11 نوفمبر 2024
فرص إقالة ترامب في مجلس الشيوخ بعد قرار عزله في "النواب"
وجّه مجلس النواب الأميركي، رسميًا، في 18 كانون الأول/ ديسمبر 2019، تُهمتين إلى الرئيس دونالد ترامب: إساءة استخدام السلطة وعرقلة عمل الكونغرس. وقد جرى التصويت على أساس حزبي؛ حيث صوّت النواب الديمقراطيون لصالح القرار، في حين عارضه الأعضاء الجمهوريون. وبهذا يكون ترامب ثالث رئيس أميركي يتعرّض لقرار الاتهام تمهيدًا للعزل من مجلس النواب، ورابع رئيس تُوجّه إليه اتهامات نيابية. وبحسب الدستور الأميركي، ينبغي أن تُرفع القضية إلى مجلس الشيوخ الذي سيقوم بدور هيئة محلفين قضائية، للنظر في إقالة ترامب من منصبه أو تبرئته، في حين يتحوّل دور مجلس النواب إلى هيئة ادّعاء، عبر ممثلين من أعضائه يعيّنهم لهذا الغرض.
أسباب العزل
تعود خلفية الاتهامات الموجّهة إلى ترامب إلى ما كشف عنه مسؤول استخباراتي أميركي اطّلع على وقائع مكالمة هاتفية جرت في 25 تموز/ يوليو 2019 بين ترامب ونظيره الأوكراني، فلاديمير زيلينسكي، ضغط خلالها ترامب من أجل إجراء تحقيقٍ بشأن منافسه الديمقراطي المحتمل، جو بايدن، وابنه، بتهم فساد. كما ضغط ترامب للتحقيق في مزاعم وجود تدخل أوكراني خلال فترة حكم الرئيس الأوكراني السابق، بترو بوروشنكو، في الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2016 التي فاز فيها ترامب، وتقول الأجهزة الاستخباراتية الأميركية إن روسيا هي من حاولت التأثير فيها. وبحسب المسؤول الاستخباراتي، طلب ترامب ذلك "خدمةً" من زيلينسكي، وهو ما يحظُره القانون الفدرالي لمصالح شخصية أو انتخابية.
وكان نجل بايدن، هنتر، قد عمل، خلال فترة تولّي والده منصب نائب الرئيس في إدارة باراك أوباما، مع شركة طاقة أوكرانية، وخلال تلك الفترة، ضغطت إدارة أوباما على أوكرانيا للتصدّي للفساد إذا ما أرادت تلقّي مساعدات أميركية. ويزعم ترامب أن بايدن ضغط على
الرئيس الأوكراني، حينها، لعدم التعرّض لابنه عبر توجيه تهم فساد إليه، إلا أنه لا توجد أدلة على ذلك، لا أميركيًا ولا أوكرانيًا. وفي 12 آب/ أغسطس 2019 قدّم المسؤول الاستخباراتي شكوى رسمية إلى رئيسي لجنتي الاستخبارات في مجلسي النواب والشيوخ حول المكالمة. وينص القانون الأميركي على حماية هوية "المبلّغ". وفي 24 أيلول/ سبتمبر 2019، أطلقت لجنة الاستخبارات في مجلس النواب تحقيقًا رسميًا حول الشكوى، وتوصلت، من خلال الاستماع إلى 17 مسؤولًا في إدارة ترامب ممن قبلوا الإدلاء بشهاداتهم، إلى أن الرئيس اشترط تقديم مساعداتٍ عسكريةٍ لأوكرانيا بقيمة 391 مليون دولار، سبق للكونغرس أن أقرّها، فضلًا عن عقد اجتماع مشترك في البيت الأبيض طلبه زيلينسكي، بقبول أوكرانيا المساهمة في تلطيخ سمعة بايدن، والمسّ بحظوظه الانتخابية بوصفه مرشحًا مفترضًا عن الحزب الديمقراطي، وهو ما يُعدّ دعوة غير قانونية لتدخل أجنبي في الانتخابات الرئاسية عام 2020.
وباستثناء نشر النص التقريبي للمحادثة الهاتفية بين ترامب وزيلينسكي، بضغطٍ من مجلس النواب، رفضت إدارة ترامب التعاون مع لجنتي الاستخبارات والقضاء في مجلس النواب، بما في ذلك تحدّي أوامر الاستدعاء لمسؤولين فيها للمثول أمامهما، فضلًا عن رفض الإدارة تقديم وثائق طلبتهما اللجنتان. وقد دفع ذلك مجلس النواب الى إضافة تهمة عرقلة عمل الكونغرس إلى تهمة إساءة استخدام السلطة لتبرير قرار عزل ترامب.
إجراءات العزل والإقالة
ينصّ الدستور الأميركي في المادة الأولى، القسم 2، البند 5، على أن لمجلس النواب وحده السلطة الحصرية لإقرار لائحة اتهام للرئيس، تمهيدًا لعزله؛ في حين أن لمجلس الشيوخ وحده، حصريًا، بحسب المادة الأولى، القسم 3، البند 6، حقَّ محاكمته بتلك التهم وتبرئته أو إقالته. كما ينص الدستور في مادته الثانية، القسم 4، على أنه يمكن إدانة الرئيس وإقالته في مجلس الشيوخ، بناء على الاتهامات الموجهة إليه في مجلس النواب بتُهم "الخيانة، أو الرشوة، أو غيرهما من الجرائم والجنح الكبيرة". وإذا كانت الخيانة والرشوة واضحتيْن، فإن الدستور لا يعرف "الجرائم والجنح الكبيرة"، وهذا ما أثار الغموض في حالاتٍ سابقة، كما في محاولة إقالة الرئيس الأسبق، بيل كلينتون، عام 1998، بسبب حنثه باليمين، وهو ما يثير غموضًا اليوم أيضًا في محاكمة ترامب؛ إذ هل يرقى ما ارتكبه إلى "الجرائم والجنح الكبيرة"؟ هذا الأمر سيُترك قراره لمجلس الشيوخ وحده. ومن المتفق عليه أن محاكمة الرئيس، أو غيره من الموظفين المدنيين الكبار في الكونغرس، هي محاكمة سياسية لا قانونية، بمعنيين: أن نتائجها سياسية، لأنها لا تنتهي بعقوبات جنائية مثل السجن وغيره، بل بالعزل من المنصب. وأن الولاء الحزبي يؤدي دورًا مهمًا في عملية صنع القرار، مع أن المتوقع من ممثلي الشعب أن يتمتّعوا بالأمانة والاستقامة.
بعد أن صوّت مجلس النواب على لائحة الاتهام ضد ترامب، وهو الأمر الذي يتطلب دستوريًا
أغلبية بسيطة (50+1)، يُفترض أن تتحوّل القضية إلى مجلس الشيوخ، ليبدأ إجراءات المحاكمة مطلع عام 2020. وفي هذه الحالة، يقوم مجلس النواب بتعيين "مفوّضين" يؤدّون دور الادعاء أمام مجلس الشيوخ الذي سيقوم بدور هيئة المحلفين. وينص الدستور على أن يرأس رئيس المحكمة العليا جلسات المحاكمة في مجلس الشيوخ، وتتم إدانة الرئيس وإقالته بموافقة ثلثي الأعضاء في المجلس (67 من أصل 100 عضو). وفي حال فشل مجلس الشيوخ في إدانة الرئيس، فإنه يبقى "متّهمًا" وليس "مشتبهًا به" فقط، والصفة الأخيرة تلازمه دومًا باعتبارها حقًا حصريًا لمجلس النواب، إلا أنه لم تتم إدانته أو إقالته، لأن هذا حقّ حصري لمجلس الشيوخ.
وفي حال تمّت إدانة الرئيس، وإقالته في مجلس الشيوخ، فإن هذا يعدّ حكمًا نهائيًا غير قابل للاستئناف، ويمكن لمجلس الشيوخ أن يتبع ذلك بتصويتٍ آخر يقضي بحرمان الرئيس من الترشّح لمنصب مستقبلي، وهذا الأمر يتطلب أغلبية بسيطة (50 +1). ومع ذلك، لا تعني إدانة الرئيس وإقالته أن الكونغرس يملك صلاحية إرساله إلى السجن؛ إذ هذه محاكمة سياسية تنتهي إما بعزل الرئيس أو ببقائه في منصبه، ولكن يمكن متابعة الرئيس على نحوٍ مستقل قضائيًا بناء على تهم جنائية. وبموجب التعديل الدستوري الخامس والعشرين لعام 1967، فإنه في حالة إقالة مجلس الشيوخ للرئيس، يتولّى نائب الرئيس الرئاسة، ثم يرشِّح نائبًا له، ولا بد من أن يحظى النائب بموافقة أغلبية مجلسي الكونغرس: النواب والشيوخ.
فرص الإقالة
لا تُخفي الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ أنها ذاهبةٌ باتجاه تبرئة الرئيس؛ عبر محاكمةٍ سريعةٍ تتحكّم في إيقاعها أو حتى من دون محاكمة. لهذا قررت رئيسة مجلس النواب، نانسي بولوسي، عدم رفع التّهم رسميًا إلى مجلس الشيوخ، وعدم تعيين "مفوّضين" للادعاء قبل أن تتفق الأغلبية الجمهورية مع الأقلية الديمقراطية في مجلس الشيوخ على طبيعة إجراءات
المحاكمة واستدعاء شهود من الإدارة رفضوا الشهادة أمام اللجان النيابية. ولأنه لا توجد سابقة لهذه الحالة، فقد ظهر خلاف دستوري في المسألة، حول إن كان الرئيس قد وُجِّهَ إليه الاتهام فعليًا؛ فثمة رأي يقول إن الرئيس لم يُتّهم رسميًا من مجلس النواب ما دامت التّهم لم تُرفع إلى مجلس الشيوخ. في حين أن رأيًا دستوريًا آخر، يبدو أنه أقوى، يقول إن الرئيس قد اتُّهم رسميًا، لأن صلاحية الاتهام هي حق حصري لمجلس النواب، سواء بمحاكمة في مجلس الشيوخ أو من دونها.
وعلى الرغم من أن الأدلة على أن الرئيس حاول توظيف صلاحياته الرئاسية الواسعة لخدمة أهداف سياسية خاصة به، فإن النواب الجمهوريين مستمرّون في دعم الرئيس والدفاع عنه، لأن ترامب يحظى بتأييد قواعد الحزب الجمهوري بنسبة تضاهي 89%، وكل من سيتجرأ على تحدّيه أو التصويت ضده داخل الحزب قد ينتهي به الأمر خاسرًا مقعده في مجلس الشيوخ. ولعل هذا ما جعل كل الأعضاء الجمهوريين في مجلس النواب يصوّتون ضد قرار عزله.
الأمر الآخر الذي يعزّز فرضية فشل محاولة إدانة ترامب وإقالته في مجلس الشيوخ أن استطلاعات الرأي تشير إلى أن غالبية الأميركيين لا يؤيدون ذلك؛ فقد أشار استطلاع رأي لـ "رويترز/ إبسوس" نُشر بعد يوم من التصويت على عزل ترامب في مجلس النواب إلى أن أقل من نصف الأميركيين يقولون إنه ينبغي إطاحته في مجلس الشيوخ، مع أن غالبيتهم يروْن مذنبا بالاتهامين الموجهين إليه؛ إذ يرى 53% من الأميركيين أن ترامب أساء استخدام السلطة، بينما يرى 51% أنه عرقل عمل الكونغرس. وإجمالًا، فإن 44% فقط من الأميركيين قالوا إنهم يوافقون على تعامل مجلس النواب مع مساءلة ترامب، بينما عارض 41% ذلك. وعندما سُئلوا عن شعورهم تجاه الرئيس بعد الإجراء الخاص بالمساءلة، قال 26% إنهم أصبحوا أكثر تأييدًا لترامب الآن، بينما قال 20% إنهم أقلّ تأييدًا، في حين قال 48% إن ذلك لم يغيّر من وجهة نظرهم.
مأزق الديمقراطيين
أفاد استطلاع أجرته مؤسسة "غالوب" صباح اليوم الذي صوّت فيه مجلس النواب على عزل ترامب، وقبل إجراء التصويت فعليًا، إلى أن مستوى الرضا عن عمل ترامب ارتفع من 39% إلى 45%، كما أن نسبة الدعم لإقالته انخفضت من 52% إلى 45%. وهذا تحديدًا ما كانت تخشاه رئيسة مجلس النواب، نانسي بيلوسي عندما قاومت مدة عشرة أشهر تقريبًا
الدعوات المتزايدة داخل حزبها للتصويت على عزل ترامب، إلا أنها وجدت نفسها، في النهاية، مضطرّة إلى المضي في هذا الطريق، بعد أن أكد ترامب في مؤتمر صحفي في تشرين الأول/ أكتوبر 2019 أنه أجرى المكالمة مع الرئيس الأوكراني، وأنه لا يرى فيها مخالفةً دستورية. حينها تقلصت مساحة المناورة أمام بيلوسي داخل حزبها، حيث كانت دعوات عزل ترامب تتصاعد فيه، فضلًا عن أن ترامب، باعترافه بإجراء المكالمة، وضعها أمام مسؤولية دستورية منوطة بمجلس النواب للتحقيق في الأمر، وتحديد إن كان الرئيس قد ارتكب جريمةً أو جنحةً تستوجب عزله.
ولعل ما يؤكّد معضلة الديمقراطيين في هذا السياق أن قيادتهم في مجلس النواب رفضت توجيه تهمة ثالثة إلى ترامب هي عرقلة سير العدالة، استنادًا إلى تقرير المحقق الخاص بالتدخل الروسي، روبرت مولر، الذي لم يبرّئه في تموز/ يوليو 2019 من هذه التهمة، كما أنه لم يوجّهها إليه صراحة. وكان من ضمن حسابات الديمقراطيين في هذا السياق أن توجيه هذه التهمة يهدّد مقاعد أكثر من 20 نائبًا ديمقراطيًا انتُخبوا أواخر عام 2018 في مناطق فاز فيها الحزب الجمهوري عام 2016؛ أي إن هذا يهدد الأغلبية الديمقراطية في انتخابات 2020.
خاتمة
تبرز قضية عزل الرئيس ترامب مقدار الانقسام والفوضى وتداعي القيم التي تعيشها الحياة السياسية الأميركية، خصوصا بوجود رئيسٍ لديه الاستعداد لاستخدام كل الوسائل لتحقيق مصالحه الشخصية، حتى لو أدّى ذلك إلى الإضرار بمصالح بلاده وصورتها في العالم، ولعل هذا ما يدفع خصومه إلى المضي لاحتواء ضرره. ويرى هؤلاء أنهم حتى لو فشلوا في إقالته، فقد تمكّنوا على الأقل من الانتصار للقيم الأميركية بجعل ترامب رسميًا ثالث رئيس في التاريخ الأميركي يحمل لقب "المتهم تمهيدًا للعزل" Impeached، وهذه بحد ذاتها وصمةٌ ستطلخ إرثه الرئاسي إلى الأبد.
وكان نجل بايدن، هنتر، قد عمل، خلال فترة تولّي والده منصب نائب الرئيس في إدارة باراك أوباما، مع شركة طاقة أوكرانية، وخلال تلك الفترة، ضغطت إدارة أوباما على أوكرانيا للتصدّي للفساد إذا ما أرادت تلقّي مساعدات أميركية. ويزعم ترامب أن بايدن ضغط على
وباستثناء نشر النص التقريبي للمحادثة الهاتفية بين ترامب وزيلينسكي، بضغطٍ من مجلس النواب، رفضت إدارة ترامب التعاون مع لجنتي الاستخبارات والقضاء في مجلس النواب، بما في ذلك تحدّي أوامر الاستدعاء لمسؤولين فيها للمثول أمامهما، فضلًا عن رفض الإدارة تقديم وثائق طلبتهما اللجنتان. وقد دفع ذلك مجلس النواب الى إضافة تهمة عرقلة عمل الكونغرس إلى تهمة إساءة استخدام السلطة لتبرير قرار عزل ترامب.
إجراءات العزل والإقالة
ينصّ الدستور الأميركي في المادة الأولى، القسم 2، البند 5، على أن لمجلس النواب وحده السلطة الحصرية لإقرار لائحة اتهام للرئيس، تمهيدًا لعزله؛ في حين أن لمجلس الشيوخ وحده، حصريًا، بحسب المادة الأولى، القسم 3، البند 6، حقَّ محاكمته بتلك التهم وتبرئته أو إقالته. كما ينص الدستور في مادته الثانية، القسم 4، على أنه يمكن إدانة الرئيس وإقالته في مجلس الشيوخ، بناء على الاتهامات الموجهة إليه في مجلس النواب بتُهم "الخيانة، أو الرشوة، أو غيرهما من الجرائم والجنح الكبيرة". وإذا كانت الخيانة والرشوة واضحتيْن، فإن الدستور لا يعرف "الجرائم والجنح الكبيرة"، وهذا ما أثار الغموض في حالاتٍ سابقة، كما في محاولة إقالة الرئيس الأسبق، بيل كلينتون، عام 1998، بسبب حنثه باليمين، وهو ما يثير غموضًا اليوم أيضًا في محاكمة ترامب؛ إذ هل يرقى ما ارتكبه إلى "الجرائم والجنح الكبيرة"؟ هذا الأمر سيُترك قراره لمجلس الشيوخ وحده. ومن المتفق عليه أن محاكمة الرئيس، أو غيره من الموظفين المدنيين الكبار في الكونغرس، هي محاكمة سياسية لا قانونية، بمعنيين: أن نتائجها سياسية، لأنها لا تنتهي بعقوبات جنائية مثل السجن وغيره، بل بالعزل من المنصب. وأن الولاء الحزبي يؤدي دورًا مهمًا في عملية صنع القرار، مع أن المتوقع من ممثلي الشعب أن يتمتّعوا بالأمانة والاستقامة.
بعد أن صوّت مجلس النواب على لائحة الاتهام ضد ترامب، وهو الأمر الذي يتطلب دستوريًا
وفي حال تمّت إدانة الرئيس، وإقالته في مجلس الشيوخ، فإن هذا يعدّ حكمًا نهائيًا غير قابل للاستئناف، ويمكن لمجلس الشيوخ أن يتبع ذلك بتصويتٍ آخر يقضي بحرمان الرئيس من الترشّح لمنصب مستقبلي، وهذا الأمر يتطلب أغلبية بسيطة (50 +1). ومع ذلك، لا تعني إدانة الرئيس وإقالته أن الكونغرس يملك صلاحية إرساله إلى السجن؛ إذ هذه محاكمة سياسية تنتهي إما بعزل الرئيس أو ببقائه في منصبه، ولكن يمكن متابعة الرئيس على نحوٍ مستقل قضائيًا بناء على تهم جنائية. وبموجب التعديل الدستوري الخامس والعشرين لعام 1967، فإنه في حالة إقالة مجلس الشيوخ للرئيس، يتولّى نائب الرئيس الرئاسة، ثم يرشِّح نائبًا له، ولا بد من أن يحظى النائب بموافقة أغلبية مجلسي الكونغرس: النواب والشيوخ.
فرص الإقالة
لا تُخفي الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ أنها ذاهبةٌ باتجاه تبرئة الرئيس؛ عبر محاكمةٍ سريعةٍ تتحكّم في إيقاعها أو حتى من دون محاكمة. لهذا قررت رئيسة مجلس النواب، نانسي بولوسي، عدم رفع التّهم رسميًا إلى مجلس الشيوخ، وعدم تعيين "مفوّضين" للادعاء قبل أن تتفق الأغلبية الجمهورية مع الأقلية الديمقراطية في مجلس الشيوخ على طبيعة إجراءات
وعلى الرغم من أن الأدلة على أن الرئيس حاول توظيف صلاحياته الرئاسية الواسعة لخدمة أهداف سياسية خاصة به، فإن النواب الجمهوريين مستمرّون في دعم الرئيس والدفاع عنه، لأن ترامب يحظى بتأييد قواعد الحزب الجمهوري بنسبة تضاهي 89%، وكل من سيتجرأ على تحدّيه أو التصويت ضده داخل الحزب قد ينتهي به الأمر خاسرًا مقعده في مجلس الشيوخ. ولعل هذا ما جعل كل الأعضاء الجمهوريين في مجلس النواب يصوّتون ضد قرار عزله.
الأمر الآخر الذي يعزّز فرضية فشل محاولة إدانة ترامب وإقالته في مجلس الشيوخ أن استطلاعات الرأي تشير إلى أن غالبية الأميركيين لا يؤيدون ذلك؛ فقد أشار استطلاع رأي لـ "رويترز/ إبسوس" نُشر بعد يوم من التصويت على عزل ترامب في مجلس النواب إلى أن أقل من نصف الأميركيين يقولون إنه ينبغي إطاحته في مجلس الشيوخ، مع أن غالبيتهم يروْن مذنبا بالاتهامين الموجهين إليه؛ إذ يرى 53% من الأميركيين أن ترامب أساء استخدام السلطة، بينما يرى 51% أنه عرقل عمل الكونغرس. وإجمالًا، فإن 44% فقط من الأميركيين قالوا إنهم يوافقون على تعامل مجلس النواب مع مساءلة ترامب، بينما عارض 41% ذلك. وعندما سُئلوا عن شعورهم تجاه الرئيس بعد الإجراء الخاص بالمساءلة، قال 26% إنهم أصبحوا أكثر تأييدًا لترامب الآن، بينما قال 20% إنهم أقلّ تأييدًا، في حين قال 48% إن ذلك لم يغيّر من وجهة نظرهم.
مأزق الديمقراطيين
أفاد استطلاع أجرته مؤسسة "غالوب" صباح اليوم الذي صوّت فيه مجلس النواب على عزل ترامب، وقبل إجراء التصويت فعليًا، إلى أن مستوى الرضا عن عمل ترامب ارتفع من 39% إلى 45%، كما أن نسبة الدعم لإقالته انخفضت من 52% إلى 45%. وهذا تحديدًا ما كانت تخشاه رئيسة مجلس النواب، نانسي بيلوسي عندما قاومت مدة عشرة أشهر تقريبًا
ولعل ما يؤكّد معضلة الديمقراطيين في هذا السياق أن قيادتهم في مجلس النواب رفضت توجيه تهمة ثالثة إلى ترامب هي عرقلة سير العدالة، استنادًا إلى تقرير المحقق الخاص بالتدخل الروسي، روبرت مولر، الذي لم يبرّئه في تموز/ يوليو 2019 من هذه التهمة، كما أنه لم يوجّهها إليه صراحة. وكان من ضمن حسابات الديمقراطيين في هذا السياق أن توجيه هذه التهمة يهدّد مقاعد أكثر من 20 نائبًا ديمقراطيًا انتُخبوا أواخر عام 2018 في مناطق فاز فيها الحزب الجمهوري عام 2016؛ أي إن هذا يهدد الأغلبية الديمقراطية في انتخابات 2020.
خاتمة
تبرز قضية عزل الرئيس ترامب مقدار الانقسام والفوضى وتداعي القيم التي تعيشها الحياة السياسية الأميركية، خصوصا بوجود رئيسٍ لديه الاستعداد لاستخدام كل الوسائل لتحقيق مصالحه الشخصية، حتى لو أدّى ذلك إلى الإضرار بمصالح بلاده وصورتها في العالم، ولعل هذا ما يدفع خصومه إلى المضي لاحتواء ضرره. ويرى هؤلاء أنهم حتى لو فشلوا في إقالته، فقد تمكّنوا على الأقل من الانتصار للقيم الأميركية بجعل ترامب رسميًا ثالث رئيس في التاريخ الأميركي يحمل لقب "المتهم تمهيدًا للعزل" Impeached، وهذه بحد ذاتها وصمةٌ ستطلخ إرثه الرئاسي إلى الأبد.