10 ابريل 2019
فردوس الهجرة وجحيم المتوسط
ليسوا أحياءً من يتخذون قرار مغامرة الغرق المحتوم في مياه البحر الأبيض المتوسط، بل هم أمواتٌ بطريقةٍ ما. وعلى الرغم من فظاعة أحداث الموت، لا يجرؤ الناس على الضفة الأخرى على السؤال عما هو الأسوأ من مواجهة الموت، وهو ما حمل هؤلاء المهاجرين من أفريقيا على ركوب أمواج المتوسط الهائجة التي قد توصلهم، وقد لا تفعل.
يفكّر الاتحاد الأوروبي، وهو على أهبة الاستعداد لاتخاذ قرار بشأن عملية عسكرية في البحر المتوسط ضد تهريب المهاجرين، في اتجاهات متعددة، تُظهر من خلالها العملية العسكرية المزمع إطلاقها في يونيو/حزيران المقبل في قمة الاتحاد الأوروبي، وجوه بادية وأخرى خفية، تحاول دول الاتحاد جمعها في قناعٍ واحد.
ما يظهر في الواجهة هو اتجاه إنساني، يسعى إلى إنقاذ هؤلاء المهاجرين من غدر البحر بتكثيف الحملة والأموال، سيخصص مبلغ 50 مليون يورو، أُعلن عنها لحل قضية الهجرة، وكذلك تحمل أعباء آلاف المهاجرين. وفي هذا الاتجاه الإنساني قولان، الأول إنّ دول الاتحاد الأوروبي تتحرك إزاء هؤلاء المهاجرين، وفقاً للمواثيق الدولية لمراعاة حقوق الإنسان، ملبية ضغوط تيار من الرأي العام داخل هذه الدول، ينادي بضرورة تقديم العون. القول الثاني ما حذّر منه مسؤولو الأمم المتحدة من أنّ إجراءات التحكم في حركة الهجرة غير الشرعية من دون وجود حلول لها، من شأنها أن تسفر عن مزيد من المخاطر والتجاوزات التي يتعرض لها المهاجرون واللاجئون. وأنّ ما هو واضح الآن يعكس ضيق صدر هذه الدول بمعالجة الأزمة، حتى وهي في عرض البحر، وأنّ نشوءها من الأساس كان بسبب عدم التعاطف.
وهناك اتجاه أمني يحرّكه استشعار الخوف من هؤلاء الآتين من مناطق النزاعات والصراعات، بأزماتهم وخلفياتهم السياسية والدينية والثقافية، والتي قد تكون تخريبية في أحوالٍ كثيرة، خصوصاً أنّ أوروبا، في العقود الأخيرة، كانت آفتها في مهاجريها. فبعد احتضانهم بين حدود دولها، شهدت أحداثاً كثيرة تراوحت بين التفجيرات والقتل والمشاكسات. كما يواجه، في الوقت نفسه، شبكات التهريب وسماسرة الهجرة غير الشرعية التي نشطت بشكل كبير بعد السياسات الأوروبية التي اتبعت خلال العشرين عاماً الماضية، للقضاء على الهجرة غير الشرعية عبر المتوسط. وظلّ المهرّبون يتكسبون من بيع الأحلام للمهاجرين، كما زادت وتيرة نشاطات هؤلاء المهربين، والتي تدخل في صميم تجارة البشر. ويستلزم وضع حدٍّ لشبكات التهريب، ضرورة تعاون دول شمال أفريقيا، وهو ما يستبعده الاتحاد الأوروبي، ما يلجئه لاستخدام الشرطة الدولية "الإنتربول" بتعاون دول الاتحاد فيما بينها.
كما أنّ هناك اتجاها سياسيا ينحو إلى الموازنة بين سياسات دول الاتحاد الداخلية المنقسمة بين تيارات شعبية، بعضها رافض والآخر متعاطف مع المهاجرين، وسياسة العلاقات الدولية التي تحرص كل الدول، وليس الاتحاد الأوروبي وحده، على أن تظهر على أفضل ما يكون.
أخطر هذه الاتجاهات التي تحرّك الاتحاد الأوروبي لوجود حل لمشكلة المهاجرين هو الاتجاه الأخلاقي الوصائي. تقف أوروبا تجاه أفريقيا موقفاً أخلاقياً وتاريخياً، نتيجة استعمارها دول القارة. فلا يمكن النظر إلى علاقة أفريقيا بدول الاتحاد الأوروبي بمعزل عن مرارات الماضي التي لعبت فيها أوروبا الدور الأعظم. فأوروبا، بوصفها التاريخي، مستعمِرة لأفريقيا، لا يحق أن تسأل، الآن، عن فشل دول القارة في الإبقاء على بنيها داخل أوطانهم.
ما حصلت عليه أفريقيا بعد نيل دولها الاستقلال هو فتات اتفاق، تم توقيعه بعد الحرب العالمية الثانية بين أكثر دول العالم ثراءً، والتي اقتسمت رئاسة المؤسسات الدولية، كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، فيما بينها، بينما عقدت نوعاً آخر من الاتفاقيات التعاونية. في البداية، جاءت اتفاقية ماستريخت الأوروبية عام 1992 التي ربطت التعاون التنموي باحترام حقوق الإنسان والديمقراطية، ولما لم تكن معظم الدول الأفريقية على قدر تحقيق التغيير السياسي المطلوب، فقد وقف التعاون بين معظمها والدول الأوروبية. ومن هذه الاتفاقيات ذات الطبيعة المزدوجة اتفاقية كوتونو التي تم توقيعها في العام 2000 في كوتونو عاصمة بنين، وتمّ تعديلها لتحل محل اتفاقية لومي التي بدأت منذ عام 1975 في لومي عاصمة توغو، وهي اتفاقية للتعاون الشامل بين دول أوروبا من جهة والدول الأفريقية جنوب الصحراء والكاريبي والباسيفيك من جهة أخرى. تختلف اتفاقية كوتونو عن اتفاقية لومي في أنّها ربطت بين التعاون التجاري والسياسات الاقتصادية والتنمية، بموجب الحوار حول حقوق الإنسان، وتحقيق السلام والحكم الرشيد.
هذه معالجة تبذلها دول الاتحاد الأوروبي لمعالجة مشكلاتها مع المهاجرين عبر البحر المتوسط، ولكن، لن يكون فيها شفاءٌ لشقاء القارة السمراء من مرارات الماضي الاستعماري البغيض وجراحه. وليس موقف هؤلاء المهاجرين أحسن حالاً من المهاجرين غير الشرعيين في كل الدنيا. ولكن، يزيد من سوء أحوالهم أنّ الدول التي يتجهون صوبها بوصفها فردوساً مفقوداً، لم تعط الأولوية لحماية حياتهم وكرامتهم الإنسانية، فلا الوقوف عند عقبة البنود العشرة وتنفيذها بحذافيرها، ولا إغراقهم الفعلي، فضلاً عن إغراقهم في مزيد من المهانة، سيبدّل بؤس بلدانهم التي فرّوا من جحيم حروبها.
وهناك اتجاه أمني يحرّكه استشعار الخوف من هؤلاء الآتين من مناطق النزاعات والصراعات، بأزماتهم وخلفياتهم السياسية والدينية والثقافية، والتي قد تكون تخريبية في أحوالٍ كثيرة، خصوصاً أنّ أوروبا، في العقود الأخيرة، كانت آفتها في مهاجريها. فبعد احتضانهم بين حدود دولها، شهدت أحداثاً كثيرة تراوحت بين التفجيرات والقتل والمشاكسات. كما يواجه، في الوقت نفسه، شبكات التهريب وسماسرة الهجرة غير الشرعية التي نشطت بشكل كبير بعد السياسات الأوروبية التي اتبعت خلال العشرين عاماً الماضية، للقضاء على الهجرة غير الشرعية عبر المتوسط. وظلّ المهرّبون يتكسبون من بيع الأحلام للمهاجرين، كما زادت وتيرة نشاطات هؤلاء المهربين، والتي تدخل في صميم تجارة البشر. ويستلزم وضع حدٍّ لشبكات التهريب، ضرورة تعاون دول شمال أفريقيا، وهو ما يستبعده الاتحاد الأوروبي، ما يلجئه لاستخدام الشرطة الدولية "الإنتربول" بتعاون دول الاتحاد فيما بينها.
كما أنّ هناك اتجاها سياسيا ينحو إلى الموازنة بين سياسات دول الاتحاد الداخلية المنقسمة بين تيارات شعبية، بعضها رافض والآخر متعاطف مع المهاجرين، وسياسة العلاقات الدولية التي تحرص كل الدول، وليس الاتحاد الأوروبي وحده، على أن تظهر على أفضل ما يكون.
أخطر هذه الاتجاهات التي تحرّك الاتحاد الأوروبي لوجود حل لمشكلة المهاجرين هو الاتجاه الأخلاقي الوصائي. تقف أوروبا تجاه أفريقيا موقفاً أخلاقياً وتاريخياً، نتيجة استعمارها دول القارة. فلا يمكن النظر إلى علاقة أفريقيا بدول الاتحاد الأوروبي بمعزل عن مرارات الماضي التي لعبت فيها أوروبا الدور الأعظم. فأوروبا، بوصفها التاريخي، مستعمِرة لأفريقيا، لا يحق أن تسأل، الآن، عن فشل دول القارة في الإبقاء على بنيها داخل أوطانهم.
هذه معالجة تبذلها دول الاتحاد الأوروبي لمعالجة مشكلاتها مع المهاجرين عبر البحر المتوسط، ولكن، لن يكون فيها شفاءٌ لشقاء القارة السمراء من مرارات الماضي الاستعماري البغيض وجراحه. وليس موقف هؤلاء المهاجرين أحسن حالاً من المهاجرين غير الشرعيين في كل الدنيا. ولكن، يزيد من سوء أحوالهم أنّ الدول التي يتجهون صوبها بوصفها فردوساً مفقوداً، لم تعط الأولوية لحماية حياتهم وكرامتهم الإنسانية، فلا الوقوف عند عقبة البنود العشرة وتنفيذها بحذافيرها، ولا إغراقهم الفعلي، فضلاً عن إغراقهم في مزيد من المهانة، سيبدّل بؤس بلدانهم التي فرّوا من جحيم حروبها.