو المساهمة في إسقاط (نظام معمّر) القذافي". وأكد أنه "يجب أولاً العمل على جمع الأطراف بدعم من دول الجوار، متوازياً ذلك مع السلطات الليبية ودول الجوار، لتنفيذ عمليات تستهدف استئصال مصادر الإرهاب في الجنوب".

ويلاحظ أن حديث وزير الدفاع الفرنسي عن حوار في شمال ليبيا، انطلق من نظرته الخاصة إلى الجنوب، وكأنه يستشرف ليبيا من منطقة النفوذ التاريخي الاستعماري القديم، حيث احتلت فرنسا الجنوب في الحرب العالمية الثانية، كما أن وزير الدفاع الفرنسي ما زال يصرّ على محاولة حشد تحالف دولي للتدخل العسكري في تلك المنطقة.

ولا يخفي على المتابع للتحركات الفرنسية، جنوبي ليبيا، أنها تعمل على إنشاء قاعدة عسكرية، شمالي دولة النيجر، تهدف إلى منع متشددين مرتبطين بتنظيم "القاعدة"، من عبور منطقة الساحل والصحراء بين جنوب ليبيا وموريتانيا.

وبموجب الخطة الجديدة، يعمل حالياً نحو ثلاثة آلاف جندي فرنسي انطلاقاً من مالي وبوركينا فاسو والنيجر وتشاد، وهي دول تمتد عبر حزام الساحل القاحل المترامي الأطراف، بهدف دحر الإسلاميين في مختلف أنحاء المنطقة. ويُقدّم ألف جندي آخر، الدعم في مجال الإمداد والتموين في الغابون والسنغال.

ويعتبر المسؤولون الفرنسيون أن "إنشاء القاعدة العسكرية في شمال النيجر، ضرورة، من أجل وضع حدٍّ للصداع الليبي المزعج". 
وسبق لودريان أن تراجع في قابلة مع قناة "سكاي نيوز" في 15 سبتمبر/أيلول الماضي، عن تصريحات سابقة له، داعية إلى ضرورة التدخل العسكري إذ قال "إنه لم يدع إلى تدخل دولي في ليبيا، بل حذّر من إمكانية تحوّلها إلى ملاذٍ للإرهاب". وأكد أهمية دول الجوار في المسألة الليبية. واعتبر أن "ليبيا دولة تتمتع بالسيادة، لكنها لا تملك حكومة معترفاً بها من الجميع".

ووصل التغيّر والتذبذب في الموقف الرسمي الفرنسي، إلى حدّ التضارب بين تصريحات الخارجية والدفاع ومؤسسة الرئاسة الفرنسية، الأمر الذي يعتبره بعض المحللين السياسيين، تعبيراً عن عجز، إن لم يكن فشل فرنسا، في حشد موقف دولي داعم لرؤيتها الخاصة بجنوب ليبيا، خصوصاً وأن تلك الدعوات جاءت في توقيت كانت الولايات المتحدة تقود فيه حملة لحشد دولي ضد تنظيمي "الدولة الإسلامية" (داعش) و"جبهة النصرة" في العراق وسورية.

ولا يُخفى على صنّاع القرار الأوروبي والأميركي، أن الخطر الذي تحاول تسويقه فرنسا في ليبيا مبالغ فيه، كونها تملك سياسة هادفة إلى الامتداد من الجنوب الليبي إلى العمق الإفريقي، كما أن الجماعات المتشددة المشغولة حاليا بحربها مع قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، لا تمثل خطراً على أمن الطاقة الأوروبي الأميركي، أو تهديداً محتملاً وقوياً لإسرائيل، كتلك الموجودة في سورية والعراق، والتي تحتل مدناً واسعة وتسيطر على حقول نفط.

ومن اللافت للنظر أيضاً أن فرنسا دعت إلى تسوية سياسية بشمال ليبيا، وإلى حرب بجنوبها، مع أن المتابعين والمحللين وشهادات سكان الجنوب، تقلّل من أهمية الجماعات المتشددة بالجنوب مقارنة بشمال ليبيا حسب النظرة الفرنسية، إذ تنتشر هذه التنظيمات شرقي ليبيا في بنغازي ودرنة، وسرت، وصبراتة بغرب ليبيا، في حين تواجدها في الجنوب الليبي ينحصر في الشريط الحدودي مع النيجر وتشاد وتمارس مهمة تهريب البضائع والأسلحة والوقود كمجموعات تهدف إلى تحقيق الربح والمال.