فرضيات الفردي والجماعي

11 يونيو 2016

موقع العملية الفدائية في تل أبيب (8/6/2016/Getty)

+ الخط -
لم يكن عدم تبني أيٍّ من الفصائل الفلسطينية للعملية الفدائية في تل أبيب مستغرباً، بل ربما هو جزء أساسي من التحوّل في العمل المقاوم في الأراضي الفلسطينية، منذ الهبّة الشعبية في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. خلال هذه الفترة، شهدت الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتحديداً الضفة الغربية، عمليات دهس وطعن عديدة، لم تخرج أية فئة فلسطينية لتعلن مسؤوليتها عنها، وبالتالي، بقيت العمليات في إطار العمل الشعبي المقاوم والناقم على الاحتلال.
تفسير المسألة يسير في منحيين، للأول علاقة برغبة الفصائل المنفذة في عدم الإعلان عن مسؤوليتها. والثاني هو أن تكون العمليات فعلاً نابعة من تخطيط فردي، لم يعد يؤمن أساساً بالعمل الفصائلي، وهو حال فلسطينيين كثيرين.
في ما يخص المنحى الأول، يستبعد كثيرون أن يكون الأمر مرتبطاً باستراتيجية للفصائل الفلسطينية في إدارتها المعركة مع الاحتلال، خصوصاً الفاعلة في الضفة الغربية، والتي تحاول استغلال أية مناسبة للإشارة إلى بقائها على قيد الحياة. الأمر قد يكون محتملاً بالنسبة إلى حركتي حماس والجهاد الإسلامي، ولا سيما الأولى التي تحرص على تجنيب قطاع غزة حرباً جديدة في الظروف الحالية، وبالتالي إبقاء عملها، إن حصل، بعيداً عن الأضواء الإعلامية.
لكن النظر إلى تاريخ العمل الفصائلي الفلسطيني وتجاربه مع الاحتلال لا يرجّح مثل هذه الفرضية، ولا سيما أن الترحيب بالنسبة إلى إسرائيل يوازي إلى حد كبير التبنّي، وهو ما أشارت إليه وسائل إعلام إسرائيلية عديدة في معرض تحليلها عملية تل أبيب. إضافة إلى أن المنفذين لا يزالان على قيد الحياة، وأي مؤشر لانتماء أي منهما إلى فصيل عسكري فلسطيني لن تغفله إسرائيل، وستستغله لتوجيه أصابع الاتهام، وهو ما لم يحصل حتى الآن.
تبقى الفرضية الثانية، وهي الأكثر ترجيحاً، بالنظر إلى العمليات السابقة التي شهدتها الهبّة الفلسطينية على مدى الشهور التسعة الماضية. عمليات كانت مؤشرات كثيرة فيها تدل على عمل فردي مع قليل من التخطيط، وهو ما ظهر في عمليات الطعن التي لم تنجح في معظمها، إضافة إلى محاولات الدهس. أمور زكّت تسمية "الذئاب المنفردة" التي تستعملها الولايات المتحدة في إشارتها إلى الأخطار الفردية غير المرتبطة عضوياً بتنظيماتٍ، في إشارة تحديداً إلى تنظيمي القاعدة وداعش.
تغفل التسمية التي تعتمدها بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية، في إشارتها إلى منفذي الهجمات،  فوارق كثيرة في أثناء إسقاط المصطلح الأميركي على الفلسطينيين، وتحاول ترويجه على أن الخطر نفسه الذي تعيشه الولايات المتحدة ماثل اليوم في دولة الاحتلال، ووصل إلى تل أبيب.
بغضّ النظر عن النيات الإسرائيلية من ترويج المصطلح، تبقى الإشارة إلى الطابع الفردي للعمليات هي المهمة هنا. طابع من الواضح أنه آخذ بالتطور، ليصبح أكثر تنظيماً وتخطيطاً، على غرار العملية في تل أبيب، أخيراً، والتي تشير، بوضوح، إلى أن العمل عليها لم يكن ابن ساعته، أو أن منفذيها قرّرا صباحاً الانتقال إلى تل أبيب، وتم لهما ذلك بهذه البساطة. من المؤكد أن الأمر استغرق تحضيراتٍ مرت بمراحل متعددة، بدايةً من الحصول على السلاح، وهو ليس شديد الصعوبة، خصوصاً إذا كان هذا السلاح يصنّع محلياً في الضفة الغربية على غرار "كارلو". ثم الانتقال إلى داخل فلسطين المحتلة، والتنكر في زي متشدّدين يهوديين، وانتقاء مكان الهجوم القريب من وزارة الدفاع الإسرائيلية.
تؤشر مثل هذه الخطوات إلى أن الطابع الفردي، إن كانت هذه حال عملية تل أبيب، بدأ يأخذ منحىً جماعياً أكثر، لكن ليس تنظيمياً.
حسام كنفاني
حسام كنفاني
صحافي لبناني، يشغل حاليًا منصب مدير قطاع الإعلام في فضاءات ميديا، له منشورات في عدّة صحف لبنانية وعربية. يعمل في مجال الصحافة منذ أكثر من 25 عامًا، وهو من مؤسّسي موقع وصحيفة "العربي الجديد".