يتحدث عالم النفس الألماني الأميركي، إيريك فروم، في مقابلةٍ وجهاً لوجه، عن: ثلاثية تخوض في اليوتوبيا، وثلاثية تخوض في (ضد اليوتوبيا)، في الأولى تتجاور أعمال توماس مور وكامبانيلا الراهب الإيطالي والإنتروبولوجي الألماني أندريا، في الثانية يحضر صوت (جورج) أورويل في روايته 1984 والروسي زامياتين في كتابه (نحن) ومن ثم كتاب (عالم طريف وشجاع) لدوس هكسلي، ما يهمني هنا الوجه الثاني وتحديداً 1984 بالتحذير من المستقبل - بعض المستقبل الذي هو الآن - ومن جهة تبني سؤالاً أصيلاً: "كيف يمكنُ للطبيعة البشرية أن تتغير؟". يبدو من النموذج الذي سأتخذه هنا من السهل دحض مقولة (صلابة الإنسان) والنزوع نحوَ: الإنسان سهلٌ ويمكن تفكيكه أو تدميره!
بالنظر إلى (الربيع العربي) والذي أحيلَ إلى شتاء دامٍ.. ثمةَ من يريد الحرية بوصفها علاجاً لأمراضه وقهره، وثمةَ من بينهم (هؤلاء) من يريد النجاة بالحرية نحو السلطة بوصفها غاية وليست وسيلة، كما في حالةِ السيسي الذي وقف خلفَ محمد مرسي وحفرَ تحته، موجها وبحسب رواية أورويل 1984 السلطة/ الغاية إلى إلحاقِ أكبر ضرر ومعاناة بكائن بشري وكيانات بشرية، رأت بعض خلاصها بعد عهد رأتهُ أزلياً ولا بارقة أمل في انزياحهِ أو موتهِ (مبارك) الشخص ومن ثمَّ مبارك (النظام) وهو الأخطر، إذ لا يخفىَ على أحد أن ثورة الميدان، أو ثورة الميادين سُرقتْ، وبدلاً من عودةِ الحق إلى أصحابهِ والانتصار لأهل الثورة، عادت السلطة إلى النظام بمن فيه مبارك وعلاء وجمال والسيدة (الوالدة) والجنرالات ومنهم السيسي عبد الفتاح، الذي حلَّ سرواله للإسرائيليين أولاً، فحمى الجبهة بقتل أهله في سيناء واستجلبَ ثأر البدو على الجيش الذي زجَّ في معركة ليست معركتهُ، وتحوّل من جيش عرمرم إلىَ حرس حدود تكفيه خيمة وصناديق خشبية للمؤونة وبواريد صيد لا أكثر، فعلى الطرفِ الثاني جيش مدرب (نخبة) ويضعُ النجمة السداسية على ساعدهِ. لاخوفَ على المصريين ما دامت إسرائيل بخير، هللويا للسيسي!
في حالتي مصر وتونس استبشرَ آخرون بانتصارِ الثورة، وخلاص شعب هنا وآخر هناك، يعني خلاصاً جماعياً لمجوعات بشرية تتشابه في نمط المعيشة والمشتركات من حيث التطلع إلى المستقبل ومن حيث القصة السريرية نفسها مع الاستبداد، وكانَ السوريون باعتبارهم مأساة العصر الأكبر بعد الحربين العالميتين الأكثر حاجة للصديق المنتصر، فكانتِ مكافأة حاكمية الثورة أنْ نسجت علاقة جيدة مع النظام وأعادت المياه إلى سابق عهدها، وصارَ بشار الأسد مظلوماً والشعب السوري كله إرهابياً.
وليخطبَ السيسي ودَّ حلفاء دمشق، كانَ لا بدَّ من حصتهِ من تسولِ هؤلاء الحلفاء بحجةِ النهوض باقتصاد البلد، النهوض الذي سيتركّز بالتضييقِ على السوريين في بلده وملاحقة "الإخوان المسلمين" كهدف استراتيجي لإرضاء الحليفِ الذي يرى في كلِّ ماهو إسلامي وعربي مشروعاً إرهابياً، كما لو أن (الأخوان) لم يتسّلموا السلطة من صناديق الاقتراع وإنما جاؤوا السلطة بالأسلحة كما فعلَت (الدولة الإسلامية) باجتياحاتها أو لنقل: "استلام وتسليم" المنطقة تلو الأخرى في سورية والعراق.
وبدلاً من نسجِ علاقة طيبة مع الشقيق العربي والصديق الإسلامي، راحت يده تلوّح لإيران المتباهية باحتلالها أربع عواصم عربية وأن عاصمة امبراطوريتها ستكون بغداد، في إشارة إلى استنهاضِ (الحلم الفارسي). إنَّ الرجلَ الذي يضع نظارة سوداء كتيمة على عينيه ممثل فاشل، يفعل ذلك ليخفي كذبته، فقد قيل: "العيونُ مغاريفُ النفوس".
تونس قطعت علاقتها مع النظام السوري، بعد هروب (بن علي) وأغلقت السفارة، لكن مع مجيء القائد "القايد" وفي رواية أخرى" الكايد السبسي" عادتِ الأمور إلى نصابها القديم، ثمة محبة خفية بين المقهور والقاهر، والرجل الكهل الذي لا يتوسم فيه إدارة (كولوخوز) فلاحي سيقودُ البلاد إلى ما فيه خير العباد، سُرقت تونس كلها، وصارت الدولة الأمنية في عهد زين العابدين دولةَ الخوف من المستقبل، دولة اللا أمل، والناشط الذي كانَ يعملُ في ظروف أقرب إلى الموت ويشعر بالجدوى، صار اليوم يمتثل لجورج أورويل بتحذيره من المستقبل وأن الإنسانَ يخرّب ويختل توازنه كما يخرّب مخيخُ الطائر، ثمة لا جدوى والحالُ هكذا، ففي كلِّ بيت زُرعَ داعشي لا لقتله إنما لقتل آل البيت كلهمُ.
هل ثوراتنا، تحولاتنا هي محضُ أحلام يقظة، هل هي يوتوبيا (توماس مور) وخيارات عصر النهضة في تصوّر عالمٍ آخر، يأخذُ بحاجاتِ المقهورين؟ يبدو أنَّها أسئلةٌ ستبقىَ كقمصانٍ معلقةٍ على مشجبِ الغسيل.
ماهو شخصي
كانَ من المفترض أن أشاركَ في مهرجانِ توزر الدولي للشعر، فلم أتحصّل "الفيزا"، وسبقت هذه دعوة في العام الفائت/ الفارط كما ينطقها التوانسة، وكانَ أن تحرّى مدير المهرجان عن شخصِ المدعو - الذي هو أنا - فوجده معارضاً وصديقاً (للخائن) برهان غليون، فألغيت الدعوة "درءاً للمشاكل".
لابأس في ذلكَ، لكن قهراً تحتملهُ هذه الحركة الناقصة بتوقفِ بندولها، إذ إنَّ السوري عوّل على من عرفَ طعم الثورةِ ليسنده فجاءتهُ الطعنة ممن ظنّهُ الصديق!
يبدو جلياً أنَّ "بن علي ما هرَبْ" وليلى الطرابلسي ما زالتْ بحليها وألبستها الفاخرة وأحذيتها الألف تختال بوصفها سيدة تونس الأولىَ و"بلاد العرب أوطاني من الأسد إلى السبسي إلى السيسي فتطوانِ".
(سورية)
بالنظر إلى (الربيع العربي) والذي أحيلَ إلى شتاء دامٍ.. ثمةَ من يريد الحرية بوصفها علاجاً لأمراضه وقهره، وثمةَ من بينهم (هؤلاء) من يريد النجاة بالحرية نحو السلطة بوصفها غاية وليست وسيلة، كما في حالةِ السيسي الذي وقف خلفَ محمد مرسي وحفرَ تحته، موجها وبحسب رواية أورويل 1984 السلطة/ الغاية إلى إلحاقِ أكبر ضرر ومعاناة بكائن بشري وكيانات بشرية، رأت بعض خلاصها بعد عهد رأتهُ أزلياً ولا بارقة أمل في انزياحهِ أو موتهِ (مبارك) الشخص ومن ثمَّ مبارك (النظام) وهو الأخطر، إذ لا يخفىَ على أحد أن ثورة الميدان، أو ثورة الميادين سُرقتْ، وبدلاً من عودةِ الحق إلى أصحابهِ والانتصار لأهل الثورة، عادت السلطة إلى النظام بمن فيه مبارك وعلاء وجمال والسيدة (الوالدة) والجنرالات ومنهم السيسي عبد الفتاح، الذي حلَّ سرواله للإسرائيليين أولاً، فحمى الجبهة بقتل أهله في سيناء واستجلبَ ثأر البدو على الجيش الذي زجَّ في معركة ليست معركتهُ، وتحوّل من جيش عرمرم إلىَ حرس حدود تكفيه خيمة وصناديق خشبية للمؤونة وبواريد صيد لا أكثر، فعلى الطرفِ الثاني جيش مدرب (نخبة) ويضعُ النجمة السداسية على ساعدهِ. لاخوفَ على المصريين ما دامت إسرائيل بخير، هللويا للسيسي!
في حالتي مصر وتونس استبشرَ آخرون بانتصارِ الثورة، وخلاص شعب هنا وآخر هناك، يعني خلاصاً جماعياً لمجوعات بشرية تتشابه في نمط المعيشة والمشتركات من حيث التطلع إلى المستقبل ومن حيث القصة السريرية نفسها مع الاستبداد، وكانَ السوريون باعتبارهم مأساة العصر الأكبر بعد الحربين العالميتين الأكثر حاجة للصديق المنتصر، فكانتِ مكافأة حاكمية الثورة أنْ نسجت علاقة جيدة مع النظام وأعادت المياه إلى سابق عهدها، وصارَ بشار الأسد مظلوماً والشعب السوري كله إرهابياً.
وليخطبَ السيسي ودَّ حلفاء دمشق، كانَ لا بدَّ من حصتهِ من تسولِ هؤلاء الحلفاء بحجةِ النهوض باقتصاد البلد، النهوض الذي سيتركّز بالتضييقِ على السوريين في بلده وملاحقة "الإخوان المسلمين" كهدف استراتيجي لإرضاء الحليفِ الذي يرى في كلِّ ماهو إسلامي وعربي مشروعاً إرهابياً، كما لو أن (الأخوان) لم يتسّلموا السلطة من صناديق الاقتراع وإنما جاؤوا السلطة بالأسلحة كما فعلَت (الدولة الإسلامية) باجتياحاتها أو لنقل: "استلام وتسليم" المنطقة تلو الأخرى في سورية والعراق.
وبدلاً من نسجِ علاقة طيبة مع الشقيق العربي والصديق الإسلامي، راحت يده تلوّح لإيران المتباهية باحتلالها أربع عواصم عربية وأن عاصمة امبراطوريتها ستكون بغداد، في إشارة إلى استنهاضِ (الحلم الفارسي). إنَّ الرجلَ الذي يضع نظارة سوداء كتيمة على عينيه ممثل فاشل، يفعل ذلك ليخفي كذبته، فقد قيل: "العيونُ مغاريفُ النفوس".
تونس قطعت علاقتها مع النظام السوري، بعد هروب (بن علي) وأغلقت السفارة، لكن مع مجيء القائد "القايد" وفي رواية أخرى" الكايد السبسي" عادتِ الأمور إلى نصابها القديم، ثمة محبة خفية بين المقهور والقاهر، والرجل الكهل الذي لا يتوسم فيه إدارة (كولوخوز) فلاحي سيقودُ البلاد إلى ما فيه خير العباد، سُرقت تونس كلها، وصارت الدولة الأمنية في عهد زين العابدين دولةَ الخوف من المستقبل، دولة اللا أمل، والناشط الذي كانَ يعملُ في ظروف أقرب إلى الموت ويشعر بالجدوى، صار اليوم يمتثل لجورج أورويل بتحذيره من المستقبل وأن الإنسانَ يخرّب ويختل توازنه كما يخرّب مخيخُ الطائر، ثمة لا جدوى والحالُ هكذا، ففي كلِّ بيت زُرعَ داعشي لا لقتله إنما لقتل آل البيت كلهمُ.
هل ثوراتنا، تحولاتنا هي محضُ أحلام يقظة، هل هي يوتوبيا (توماس مور) وخيارات عصر النهضة في تصوّر عالمٍ آخر، يأخذُ بحاجاتِ المقهورين؟ يبدو أنَّها أسئلةٌ ستبقىَ كقمصانٍ معلقةٍ على مشجبِ الغسيل.
ماهو شخصي
كانَ من المفترض أن أشاركَ في مهرجانِ توزر الدولي للشعر، فلم أتحصّل "الفيزا"، وسبقت هذه دعوة في العام الفائت/ الفارط كما ينطقها التوانسة، وكانَ أن تحرّى مدير المهرجان عن شخصِ المدعو - الذي هو أنا - فوجده معارضاً وصديقاً (للخائن) برهان غليون، فألغيت الدعوة "درءاً للمشاكل".
لابأس في ذلكَ، لكن قهراً تحتملهُ هذه الحركة الناقصة بتوقفِ بندولها، إذ إنَّ السوري عوّل على من عرفَ طعم الثورةِ ليسنده فجاءتهُ الطعنة ممن ظنّهُ الصديق!
يبدو جلياً أنَّ "بن علي ما هرَبْ" وليلى الطرابلسي ما زالتْ بحليها وألبستها الفاخرة وأحذيتها الألف تختال بوصفها سيدة تونس الأولىَ و"بلاد العرب أوطاني من الأسد إلى السبسي إلى السيسي فتطوانِ".
(سورية)