أوّل ما يلفت المستمع إلى ألبوم "أينما ارتمى"، الذي أصدرته فرقة "الألف" مؤخّراً، أمران؛ الأول، هو الجهد المبذول في صنع موسيقاه (وليس ألحانه)، خصوصاً الشق الإلكتروني منها، والذي أنجزه موريس لوقا.
أما الثاني، فهو إمكانات الفنان تامر أبو غزالة الصوتية، التي برزت، خصوصاً، في قدرته على التلوين بين أشكال الأداء، الجاد والرومانسي والساخر، وبين الطبقة الغليطة والحادة وما بينهما، وإن مال إلى الصراخ الحاد في عدّة مرّات من دون مبرّر درامي تستدعيه الكلمات والانفعالات. إلى جانب ذلك، تبرز، أيضاً، قدرة أبو غزالة على الارتجال اللحني للكلمات والأشعار.
لكن هذه الأخيرة لم تكن أمراً حميداً على طول الألبوم؛ حيث يُلاحظ، أحياناً، الارتجال العشوائي، خصوصاً في الجزء الأول من الألبوم إذا ما قسّمناه إلى جزأين، يشتمل الأول على كل من الأغاني الآتية: "هولاكو" و"درس من كاماسوترا" و"الجثة" و"اعتراف" و"الخطبة الأخيرة".
يتضح في هذا القسم أنه تم صنع الموسيقى أوّلاً، ثم تُرك للمغني حرّية ارتجال اللحن عليها، في جو يذكّرنا قليلاً بأداء فرقة The Doors. يُحسب لـ أبو غزالة، وفرقة "الألف" عموماً، هذا المنهج التجريبي، لكنه، في بعض الأحيان، كان ذا أثر سلبي على بعض الألحان وأجزائها؛ حيث ضاع اللحن بين الموسيقى، وتقطيع صوتيات اللغة العربية عليها، كما فقد الكلام إيقاعاته، فبالتالي انسجامه مع الجمل الموسيقية.
في موسيقى الألبوم، تكرّر استخدام العود ضمن نطاق الباص الغليظ. أمرٌ ذو أثرٍ صوتي لافت، أدّى إلى إثراء الموسيقى، خصوصاً في المقاطع التي اتحد بها صوت العود مع البزق، من خلال جمل أقرب إلى الثيمات التركية والشامية؛ ما خلق أجواءً مميزةً مع الموسيقى الإلكترونية.
في سياقٍ آخر، يُلاحظ الأثر الشامي/ الفلكلوري في بعض أغنيات العمل، مثل "اعتراف" و"يلا تنام". كما لجأت "الألف"، على طول ألبومها، إلى قالب الثيمة المتكرّرة في حلقات، أو دوائر loops، التي ينساب فوقها اللحن المرتجل أو المؤلَّف؛ ما جعل القيمة الحقيقية للموسيقى في صناعتها أكثر منه في نغماتها.
هنا، لعبت المؤثرات دوراً مهمّاً في صناعة الموسيقى؛ إذ استُخدمت بعناية ودقّة، بهدف تغيير طبيعة صوت الآلات وصوت المغني على حدٍّ سواء، كما تميّزت من ناحية توقيت دخولها وخروجها. كذلك الأمر بالنسبة إلى النقلات اللحنية على طول الألبوم، فجاءت غير متوقّعة؛ ما انعكس على الصوت الثاني المُسجَّل للمغنّي، إذ استُخدم بحرفية في مواضع أضافت الكثير للخطوط اللحنية.
يشتمل القسم الثاني على "يلّا تنام" و"وطي الصوت" و"إيش جابكم هون". جاءت هذه الأغاني على عكس القسم الأول الذي اتّضح فيه أن الألحان وُضعت ثم جرى الارتجال عليها.
مثلاً، في القسم الثاني، اتّخذت أغنية "وطّي الصوت" من المقسوم قالباً إيقاعيّاً، حمل الكلمات التي بدت خفيفة، متأرجحةً بين عدّة لهجات عربية؛ ما أثّر على الأداء الصوتي الذي لم يكن متناسقاً. لكن، في أغنية "إيش جابكم هون"، وهي الأخيرة في العمل، عاد كل من اللحن والأداء والتوزيع إلى ما بدأ عليه الألبوم، فكانت أكثر تماسكاً وانسجاماً في جملها ونقلاتها.
يُمكن القول إن "أينما ارتمى" عملٌ تجريبي بحت، سواءً من حيث طبيعة الموسيقى، أو اختيار القصائد التي غُنّيت، مثل قصيدة "هولاكو" للشاعر العراقي الراحل سركون بولص، أو الكلمات التي ألّفها أبو غزالة، وقد راوحت بين عدّة لهجات؛ ما يجعلنا نلمس فيها أجواء الاغتراب.
إلى جانب لوقا وأبو غزالة، تضم فرقة "الألف" كلاً من خيام اللامي (عود) وخالد ياسين (درامز وإيقاع) وبشار فران (باص)، وقد تأسست عام 2012 بمبادرة من اللامي، وعملوا معاً طوال ثلاث سنوات إلى أن صدر ألبومهم الأول "أينما ارتمى" عن "تسجيلات نوى".
اقرأ أيضاً: ياسمين حمدان: أرتجل هويتي