يربطها بجدّتها فخر النساء زيد (1901 - 1991) الاسم ذاته والشغف باللون والجرأة في توظيفه، وتفصل بينهما مسافات زمنية مديدة؛ حيث أن حفيدتها فخر النساء رعد وُلدت عام 1981، علاوةً على اختلاف الفضاء والمؤثّرات؛ فالأولى امتازت بتجريدية غنائية تمزج فنون الشرق بالغرب، بينما تذهب الثانية نحو تأمّل الطبيعة والمدينة وتجريد مفرداتها على أسس فلسفية.
في معرضها الجديد "أم"، والذي افتتح في الحادي عشر من الشهر الجاري في "غاليري وادي فينان" بعمّان ويتواصل حتى الخامس والعشرين منه، تواصل فخر النساء رعد البناء على تجريبها الذي يتّصل بدراساتها العليا في التصميم الحضري، حيث الجزء يشكّل وحدة في مشهد كلّي.
طرحت الفنانة الأردنية في معرضين سابقين هما "الحارة" و"زن" تفاصيل مأخوذة من منزل أو شارع أو حي أو منظر طبيعي، في سياق استكشاف العلاقة العاطفية التي تنشأ بين تلك الأمكنة وبين سكّانها، والاتكاء على فكرة أساسية مفادها أن المكان الجيّد هو الذي يوفّر في أحد سماته إمكانية الحوار مع جارك أو المارّة دون الحاجة إلى الصراخ بسبب الضوضاء، ولا يشعرك بالقلق في الوقت نفسه على سلامتك الشخصية.
الانفصال عن الحارة أو الطبيعة هو الهاجس الذي قاد رعد في معرضها الحالي إلى تقديم ثيمة جديدة تتجسّد في المؤنث الذي يحضر في كلّ شيء، في كل انحناء واستدارة وتكوّر في الطبيعة، حيث تشكّل هذه الاستدارات دورة الحياة وتعيد تعريف الأمومة في أشكال عضوية مجرّدة.
أشكال دائرية تقدّمها في لوحاتها التي تعتمد الوسائط المتعدّدة في تكوينها، بحثاً عن تلك الخطوط أو الروابط التي تنسج الحبل السرّي بين مفهوم الأم وكل الذين يلتصقون به، حيث هي تقترب من الشمس التي يدور حولها كل شيء لتهبه الحياة، والصخرة الصلبة الكبيرة التي تدعم وترفع أحبّتها، والأم في بعض الأعمال هي قلب المنزل الذي تتناثر قطع أثاثه في بطنها المستدير.
تستخدم الفنانة ألواناً هادئة ذات صبغة تأملية كالأزرق والأخضر والأبيض والرمادي وتدرّجاتها لتمثيل مفهوم الاحتضان، ورسم خط الحياة في دائرة لا نقطة بداية ولا نقطة نهاية لها، وهو ما تشير إليه في تقديمها للمعرض: "الأم هي الرمز النهائي، وهذا المعرض هو استكشاف مجرّد لمفهوم الأمومة من خلال هذا الشكل الأساسي المؤنّث".
تقدّم رعد تشكيلات هندسية تتوزّع فوق سطح اللوحة في كتل لونية متعدّدة الأحجام تتجاور وتتفاعل لتخلق فضاءً من التجريد يتضمّن عناصر ومفردات تحيل إلى معنى الأمومة في تمثّلاته المتعدّدة، من خلال التركيز على ذلك الجزء المنحني والمحتضن في الشجر والبشر والجدران.
ثمّة رؤية واحدة تصوغ تجربة الفنانة قائمة على تصالح الجزء مع الكل، حتى نعود إلى أصواتنا أو نداءاتنا الحقيقية التي غطّت عليها ضوضاء الحياة الحديثة وصخبها، وفي تلك اللحظة الهاربة أو المسروقة تنبثق فكرة اللوحة ومناخاتها، حين يستمع المرء فقط إلى صوته الذي يكاد يفقده.
يُذكر أن فخر النساء رعد حازت شهادة البكالوريوس في التاريخ من "جامعة براون" عام 2002، والماجستير في التصميم الحضري من "كلية لندن" عام 2004.