فراغ من أجل الإنسانية

28 ابريل 2019
(هيمانت ديفاتي)
+ الخط -

فراشات

وأنا أتجول في حديقة مجمعي السكني
بلا هدف، قلت لصديق:
كما تعرف، في هذه الأيام لم نعد نرى
تلك الفراشات الصفراء الصغيرة الشائعة بعد اليوم
فأجاب بلا اهتمام:
بطُلت تلك العلامة التجارية.


■ ■ ■


ماذا حدث للغة؟

ماذا حدث للغة
الصبي وهو يمص عود قصب سكّر؟
ماذا حدث للغة هذا المتشرّد
وهو يدحرج إطار سيارة عتيق
حول قريته؟
ماذا حدث للسان الحياة اليومية لهذا الطفل
وهو يلهو بالكرات الزجاجية والدمى؟

ماذا حدث للغة الطفل
الذي أحب الألعاب العريقة
القفز بين الأشجار، والمضرب والعصا،
واللاجوري والغولف
وبابا - ماما والطبيب - الطبيب؟

ماذا حدث لهذا الطائر الحر
الذي أطلق صفيره ليبدأ المهرجان؟
صبي المشاجرات الذي لعب الأبا - رابي
بالمضرب وكرة القماش؟ ماذا حدث؟

الصبي نفسه الذي تحدث مع أصدقائه في ما بعد
الواعي ذاتياً، بلسانه، بلهجة "الغاتي" الساذجة؟
ماذا حدث؟


■ ■ ■


موت شاعر

في هذه الأيام، يمكن أن تفوح من القصائد
رائحة موت اللغة
ولكنها لن تشعر بفنائها الوشيك أبداً
ربما يجد بعضهم اكتمال حياته
بكتاب شعر أثناء موته
ولكنني لم أسمع أن أحداً يموت
وهو يكتب أو يقرأ شعراً أبداً
يا رب الشعر
هبني رصاصة في الرأس
وأنا أكتب الشعر
أو إن كنت الوحيد المحكوم بالموت
دع قنبلة متفجرة تأخذني بعيداً
من غيري يمكن أن يكون محظوظاً
بالموت وهو يقرأ شعراً؟

دع النور والظلام أمامي
يضعان حداً للضجيج
حتى وأنا أقلب صفحة.


■ ■ ■


أخبرني حين يُنادى على رقمي

وهكذا دُفعتُ
عبر آلةٍ من نوع ما
جرى تحميل برنامج فيّ تلقائياً
كم هو حجم الفراغ الباقي في دماغي؟
صفرٌ، تقول القراءة

قال خبير التقانة
لا يوجد في دماغك فراغ من أجل الإنسانية
كل فراغات الفكر ممتلئة بالكامل
يبلى الدماغ بالإهمال
وأياً كان دافعك إلى فتحه
فهو محشو بالعلامات التجارية،
بأسماء علامات، بشعارات، بإعلانات،
وإعلانات، كلّها يحتضن أحدها الآخر التماساً للدفء

من الطبيعي أنك فقدت
كلَّ وعي بالحياة
ولكي تعيد تحميل شيء من الإنسانية فيك
العلاج بالصدمة ضروري

في عالم الأموات هذا
أقف في آخر الصف
منتظراً رقمي
رقمي يتلو رقمك
أخبرني حين يُنادى على رقمي.


■ ■ ■


إنسان بلا سرّة

الرفض راحة صاعدة نازلة
تقرع طبلها
والذكريات الجنينية تنمو أبداً
كم عليّ أن أنتظرك؟
الأزهار بين يديّ انسكبت في عينيّ
والآن، وأنا أفتح نافذة الغياب الفاجع
لأنظر إلى الداخل، ماذا أجد
غير جسد مشلول
لكلمات ضامرة، مستهلكة،
إلى أي مستشفى عليّ أن أذهب؟

هذا العالم الوغد كلّه فقد سّرته
لا أشعر الآن
أنني أحب أحداً على الإطلاق
لا، ولا يمكنني أن أمقت أحداً
لهذا أصدّ
نصّها المحسوس
ومهجورة، تصدر القصيدة حفيفاً
من الثديين إلى أسفل البطن

ليس عليّ الآن إلا أن أبتعد قليلاً
للوصول إلى المدينة التي ليست مدينتها
هناك سأحصل على علاجٍ لإيدز عقلي
سأحصل على ثقوب تثقب أفكاري
وأحصل على براغٍ تلائمها
ولكنني أقسم الآن
على ألّا أتذكر أحداً على الإطلاق
على المرء أن يلف القمر ويدفنه تحت شجرة النسيم
مثلما ندفن الحبل السرّي للطفل المولود حديثاً.


■ ■ ■


يهبُّ من جسدك

أريجُ بركة زهرة الأحلام
وهو يهبّ من جسدكِ
يذكرني بإيميلاتك
يذكرني بمساحة صمتنا في طريق مارتن وتنافر أصواته
كم علينا أن نواصل الثرثرة من دون أن نضجر
أنا لا أتذكر شيئاً عن هذا أبداً
ثم نتقاسم أحياناً لفافة تبغ

لم أكن ممن يذهبون إلى مرقص أبداً
ومع أننا واظبنا على التخطيط لزيارة واحدة
لم نفعل حتى الآن
بعد ذلك تخلّيت أنت عن التدخين، عن الشراب
وفي ما بيننا تخلينا
عن مساحة الصمت في طريق مارتن

محتجبين بين أربعة جدران
والآن، كما لو أن دوّامة اصطادتنا،
لا وقت لدينا حتى ليكلّم أحدنا الآخر
نجلس نقرأ جرائد
أو نتناول الشاي
وإن تحدثنا
فعن أطفالنا، عن البيت
ومتى ستعودين، وهكذا..
أو بالهاتف في بعض ساعات ما بعد الظهر
تسألينني أو أسألك
كيف حالك
والآن، ليلاً، الرائحة التي تهبّ من جسدك
لم تعد رائحة بركة زهرة الأحلام
ولكن رائحة عرق منهك
منفّرة وجذابة معاً.


■ ■ ■


أول أمطار الموسم تتساقط ليلاً

مثل شاشة تلفاز خالية يجيء
أزيز المطر متساقطاً في الخارج
وتهيمن رائحة ترابية لعطر بلا علامة
على الغرفة مثل ضوء تلفاز خشن

وحينما تتوهج ساعة منتصف الليل
تحاول الزوجة المتأنية والقلقة والمتعبة
على عجل، وبلطف قطرات مطر ناعمة،
وضع ابنتها في الفراش
ابنتها تنام
تصحو
تنام
ومع ذلك تصحو مجدداً

وفجأة يعلو صوت الرعد
تغلق الزوجة الساخطة
الستائر المضطربة والتلفاز والأضواء وباب الحمّام

وكما الابنة
القصيدة التي تكاد تورق
عميقاً في الفكر
تذهل
عميقاً في الفكر

المطر في الخارج ورائحة التراب
يتلهفان للوصول إليّ
وأنا من قلب الغرفة
أتلهف للوصول إلى الداخل

أبذل جهداً هائلاً
لأحفظ قصيدة الفكر
في أعماق الفكر
لاحقاً، وأثناء وقت هادئ ما
إن كان يمكن تنزيل هذا المطر نفسه
ويمكن أن تصعد رائحة التراب هذه نفسها
سأكتب عندئذ القصيدة المحفوظة في القرص الصلب
وابتهج صاخباً
بأول موسم أمطار تتساقط ليلاً.


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الماراثية والعالم
يعتبر Hemant Divate أحد أبرز شعراء اللغة الماراثية الهندية. ولد في عام 1967 ويقيم منذ سنوات في مدينة بومباي. أصدر أول صحيفة معنية بأدب هذه اللغة، ظلت تصدر من دون انقطاع طوال خمسة عشر عاماً، ووفرت منبراً للشعراء الجدد وأثرت أدب اللغة الماراثية في سنوات ما بعد التسعينيات. ترجمت قصائده إلى عدد من اللغات الهندية والأجنبية، كما صدرت له مجموعة شعرية باللغة العربية بترجمة أشرف أبو اليزيد.

* ترجمة محمد الأسعد

المساهمون